شعار قسم مدونات

لبنات الإنقاذ لمستقبل جماعة الإخوان المسلمين

blogs الإخوان المسلمون
لقد تسبب الهرج السياسي غير المبني على أسس صحيحة من السياسة الشرعية في ضياع الكثير من ثغور الدعوة والعمل الإسلامي فهل يقع على الإخوان بعض المسؤولية عن ذلك وما هي أسباب تلك المسؤولية وما الذي يجب عليهم فعله اليوم لتدارك الخلل؟ كانت مشاركة الإخوان في ثورة يناير بمثابة ترجيح لانتهاج المسار الثوري في التغيير على حساب المسار السلمي الإصلاحي الذي يجب أن يكون عليه أي تجمع إسلامي ونجحت الثورة ووصل الإخوان إلى سدة القيادة ولكن هل كان قادة الإخوان على مستوى هذا الحدث الجلل أم لا؟

حدثت أمور تدل يقينا على غياب الإستراتيجية في عمل الإخوان وكان واضحا أن سياسات القادة تنم عن تخبط وقصور سواء في فهم الشرع أو معرفة حقيقة الواقع وتنم عن عشوائية في اتخاذ القرار وغياب المنهج والخطة من أجل المحافظة على مكتسبات الثورة. ومما يدل على الانفصام عن الواقع والحدث خلال فترة حكم الإخوان؛ الثقة العمياء في استحالة انقلاب الجيش عليهم على أساس أن فيه على حد تعبيرهم "رجالة زي الذهب" مع أن أكثر المتابعين للأحداث من خارج الإخوان كانوا يدركون سير قادة الجيش الذين أتى بهم الإخوان إلى الواجهة نحو الانقلاب؛ حدث الانقلاب ولم تكن هناك رؤية واقعة للتخلص منه ولا رؤية شرعية في التعامل معه، وبدا هذا واضحا في التعامل مع القائمين عليه.

راهن الإخوان على سقوط الانقلاب حتى لو أدى ذلك إلى سقوط الدولة بطرق خاطئة، فتنادوا بالمظاهرات وفي كل مظاهرة كان يقتل الكثير ويسجن الكثير وتفقد الجماعة مع كل مظاهرة العديد من كوادرها بلا ثمن، وبدا أن الحركة لا تنظر إلى حفظ دماء هؤلاء بمنظور الشرع وأعماهم العناد عن التراجع لحماية تلك الدماء، وفي ميدان رابعة جمعوا كوادرهم في سلة واحدة وجازفوا بهم ولولا ستر الله ورحمة الله بهم لقُضي على الجميع، وزعموا أن صدورهم أقوى من الرصاص وهذا الكلام لا يقبله عاقل ولا يصح أن نسمع مثله من قادة كان أقل ما يجب عليهم هو حماية أرواح المسلمين.

تقاعس القادة الذين كانوا دون مستوى الريادة عن أخذ زمام الأمر ومبادرات الحل في كل فرصة سنحت وصارت أوراق الحل تُفقد يوما بعد يوم حتى صار حالنا إلى ما نحن فيه

ربما راهنوا على معجزة تنزل من السماء وقد مضى زمن المعجزات ولا تتنزل الكرامات إلا بشروطها على من ارتضى الله دينهم فهما للدين ومعرفة بالواقع المحيط به، وربما راهنوا على تدخل المجتمع الدولي وهو لن يفعل، ولو كان فيه خير لانتصب للدفاع عن أطفال سوريا في مقابل البراميل المتفجرة والكيماوي المحرم دوليا التي هلكت سوريا ولم يفعلوا شيئا.

لم يكن هناك سعي حقيقي لإيجاد حلول؛ ولكن السمة البارزة كانت التفريط في الثغور والتفريط في الكوادر، ولنا أن نتساءل؛ أليس كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؟ أو ليس النبي صلى الله عليه وسلم ظل يدعو شهرا كاملا يقنت في صلاة الفجر يدعو على قبائل رعل وذكوان وعصية لأنهم قتلوا سبعين صحابيا ببئر معونة غدرا. شهر كامل والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم لأنهم قتلوا سبعين، وأنتم فرطتم في أكثر من سبعة آلاف من أزكى الشباب بلا فائدة ولا جدوى ولا حتى مجرد تراجع عن تلك السياسات التي آلت إلى هذه الحال.

لنا أن نستغرب من مواقفكم، أيُقتل أبناء المسلمين وتعتقل بناتهم وتنتهك محارمهم بلا ثمن ولا أدنى فائدة؟ أين الحرص على الرعية وقد استأمنكم الله تعالى عليهم؟ وأين الجدوى من هذا الهراء واللغط الذي لا يعود على الأمة بأدنى خير؟ هل من المعقول أن نُستدرج إلى نفس الجحر مرات ومرات؟ وهل من الحكمة أن نسير بأرجلنا إلى حيث نعلم من القتل والتصفية والفتنة والبلاء؟! ألم تكن لدينا حلول لعلاج الأزمات؟ ألا نتقن إلا فن الصياح والعويل والهوس الخطابي والجعجعة من غير طحن في أوقات حالكة تستلزم الحنكة والحكمة؟

تقاعس القادة الذين كانوا دون مستوى الريادة عن أخذ زمام الأمر ومبادرات الحل في كل فرصة سنحت، وصارت أوراق الحل تُفقد يوما بعد يوم حتى صار حالنا إلى ما نحن فيه حيث لم يتبق لنا أي شيء يمكن أن نطرحه على طاولة المفاوضات، والجميع يسير إلى الفناء المحض بلا ثمن، اللهم إلا الوهم الكاذب. أغلق القادة كل أبواب النقد الذاتي وصموا آذانهم عن النقد الداخلي والخارجي بسبب الغرور السياسي الذي أصابهم من سير الحشود خلفهم حتى صاروا أكثر استبدادا بالرأي من الطغاة والمتجبرين، لا يقبلون النصح ولا يطيقون النقد وحسبوا أنهم فوق النصح وفوق النقد وفوق المراجعات.

إن أي جماعة لا تحاسب نفسها ولا تقيم وزنا للمراجعات فإنها عرضة لأخطاء جسيمة تقارب صنيع الحمقى والجهلاء. إن النقد نعمة تهذب السير وتصحح الطريق، وإذا كان القرآن الكريم ينتقد مسار الجماعة المسلمة الأولى ويصحح مسارها وقد كان على رأسها الرسول صلى الله عليه وسلم -وذلك في مواطن عديدة: في غزوة بدر في مسألة الأسرى وفي غزوة أحد في مخالفة أمر الرسول، ووفي غزوة حنين حين أعجب الصحابة كثرتهم؛ بل وعاتب القرآن الكريم الرسول صلى الله عليه وسلم في مواطن عديدة؛ كما في سورة عبس وسورة التحريم وسورة الأنفال وسورة التوبة، كل ذلك من النقد الذاتي وتصحيح المسار.- فهل كان قادة الإخوان أغنى عن الحاجة إلى النقد والمراجعة من جماعة المسلمين الأولى.

تربت القيادة على نظرية الاصطفاء والاستعلاء، فهم المصطفون الأخيار وهم القادة الملهمون فلا مجال لا للمراجعات ولا مجال إلا للسمع والطاعة؛ وإلا كان المعارض لهم من المتشككين والمنهزمين. وتربت القاعدة على فن تبرير الأخطاء التي ترتكبها القيادة حتى وإن سارت بهم إلى الهاوية، ولسان حالهم يقول مرحبا بالهاوية إن كنا خلف تلك القيادة الملهمة الرشيدة.

ولنا أن نتساءل؛ لماذا إذن يعاتبون على العسكر أنهم طغاة متجبرون في الأرض وقد صاروا قريبا من حالهم استبدادا بالرأي وبعدا في قبول النصيحة؟ ومع كل كما سبق لا تزال لبنات الحل موجودة ولا تزال لبنات الإنقاذ متيسرة ولا تزال حلقات الوصل موجودة، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. ولعلي أوجز هاهنا تلك اللبنات وأتناولها بإسهاب مشفوعة بأدلتها الشرعية في مقالات تالية إن شاء الله.

الجماعة ليست مطالبة بتطبيق الحدود لأنها ليست في مكان الحكم وليست مسؤولة عن أخطاء الحكام؛ لأن كل نفس بما كسبت رهينة، ولكنها مطالبة بالإصلاح والنصح والإرشاد وفق الإمكانات المتاحة
الجماعة ليست مطالبة بتطبيق الحدود لأنها ليست في مكان الحكم وليست مسؤولة عن أخطاء الحكام؛ لأن كل نفس بما كسبت رهينة، ولكنها مطالبة بالإصلاح والنصح والإرشاد وفق الإمكانات المتاحة

اللبنة الأولى: حل إشكالية التعارض المزمن مع أنظمة الحكم في بلاد المسلمين، فما المانع أن ينظر الإخوان إلى الأنظمة بتوصيف شرعي ويقبلون بها علانية؛ في ظل بيعة على الطاعة في المعروف والنصح والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ في ظل بيعة تحترم ولاة الأمور وتحفظ العهود والدماء والحرمات، وتفتح مجالات الدعوة والعمل السلمي الإصلاحي الذي يملأ الأمة بالخير والأمل؟ وهذا العمل الدعوي الإصلاحي أفضل -ولا شك- من تبني المنهج الصدامي الذي ينقل الصراع الخارجي المفترض مع أعداء الإسلام إلى صراع داخلي بين المسلمين أنفسهم ولا يعود على الأمة بأي خير.

 
إن الجماعة ليست مطالبة بتطبيق الحدود لأنها ليست في مكان الحكم وليست مسؤولة عن أخطاء الحكام؛ لأن كل نفس بما كسبت رهينة، وليست مطالبة بتغيير الحكام المسلمين لأن الملك لله يضعه حيث يشاء، وهي منهية شرعا عن العبث بهذه الزاوية، ولكنها مطالبة بالإصلاح والنصح والإرشاد وفق الإمكانات المتاحة ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولا يحاسبها إلا على مقدورها. فما المانع من المراجعة وإعلان ذلك على الملأ والعودة إلى ثغور الدعوة والإرشاد بدلا من تكلف ما لا يقع تحت دائرتها من المسؤوليات الشرعية، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وتصرف بناء على ذلك.

واللبنة الثانية لحلحلة الوضع وتصحيح المسار: إعلان القادة الذين تسببوا في إيجاد تلك الأزمات اعتزال العمل السياسي وإفساح المجال فيه لكوادر متوسطة عاقلة حكيمة تتصف باللين والرفق والرحمة لإتمام المسيرة وفق معايير صحيحة جديدة.

 

واللبنة الثالثة: إعلان المصالحة مع الشعوب والنظر إليها بمنظور الأمل والتفاؤل، فمنطوق الحديث المتفق عليه؛ "يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا ولا تنفِّروا"، ومنطوق حديث البخاري "سدّدوا وقاربوا"، وقد تكفل الخالق بحفظ الإسلام إلى قيام الساعة.

واللبنة الرابعة: إعلاء قيمة النقد الذاتي وتغيير النظرة إليه، وإيجاد هيئة ناضجة تتبناه وتنتقي منه كل صالح ومفيد، فليس كل ناقد حاقد ولا كل معترض مغرض؛ بل تصحيح المسار يوجب تعدد الآراء وتصحيح المسار.

واللبنة الخامسة: مراجعة المناهج التي تفرز الشخصية الإخوانية وتهذيب تلك المناهج من خلال لجنة علمية شرعية متخصصة لها القدرة على فهم الشرع ومعرفة الواقع، وتستطيع رسم السياسات الصحيحة للعمل الإسلامي المقبل.

وهذه بعض لبنات الحل في نظري والله تعالى أعلم وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.