شعار قسم مدونات

بين التمني والحقيقة!

blogs الممرضة

لم يكن اختيار المهنة التي نريدها بالشيء السهل، حلمنا كثيرا ونحن صغار بمهن يقال عنها نموذجية كأن أصبح طبيبة أو مهندسة أو أستاذة. لكن لم أسمع يوما طفلة تمنت أن تكون ممرضة، لا نعلم ما السبب، هل المجتمع وضع النموذجية والمثالية في مهن دون الأخرى أم أن التمريض فعلا مهنة هامشية لا تستحق الاهتمام. مع أن أي شخص قصد المستشفى أول من سيلتقيه سيكون الممرض(ة) وعندما يقرر استشفاؤه لن يجد غير الممرض يصاحبه ويهتم به طول تلك الفترة ينتبه على مواعيد دواءه ونظافته وحتى نفسيته. الممرض يكون فريق مع الطبيب فلا يعقل أن نثني على الطبيب ونهمش الممرض.

  

ما يجب فعلا أن يكون حقيقة هو أن التمريض يستحق أن يكون أمنية وممارسيه يستحقون التشجيع والتحفيز كي لا تضيع أمانيهم في اختيارهم لهذه المهنة .لم تخلق المهن هكذا عبثا لنثني على مهنة ونبخس في الثانية، يقول الكاتب أدهم الشرقاوي في كتابه "حديث المساء": "الجراح الماهر مدين لسائق سيارة الإسعاف الذي يوصل إليه المصاب وبه رمق من الحياة، إذا غرتك مهنتك المرموقة جرب أن تصنع خبزك بنفسك وأن تخيط ثوبك بنفسك وتحلق شعرك بنفسك وتذبح لحومك وتزرع فاكهتك وخضرواتك بنفسك، نحن مدينون للبسطاء الذين لو تأملنا لوجدناهم عظماء حقا". فلكل مهنة شرف الوجود، ولكل مهنة دور مهم تؤديه، تخيل لولا وجود عامل النظافة كيف ستكون الشوارع ولولا وجود المزارع والجزار والإسكافي والخياط.. فعلا كلهم سهلوا حياتنا وكلهم نحتاجهم في روتيننا اليومي.
 

مثل طهي الطعام كلما طبخ على نار هادئة كلما كان ألذ هكذا أحلامنا كلما خططنا لها بتأن وتباث وخطوات رزينة تأكدوا أن النتيجة مبهرة

أن يكون لمهنة شرف هذا يقف على مدى عطائها وقابليتها على إعطاء الصورة الإيجابية التي يبحث عنها كل متمني لهذه المهنة، كلما تفانينا في أدائها كما يجب وكما يحتم الضمير ذلك كلما أصبحت ذات قيمة عالية. فلا أحد يعلم أيهما الأسوأ أن تمتهن مهنة مرغم عليها هاربا من لا شيء أم أن تغوص في عالم البطالة حتى تجد مهنتك التي طالما راودتك تفاصيلها في أحلامك، وأنت تجيب المعلمة حين سألتك ماذا تتمنى أن تكون حين تكبر؟

 

بكل فخر وأمل عن مهنتك المستقبلية كلنا أجبنا عن هذا السؤال بنفس الحماس وبعيون لامعة وثقة في مستقبل واعد، لكننا الآن كبرنا وفهمنا أن المهنة هي التي تختارك وليس أنت، الضرورة والظروف والفرص الضئيلة هي التي اختارت لك عملك، ماذا لو كان تنفيذ المستقبل كما التخطيط له تماما سهل وبسيط لا معيقات لا خذلان فقط تمنى ما تمنيت ونفذ بكل بساطة، ادرس جاهدا وبعدها اختر مكانك حيث الشغف والجد ينتظرانك وحيث الخلاص من المجهول.

  

أن تعيش على تحقيق حلم ليس أبدا كتدوينه في مذكرة ووضعها في الخزانة وكأنك تأجله إلى حين كل شيء أردته إبداءه الآن على مهل كي تكون النهاية ممتعة، مثل طهي الطعام تماما كلما طبخ على نار هادئة كلما كان ألذ هكذا أحلامنا كلما خططنا لها بتأن وتباث وخطوات رزينة تأكدوا أن النتيجة مبهرة.

 

بين ما تمنيناه وما أصبحنا عليه حرب طاحنة من التفكير وأخذ القرار والتنفيذ والجري وراء الفرص كل هذا لضمان عمل لا يمثلنا فقط لسد ثغرة البطالة وعدم ضياع سنوات الدراسة هدرا وملء الفراغ الذي يعد عدوا قاتلا لا يرحم، وتضارب الأفكار التي ستأتي بعد كل هذا لتضعفك وتجعلك عبدا لعمل لم تختره.. وهكذا ضاعت أمانينا في حبنا للذات الطموحة.

 
ناضلوا من أجل ذلك المستقبل الذي رسمتموه وأنتم تجيبون معلمتكم، واعملوا جاهدا على تحقيقه ولا تنتظروا الفرص بل اصنعوها أنتم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.