شعار قسم مدونات

مظالم الحب!

blogs - love
"الحب"، تلك الكلمة التي تلوكها الكثير من الألسنة، وتحيا عليها وبها الكثير من القلوب والعلاقات، تُهدم بها أيضا قلوب وتُدمّر باسمها علاقات!! أحيانا يصيب الناسُ في توصيف "الحب"، وأحيانا كثيرة يخلطون ويخطئون!
   
نتناول أولى مظالم الحب معا ونتساءل:"هل قلب الرجل قادر على أن يحب الكثيرات من النساء، أم أنه لا يحمل بين ثناياه إلا واحدة فقط، كما أن النساء لا يحملن في قلوبهن إلا رجلا واحدا؟ ذاك صديقي الذي عايشته عاشقا ولهانا، شاءت الأقدار ألا يجتمع بمحبوبته -كما حال الكثيرين- وتزوج أخرى!، سألته حينها متحيرا: "كيف لك أن تنسى محبوبتك وتتزوج أخرى؟!"، فأجابني: "قلب الرجل كالرمانة يتسع للكثيرات، بينما قلب المرأة كالمشمشة لا يتسع إلا لواحد فقط!".
   
حيرتني إجابته، وظللت أتساءل هل هذا حقيقي؟!، وهل باستطاعة الرجل أن يُحب وينسى ويحب وينسى وهكذا دواليك؟!، أم أن هذه محض افتراءات يُروّجها الرجال كي يتناسوا بعض الأزمات العاطفية التي مرّت بهم ويقنعوا أنفسهم أن الداخلة الجديدة إلى القلب ستمحو التي قبلها؟! ذهبت أبحث عن الإجابة، فلاحظت أن الله في حديثه عن الزواج لم يُعبر بالحب، بل قال "وجعل بينكم مودة ورحمة "، ولا شك أن لهذا مغزى.
    

تقبلوا بعضكم على ما فيكم من اختلاف، فلعل الاختلاف الذي بينكما هو مكمن اللذة وموطن الانجذاب

بحثت عن معنى "المودة" فرَاقَ لي هذا التعريف: "المودة شعور بالانسجام بين شخصين أو أكثر، ينتُج من الاحتكاك الاجتماعي والعاطفي الدائم"، ومن هنا يتضح أن المودة هي المرحلة السابقة للحب واللبنة الرئيسة له، والحب ثمرتها التي قد لا تأتي! نعم، هنا الفارق، فالمودة والألفة التي بين كثير من الأزواج الآن لا تعني الحب، بل ليست هي الحب!، بل ربما تكونُ ثمرة المودة -الحب- قد قُطفت منذ أمد!، ولم يبق إلا الشجرة التي تُسمى المودة، وهي تنمو بالسَّقي، وتزدهر بالرعاية، لكن ليس شرطا أن تعطيك ثمرتها!، فقط لأن الأمر ليس بيدها!.
     
وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح "من أحب الناس إليك؟ قال عائشة!" ومعلوم أن النبي تزوّج غيرها، قبلها وبعدها، لكن لعلها هي التي قطفت ثمرة فؤاده، ولذا كان يقول "ص" معتذرا لربِّه عن ميله لها أكثر من باقي نسائه: "اللهم إن هذا قَسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك". والله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ على هذا الميل الجبلِّي، لأنه لا قدرة للإنسان على تغييره، فكيف يحاسبه الله عليه وهو الذي يقول في كتابه "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" ؟!
      
بيد أن المولى سبحانه قال أيضا: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، يقطع الله سبحانه هنا بأن الإنسان لن يستطيع أن يعدل بين نسائه في الحب لأن واحدة ستكون مفضلة على الأخريات، ولذا بيّن العلاج فقال: "فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلّقة"، أي وإن مِلتُم لواحدة على حساب أخرى فلا تنسوا المودّة بينكم، فإن أُزيحت المودة لن يبقي معنى للزاوج إذن!
    
لعلكم لاحظتم معي أن الخلط بين مفهومي الحب والمودة هو سبب هذه الأسطورة الخاطئة التي يروّجها الكثيرون، وبان أن قلب الرجل والمرأة يُعطي ثمرته -الحب- لواحد فقط، لكن لعلّ الفارق بين الرجل والأنثى هو أن الرجل يستطيع أن يُظهر المودة لغير التي يحبها أيضا، ولذا أباح له الشرع التعدد، ولم يطلب منه إلا المودة، لأنها هي التي يقدر عليها!
   
ربما لا ينبني على هذه التفرقة كثير عمل، لكن تفريق الإنسان بينه وبين نفسه بين هذين المفهومين يجعله يعيش حالة من حالات السكينة النفسية، فلا يُحمِّل نفسه فوق طاقتها، أو يتصنع ما ليس بداخله! وإن كان من نصيحة في الختام، فهي للأزواج والزوجات، ابحثوا عن المودة، وتعاملوا بها، ولا تعيشوا قصص الغرام الوهمية التي تسوِّقها لنا الشاشات، فلا توجد في الدنيا لذة خالصة، ولا نعيم مقيم، ولكن تقبلوا بعضكم على ما فيكم من اختلاف، فلعل الاختلاف -ليس الخلاف- الذي بينكما هو مكمن اللذة وموطن الانجذاب، وكذا فما نراه على صفحات التواصل الاجتماعي من جانبَي العلاقات الاجتماعية، السلبي والإيجابي، لا يخلو من التهويل، فإما مبالغة في إظهار الحب أمام الناس، أو مبالغة في إظهار مساوئ الزواج وزوال الحب وآثاره بين الأزواج، ولا شك أن الحقيقة بعيدة عن هذا وذاك، فلكلِّ بيت أسرارُه، ولكل حب طبيعته. وختاما: هذا ما بان لي أنه الصواب عند فك الاشتباك وإزالة الاشتباه بين المفهومين، والله أعلم بالصواب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.