شعار قسم مدونات

هل من رشيد؟!

blogs دمار

مؤرق الخوض في قصص الخلافة الإسلامية، أتعلم لماذا؟ لأننا ببساطة نفتقر لأدنى حقوقنا وواجبات الدولة تجاهنا، لأننا نعيش حكاية، لا بل أسطورة مقارنة بواقعنا حينما نتجول بين صفحات التاريخ، ونجول في ذاكرته باحثين بينها عن أنفسنا والأطوار التي أودت بنا إلى هنا، عن سبل تقينا الخنوع والجهل وترقى بنا لأسمى أمارات النهضة والحضارة، حينما نراجع حياة الأمم السابقة ونتطلع لعوالم الحاضر، حينما نقرأ عن معارك الفتح الإسلامية، عن سامراء المنصور، وعن حطين وفتح القسطنطينية. كم هو ممتع التجوال بين أروقة مخطوطات واستراتيجيات تُفضي بالنصر، وكذلك عن ساسة حكموا أعظم الإمبراطوريات تحت ظل العدل والمساواة، عن قضاة حقّ جُل مساعيهم أن تزول أصداء الفقر من أزقة ممالكهم، أن تعيش شعوبهم بعز وعنفوان.

فهل تذكر قصة خليفة المسلمين عمر الفاروق، حينما "مر رضي الله عنه على الناس متسترا ليتعرف أخبار رعيته، فرأى عجوزا فسلّم عليها وقال لها: ما فعل عمر؟ قالت: لا جزاه الله عني خيرا، فقال: ولمَ؟، قالت: لأنه -والله- ما نالني من عطائه منذ ولي أمر المؤمنين دينار ولا درهم، فقال لها: وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع؟ قالت: سبحان الله! والله ما ظننت أن أحدا يلي عمل الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها".

فبكى عمر ثم قال: "وا عمراه! كل أحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر". ثم قال لها: "يا أمة الله، بكم تبيعينني ظلامتك من عمر؟ فإني أرحمه من النار"، قالت: "لا تهزأ بنا يرحمك الله". فقال لها: "لست بهزاء.." ولم يزل بها حتى اشترى ظلامتها بخمسة وعشرين دينارا، وبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما فقالا: "السلام عليك يا أمير المؤمنين"، فوضعت العجوز يدها على رأسها وقالت: "وا سوأتاه، أشتمت أمير المؤمنين في وجهه!"، فقال لها عمر: "لا بأس عليك رحمك الله، ثم طلب رقعة يكتب فيها….".

كيف تستطيع الإمبريالية إنعاش ذاكرة التاريخ ودفع الخزي بسقوطها مرارا وجهلها في الماضي لقوة أعلت نفوذها ومكنتها من الحكم؟! علمت فينا ضعفا فأرهقت عقولنا ونفوسنا، وجعلت سبب هزلنا سببا في نهضتها وعُلوها
كيف تستطيع الإمبريالية إنعاش ذاكرة التاريخ ودفع الخزي بسقوطها مرارا وجهلها في الماضي لقوة أعلت نفوذها ومكنتها من الحكم؟! علمت فينا ضعفا فأرهقت عقولنا ونفوسنا، وجعلت سبب هزلنا سببا في نهضتها وعُلوها
 

أكرر قراءتها مرارا باحثة عن أصداء لها في بلادي، وتجتاحني تساؤلات، أحقا نحن نحيا تحت إمرة مسلمين؟ لكن ماذا عن الخيام والأيتام وأولئك الجوعى، أين خليفة المسلمين بيننا، كيف للعبيد أن يتحرروا وخلف غياهب القضبان أحرار يقتلون لأنهم نادوا بالحقّ، كيف للأرض أن تحيا وخلف كل غصن يقبع لص، كيف لنا أن نستمر في معركتنا وهناك من يستسلم للهوى ويتخلى، كيف لنا أن ننتصر وعصيب علينا أن نتحد. حينما تحدثك الأخبار أن المملكة تتبع سياسة القمع بحق شعبها، وتقوم بزجّ الشيوخ والقادة بالسجون ممن أعرض عن تأييدها، وتستمر في التخاذل عن متابعتها طريق الكفاح لنصرة الدول العربية الشقيقة، وعن مطامع تركيا التي تصافح سفاحي أبناء الشعب السوري الذي تبنّت نصرته حسب ما تدعي، عن مصر والأردن حينما خلّوا السبل بذريعة التحصن. يوم ألفنا تركيا وآمنا بها كحليف وعون لنا على نصرة ثورتنا، لكننا لم نكن على دراية بأنّ يدها التي امتدت لعوننا تنوي أن تطول جراحنا وتستعمر ما عزمنا على تحريره، لكنها على عادة المستعمر خططت باستراتيجية "البعث النفسي" لتوصلنا لمرحلة نستسلم فيها طوعيا لاحتلالها، فبماذا تختلف تركيا عن غيرها؟ هل حنكة التخطيط تعني أنّ لها الحق.

من ذاكرة التاريخ، قرأت أن فلسطين كانت منصورة وعزيزٌ شعبها يوم حطين، وعين الحاضر تحكي عن جور الصهيوني وانتهاكه مقدساتها، أيضا من تلك الذاكرة قرأت عن بغداد وسامرّاء المعتصم والمنصور، وحالها اليوم نزعات طائفية وتفرقة واحتلال أمريكي، عن أرض الأمويبن وانتهاك إيران لحرماتها بتبريكات عربية من حكام أشدّاء على إعلاء الحق ونصرة المظلوم! يتخبطون في رأيهم، يتسابقون لإرضاء أعداء الدين والأرض، فحين تندحر غايتنا أمام مطامعهم -حب السلطة وبسط النفوذ- قبالة انتهاك ما تبقى لدى الشعب، كحال ثوار سوريا، ضاعت الثورة وضاعت الأسباب، وانتقلت مهمة بعض الفصائل العسكرية في الداخل المحرر من أرض المعركة للتضييق على الناس.

كيف تستطيع الإمبريالية إنعاش ذاكرة التاريخ ودفع الخزي بسقوطها مرارا وجهلها في الماضي لقوة أعلت نفوذها ومكنتها من الحكم؟! علمت فينا ضعفا فأرهقت عقولنا ونفوسنا، وجعلت سبب هزلنا سببا في نهضتها وعُلوها، سنستغرق أمدا طويلا في التحرر من قيودها وهيمنتها، لهذا تخلى الجميع عنا، لأننا ببساطة عرفنا كيف نقتتل وعرفت هي كيف تشرذم صفوفنا، لأننا ارتوينا من لبان الخمول والجهل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.