شعار قسم مدونات

مكشوف تماما

مدونات - تارجيت ستور
يحاول كلّ شخص فينا الحفاظ نوعاً ما على خصوصية عائلية أو مهنيّة. فمثلاً قد لا نرغب بمشاركة عالم السوشيال ميديا من أي محل نشتري الخضار كلّ أسبوع، أو إن كانت إحداهنّ حامِل في شهرها الثّاني أو الثّالث، أو إن كان آخر قد فقد وظيفته أو زاد مرتبه.. ولكن هناك من يعرف كلّ هذه الأمور عنك، ولو لم تكتب عنها حرفاً.
 

محلّات Target الأمريكية، من أضخم المحلات التجارية والتي تعتبر أسعارها في متناول الطبقة المتوسطة والفقيرة في أمريكا. عام ٢٠٠٢، زادت حدّة المنافسة بين المحلات الأمريكية، وأرادت تارجيت أن تبقى في المقدّمة، فعمدت إلى أسلوب جديد في تسويق منتجاتها.

 

قديماً، كانت تضع الخضار في مدخل المحل، ايماناً أنّ الزّبون إذا اشترى طعاماً صحيا في بداية جولته، فسيتشجع نفسيّاً لاحقا ويكافئ نفسه بشراء الحلويات.. وبذلك تضمن تارجيت أنّه اشترى من النّوعين. ولكن هذه الطّريقة كانت تعامل جميع الزّبائن كأنّهم يفكرون بنفس الطّريقة، فقررت تارجيت أن تدرس كلّ عميل لوحده، ولكن كيف؟ وهناك الملايين منهم!!

 

يدرس تارجيت كم تنفق كلّ عائلة في محلاتها، وبناء على ذلك تقيس نوع الكوبونات، فإن كان الراتب قليلاً أرسلت كوبونات لحاجات يومية، بينما لو كان مرتفعاً، أرسلت كوبونات لدراجة هوائية للأطفال مثلا

اتفقت تارجيت مع عدّة بنوك وشركات فيزا وماستر كارد، بالإضافة إلى مواقع إلكترونيّة أو أي محال تجاريّة في أمريكا تبيع بطاقة عميل "حيث يضع نقوده في البطاقة ويستخدمها في محل ما بالذات ليحصل على خصومات"، وطلبت من هذه المحلات جمع معلومات عن الزبائن: متى يشتري الخبز، متى يملأ سيارته بنزين، متى يشتري معدات لرحلة، ومتى يشتري حفّاظات أطفال، وكم علبة حليب يشتري وكلّ متى، وكم ينفق على الحلويات..

 

اشترت تارجيت كلّ هذه المعلومات، وبنت قاعدة بيانيّة ضخمة فيها كلّ ما تتخيله عن الإنسان بناء على "عاداته التّسوقيّة".. فمثلاً: تنفق الزّوجة الأمريكية والتي ستحظى بمولودها الأول ما يعادل ٦٥٠٠$ قبل ولادة طفلها من فرط الحماس. وبالتّالي فإن سوق ما قبل الولادة مجز جدًّا، فقامت تارجيت بتضخيم قسم الأطفال وما قبل الولادة فيها.

 

وخلال ذلك درست تارجيت أنّ بعض الأمهات بعد الإنجاب رغم أنهنّ كانت تشترين فقط ملابس من تارجيت، لوحظ أنّهنّ بدأن بشراء الطعام كذلك. وتوصلت تارجيت أنّ الأم الجديدة لديها وقت أقل للتنقل بين المحلات لشراء الحاجيات، وبالتالي ستشتري ما تستطيع من تارجيت. فوفرت تارجيت لها إعلانات عن تخفيضات على الاطعمة تراها الأم في قسم الأطفال لتشجيعها.

 

وفي مثال آخر، لوحظ أنّ البعض مثلاً دائما يشتري "الكورن فليكس – السيريال" دون شراء الحليب، وهذا غير منطقي، فاذاً يشترون الحليب من محلّ آخر. فتقوم تارجيت بتحديد أولئك الأشخاص والتوصل لعناوينهم وإرسال "بطاقات خصومات" للحليب وتوضع هذه البطاقات/الكوبونات في صندوق البريد.

 

ويلاحظ بكثرة أنّ ما يصل بيت ما من خصومات في تارجيت، قد يختلف عمّا يصل جارك، وخاصّة إن كان أحدكما مدمناً على تارجيت، وبالتالي يريد المحل أن يتأكد أنّك تشتري منه كلّ شيء. أمّا لو اشتريت هديّة عيد الحب في عام ما، ثمّ حليب أطفال، ثمّ أرز وخضار، فسيرسل لك إعلانات لأفلام وDVD شبابية تشاهدها في المنزل وعروض لقنوات رياضيّة لتشتريها وتشترك بها دون الحاجة للذهاب للبارات والكافيهات، فتارجيت يعلم أنّك الآن أب، وحريّتك أصبحت أقل.

    undefined

 

ومثال أخير، يدرس المحل كم تنفق كلّ عائلة في محلاتها، وبناء على ذلك تقيس نوع الكوبونات، فإن كان الراتب قليلاً أرسلت كوبونات لحاجات يومية، بينما لو كان مرتفعاً، أرسلت كوبونات لدراجة هوائية للأطفال على سبيل المثال.

 

وفي يوم ما، دخل رجل غاضب محل تارجيت يطلب مقابلة المسؤول، وصرخ في وجهه "وصل ابنتي اليوم إعلانات لملابس أطفال، عمرها فقط ١٧ عاماً ومحلّاتكم تشجعها على الإنجاب في هذا العمر، ما هذا الهراء؟" اعتذر مسؤول تارجيت.. واتصل بعد أسبوع على الأب ليعتذر من جديد، فقال الأب للمسؤول "اعذرني، لم أكن أعلم أنّ ابنتي حامل". ولكن تارجيت عرف من أنواع الفيتامينات، والحبوب وأنواع الكريمات التي تستخدمها المرأة في أول حملها، وكانت هذه الفتاة تشتريها باستمرار.

 

الأمثلة لا تتوقف.. ولكنّني توقفت مطوّلاً وأنا أفكّر بأنّنا في اللحظة التي قرّرنا التعامل فيها بالبطاقات الإلكترونية والدخول إلى الإنترنت ولو لم نكتب حرفاً.. أصبحنا مكشوفين تماماً. يكفي أنّك تبحث عن علاج للصّلع، فترى في اليوم التّالي كل فيسبوك إعلانات عن هذا الموضوع، وتجد في أمريكا بعد أسبوع في صندوق بريدك كوبون لدواء ما يساعد في نموّ الشعر.

 

يكفي أن تفكر في أمر، لتعرفه كبرى الشركات عنك، فتعرفك أكثر منك.
ما هي حدود الخصوصيّة التي بقيت لنا إذاً؟!

يبدو أنّ المحلات تعرف طبائعنا أكثر منّا أحياناً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.