شعار قسم مدونات

سناب شات.. "ماذا تأكل؟" بدلا من "بم تفكر؟"

BLOGS سناب شات
إنّ معظمنا كان يشكو ضياع الوقت على فيسبوك، كما أن معظمنا، أيضا، يقول إنه يحرق وقته بلا نار في تصفح منشورات أصدقائه، يعزي هنا، ويبارك هناك، ويضحك عند منشور صديق آخر ويجمع أصدقاءه ليقضوا ليلة كاملة في تبادل النكات وخفة الدم والضحك من خلف الشاشة على منشور ما، وآخرين وجدوا فيه موقعا ناجحا للاطلاع وزيادة الثقافة، لكن لنقل إن الفئة الثانية تغلبت على الأولى، لأن فيسبوك يقدم الكثير من الأخبار السياسية والفنية، حتى وإن لم نقرأها لكننا نرى عناوين عامة عما يحصل.

الملفت، أن جميعنا مرت عليه منشورات لبعض الأصدقاء يجيبون فيها فيسبوك على سؤاله الثابت في ساحة النشر "بم تفكر؟" الأغلب كان يجيبه بالحيرة، البعض الآخر يشكو الحزن والوضع السياسي المتعب وأزمة السير وصوت جارته المرتفع وطلبات أمه المتكررة والبطالة والكسل وكل شيء يخطر على البال.

وهناك نشطاء، بالفعل كانوا يجيبون فيسبوك بطريقة فلسفية عن سؤال "بم تفكر؟" فينقل رؤية ووجهة نظر حول موضوع ما، لست هنا بصدد تحديد أن جمهور فيسبوك جميعه ينشر محتوى ذا قيمة، فلن ننسى صور أيادي الخاطبين، وصورة الكيك المنزلي وعبارة "شغل إديا وحياة عينيا"، وانظروا الفرق بين قطعة الحلوى المكشوفة والمغلقة، وأصحاب تغيير صورة الملف الشخصي كل ساعتين أو ثلاث، ونشر صور لأشخاص مع مسؤول ما، وثقافة "التسحيج" المنتشرة بكثرة والتي يتكاثر الغباء المطلق فيها.

امتلأ التطبيق بصور الطعام وبدخان الأراجيل، حتى الزيارات أصبحت مصورة ومؤرشفة، والخصوصية أصبحت شيئا مستباحا، كله على العلن

لكن ساحة النقاش والتبادل المعرفي في فيسبوك تفوق المواقع الأخرى وتتفوق كثيرا، وحتى موقع تويتر، نجد فيه كَما لا يستهان به من الأخبار والمنشورات التي تزيد الوعي فعلا وتجعل المستخدم مطلعا على الأمور. أما سناب شات، التطبيق الأصفر، فلتر الورد، التطبيق الذي حولنا من سؤال "بم تفكر" على الفيسبوك، إلى "ماذا تأكل" "ماذا ترتدي؟".

يجعلك الشخص الذي تتابعه حينما تراه على أرض الواقع تظن أنه ابن عمه وليس هو نفسه، في البداية كان الجميع يغدق بانتقاد الفلاتر التي تظهر الشخص بصورة أجمل بكثير من شكله الحقيقي وتغير في ملامحه أيضا، ولا أنكر كنت من ضمن الأشخاص الذين أعجبتهم الصور على تطبيق سناب شات وبدأت فعلا باستخدامها.. لكن الأمر لم يقف هنا أبدا، بل انتقلنا من مرحلة الفلاتر والتقاط الصور إلى مرحلة الشهرة عن طريقه، ستقولوا لي "ولم! لا؟" حسنا، الفتاة التي جربت 25 منتجا في حياتها أصبحت خبيرة بشرة والتي طبقت حمية غذائية ناجحة لمدة شهرين أخصائية تغذية، والشاب وأصدقاؤه إن ذهب رحلة أصبح رحالة يصور كل الرحلة بتفاصيلها المملة، وتصوير السيارات والتصوير أثناء القيادة لتطغى المبالغة والتصنع على تطبيق سناب شات.

لنحيد هذا كله ونأتي إلى النقطة الأهم، خذ وقتك وركز في القصص التي يقوم الأصدقاء بنشرها، ستجد أن هناك أصدقاء ينشرون فطورهم وغداءهم وعشاءهم، وفنجان قهوتهم وتحلاية ما بعد الغداء، ودخان الأرجيلة المتصاعد، هناك شريحة معينة تختص بتصوير الأرجلية ونفث دخانها كل يوم، السؤال هنا، ما الجديد؟ 

ماذا ستضيف لي مائدة طعامك؟ وصوت مسجلك في السيارة، والفيديو كليب الذي تصوره الفتيات مع الأغاني، ودخان الأرجيلة؟ أنا لست ضد نشر أي شيء لأي شخص، أعلم الحجة الدائمة "هذا حسابي وأنشر ما أريد"، هذا الاستخفاف بأنفسنا يقودنا إلى هاوية الجحيم، فكل شخص فينا عبارة عن فكرة، التفت لحولك وانظر أنت قدوة بالنسبة لمن ومن؟ ستجد الكثير، أي أننا نساهم في بناء الجيل بطريقة أو بأخرى، فما الفائدة من زرع التصنع؟ وإبراز المظاهر الكاذبة؟ 

 تكاثرت قدوات المراهقين ومحاولات استنساخ الشخصية المشهورة وتقليدها بشتى الوسائل، وبلغ التكلف حد الملل، لذلك قمت بحذف التطبيق دون نية في استرجاعه
 تكاثرت قدوات المراهقين ومحاولات استنساخ الشخصية المشهورة وتقليدها بشتى الوسائل، وبلغ التكلف حد الملل، لذلك قمت بحذف التطبيق دون نية في استرجاعه

امتلأ التطبيق بصور الطعام وبدخان الأراجيل، حتى الزيارات أصبحت مصورة ومؤرشفة، والخصوصية أصبحت شيئا مستباحا، كله على العلن، وأصبح للشخص الذي يملك محتوى يقدمه والشخص الذي لا يملك أي محتوى ذات الجمهور وعدده الكبير، ولعل الأشخاص الذين يخرجون عبر تطبيق سناب شات، لا يعون كم الشتائم والانتقادات لكل شيء ينشرونه، لأن الشخص الهادف لإيصال فكرة واضح للجميع، والعكس منه أيضا واضح، الكاميرا تخفي عيوب الوجه لكنها لا تستطيع إخفاء فجوات الفكر وكتم الأفكار البالية والتفاهة في طرح المواضيع.

لقد تكاثرت قدوات المراهقين ومحاولات استنساخ الشخصية المشهورة وتقليدها بشتى الوسائل، وبلغ التكلف حد الملل، لذلك قمت بحذف التطبيق دون نية في استرجاعه، كنت أجلس ساعة في كل يوم أراقب المحتوى الذي ينشره الأصدقاء، وأدخل في مرحلة اكتئاب للتصنع المبالغ والكذب الذي يغزو هذا الموقع، لقد أصبحنا نغرق بالتقليد في واقعنا، نبحث عن نسخة تعجبنا، لا أن نكون أنفسنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.