شعار قسم مدونات

عن محمد بن سلمان ومشروعه "الإصلاحي"!

blogs بن سلمان

من المثير للاستغراب أنه لا يوجد حتى الأن وخاصة من طائفة الإسلاميين وخاصة المصريين منهم من حاول أن يدرس ويكتب بشكل جاد ورصين التحولات الاجتماعية التي يحدثها محمد بن سلمان في السعودية، يعني بالإمكان تخيل أن كل ما يحاول بن سلمان أن يحدثه أنه يحاول أن يجعل السعودية تتحول من ملكية عربية تقليدية وتراثية لجمهورية عسكرتارية عربية على النمط الذي عرفناه في مصر وسوريا والعراق ولهذا هو يحتاج العلمنة وفقا لتصورها العربي أو ما يحاول أن يروج له ويصفه كإصلاح ديني ويلصق تهمة رجعية السعودية على الإخوان الذين انتقلوا إلى السعودية مثل الشيخ مناع القطان وما وجد لاحقا ويسمى بالصحوة الإسلامية.

 

هنا لا أعتقد أنه غير جاد أو التغيير الذي يحدثه هو من أجل فقط أن يروج لنفسه في الغرب أنه على صورة أمير الصحراء المستنير والخيال الاستشراقي لدى الغرب إنما هي عملية أو مغامرة إعادة هندسة اجتماعية للملكة لتصبح لملكية عسكرتارية أو جمهوملكية مثل التي في الجمهوريات العربية وللشعب السعودي ليصبح "مواطني" دولة عسكرتارية. ويكونوا على نمط المواطنين المصريين أو مواطنين سوريا وعراق البعث، فهنا شرط أساسي في تلك المواطنة وإيجاد مواطن دولة جمهوملكية هو العلمانية القومية بالصيغة العربية المشهورة والهجينة منذ أن اخترعها أشخاص مثل ساطع الحصري وميشيل عفلق.

 

 وإن الدين يتم تأميمه بحيث يصبح أداة من أدوات الإخضاع والسيطرة للدولة ونظامها، وهنا مثلاً إيران تتحول من كونها العدو الرافضي المجوسي الكفار إلى كونها العدو القومي الفارسي، لهذا لم يكن مستغرب نهائي أن صالح المغامسي يظهر في تلفزيون الدولة الرسمي يقول أن الشيعة الإثنى عشرية والإسماعيلية والاباضية أخوة لنا في الدين مع كل ما جلبه له هذا من هجوم حاد من المشايخ السلفيين في السعودية وكان يوشك أن يتم تكفيره بل صالح بن جبرين قال فعلاً تعليق على كلامه يؤد في مقتضاه لتكفيره!

 

ويمكن لنا التشبيه بأن الأمر أشبه في تحويل القذافي ليبيا من ملكية لجمهورية عربية عسكرتارية أو جمهوملكية والوضع مشابه جداً ويبتعد عن نماذج أخرى للإصلاح الملكي مثل الأردن أو المغرب وتحديداً المغرب في عهد الحسن، فهو بعد ما تعامل بقسوة شديدة جداً مع كل معارضيه وعمل ما لا يفعل من تسليم قادة الثورة الجزائرية لفرنسا في حادثة الطيارة الشهيرة لاغتيال بن بركه للقضاء الوحشي على انقلاب أوفقير الذي هو متهم اصلا في اغتيال بن بركة بدأ هو بنفسه خطة للإصلاح الطويل لاستيعاب التنوعات الموجودة في المغرب وهو بلد ثري جدا في تجربته الثقافية والسياسية وتجربة إصلاحه تلك هي التي يكمل فيها ابنه محمد السادس وهي الإطار الذي حكومة العدالة والتنمية تحكم من خلاله حالياً.

الشاهد بن سلمان يسير بخط معاكس لهذا تماما لا يحضرني تجربة مشابهة له فعلا إلا تحويل القذافي ليبيا من الملكية للجمهورية. فخطورة هذا الأمر أنه يضرب صلب أساس إيجاد الدولة السعودية في حد ذاتها، لأن الدولة السعودية قائمة على أساسين، توحيد عبد العزيز قبائل الجزيرة العربية في إطار دولة تقوم بموازنة النفوذ بين القبائل وثانيا توحيدهم على اعتقاد ومذهب النجديين الوهابي!

 

هنا بن سلمان يريد أن يحول السعوديين من أبناء قبائل إلى مواطني جمهوملكية وبنفس الوقت في إطار تجمع علماني قومي، وهنا عدة سيناريوهات أتخيل ممكن حدوثهم:

الأول: سيناريو النجاح وأنه يستطيع أن ينفذ هذا فعلاً وحينها هو لن يكون حقق إنجاز إنما فقط دفن إشكاليات ومعضلات المجتمع السعودي تحت الرماد إلى أن تأتي لحظة وتنفجر جميعها، كما حدث فعلا بعد أربعين عام من حكم القذافي بعد الثورة عندما تفجرت كل إشكاليات "جماهيرية" القذافي على شكل حرب أهلية.

الثاني: سيناريو الفشل، وهنا يمكننا أن نقول إن فعليا لا يوجد شيء حقيقي أو تخيلي اسمه وطن سعودي يربط الجزيرة العربية ببعضها، لا التاريخ ولا الجغرافيا يجعلوا ذلك حقيقي، لا يوجد ما يربط نجد والحجاز وتهامة والعسير وجيزان والقطيف والحائل في إطار واحد اسمه السعودية ولو توفر سيناريو مناسب فسهل جدا تفكك هؤلاء جميعاً! وهناك ما تحت الرماد منذ تأسيس المملكة منذ تسعين سنة ويظهر كل حين ليؤكد ذلك.

الثالث: هو تراجع ولو مؤقت لبن سلمان عن تلك المغامرة وهذا سيزداد ترجيحه عندما ينتقل مثلث العداء الخليجي من عداء أو حصار لقطر إلى عداء إماراتي سعودي وهو ما بات قريبا في اعتقادي فسيحتاج حينها للرجوع إلى القواعد التي أسست عليها المملكة السعودية.

 

المجتمع السعودي الخط الطبيعي له في التحول هو التحولات التي يقودها بن سلمان وما بعدها إلى مجتمع ليبرالي هجين بدوره بين صورة ليبرالية حقيقية وصورة أقرب للنمط الإماراتي

وهنا الإشكالية أنه لا يمكن ببساطة إحداث هذا التراجع، يعني دوما أنصح بقراءة رواية مدن الملح للعبقري عبد الرحمن المنيف فهي تلخص تحولات المجتمع السعودي مع دخول ريع النفط أكثر من أي دراسة إنثربولوجية رصينة، بالرغم من أن عبد الرحمن المنيف كان يركز في روايته على الأحداث السياسية لتأسيس المملكة السعودية ثم انتقال السلطة إلى الملك سعود ثم انقلاب القصر الذي قاده لخلعه الملك فيصل وأحداث حرب اليمن بالوكالة بين مصر الناصرية والسعودية وينته الجزء الخامس عند اغتيال الملك فيصل لكن من خلال الخمس أجزاء يستعرض المنيف بشكل بديع التحولات التي جرت على السعوديين من البداوة إلى الحداثة المشوهة.

 

فالمجتمع السعودي الخط الطبيعي له في التحول هو التحولات التي يقودها بن سلمان وما بعدها إلى مجتمع ليبرالي هجين بدوره بين صورة ليبرالية حقيقية وصورة أقرب للنمط الإماراتي الذي يمكن أن نسميه "كوزموبوليتانية نفطية"! فبالتالي فتح نافذة لتلك الحريات حتى لو كانت في شكل سطحي وليبرالية تناسب أكثر الطبقة البرجوازية السعودية ولكن لا يمكن ببساطة إعادة إغلاق تلك النافذة كأن شيئا لم يكن!

 

ولكن في نفس الوقت هو واقع في تناقض مع الصورة الدينية التي أرستها المملكة، حتى لو كانت السردية التاريخية لابن سلمان أن هذا الانغلاق الديني حدث في السبعينات مع صعود جيل الصحوة الإسلامية أو الخطر الذي مثلته الثورة الإيرانية أو حادث مفصلي مثل حركة الجهيمان واحتلالها الحرم المكي مما أدى إلى درة فعل مضادة نحو مزيد من الانغلاق أو أيا كان السبب لكن النتيجة النهائية أن هناك أجيال كاملة من السعوديين ولدوا ونضجوا والصورة الذهنية لما يجب أن يكون عليه الدين وما يجب أن يكون عليه الإنسان حتى يكون متبع لصحيح الدين هي النسخة السلفية الوهابية من الإسلام حتى لو كان السعوديين يعيشوا نمط حياة مناقض لتلك الصورة الذهنية، وهنا التحليلات التي تتكلم عن أن ظواهر مثل القاعدة أو داعش هي نتاج طبيعي للبيئة السعودية هي صحيحة من وجه ما، فبالنهاية القاعدة كان الرافد الأساسي الذي انتهى بها لداعش هم النجديين الذين صعدوا إلى رأس التنظيم مع أسامة بن لادن وكذلك فالشخص الذي انتمى لقاعدة الجزيرة العربية أو داعش هو اختار أن يكون متواؤما إلى أخر الخط مع ما يقتضيه ما انطبع عنده أنه صحيح الدين منذ ولاته وخلال نشأته وما تربى عليه!

 

فهنا تأت أهمية ما يطلق عليه خط الإسلام السياسي سواء في صيغة الإخوان المسلمين أو في صيغة جيل الصحوة الإسلامية في السعودية، فلعل اجابة لسؤال بسيط وهو لماذا استمرت ظاهرة الإخوان المسلمين ومن دار دورهم من أطياف الإسلام السياسي كل تلك المدة واستطاعوا تحقيق انتشار هائل على الساحة العربية كل تلك المدة التي تجاوزت تسعين عاما؟ هو أن الإخوان هم من استطاعوا تقديم إجابة لسؤال الإسلام والحداثة قابلة للتطبيق واقعا ويستطيع من خلالها المسلم أن يكون مواطنا للحداثة.

 

استوعب تيار الصحوة الإسلامية هذا الإطار الذي تجري به التغييرات الحالية بالسعودية واستطاعوا بشكل ما تطوير إجابات أكثر عمقا حول سؤال الحداثة والمجتمع
استوعب تيار الصحوة الإسلامية هذا الإطار الذي تجري به التغييرات الحالية بالسعودية واستطاعوا بشكل ما تطوير إجابات أكثر عمقا حول سؤال الحداثة والمجتمع
 
مهما اختلفنا على وجاهة تلك الإجابة وكونها تتجاوز بشكل فادح وفج إشكاليات الحداثة وتناقضاتها مع تصورات تقع في صلب النظرية المركزية للإسلام ولكن بالنهاية يكادوا يكونوا هم الوحيدين الذين قدموا إجابة صالحه أن يطبقها المسلم في حياته الواقعية – طبعا غيرهم قدموا إجابات أكثر وجاهة كالإسلام السياسي في المغرب وتركيا ولكن إجابات هؤلاء يمكن كذلك تحليلها أنها تطوير للإجابة الأولى التي قدمها الإخوان.

ويمكن أيضا التجاوز والظن أن ولي عهد السعودية مستوعب لتلك المسألة ومستوعب لكون طيف الإسلام السياسي هو من يحمل إجابات لتناقضات مشروع الهندسة الاجتماعية الذي يحاول أن يحدثه الآن ولهذا جعلهم عدوه الداخلي الأول وليس مجرد الاحتياج لصناعة عدو يتوحد خلفه الشعب في محاربته!

 

على كل فتنظيمات الإسلام السياسي استطاعت في مواجهات محن تلو الأخرى أن تثبت أنها لا يمكن القضاء عليها بالضربات الأمنية وأنها تستطيع أن تصمد وتبقى في وجه القمع الأمني بل أن تلك بيئة تستطيع النشاط فيها أكثر من بيئات الحرية النسبية! بل وفي حالة الصحوة الإسلامية بالسعودية فالمسألة أصعب لكون تلك الصحوة ليست تنظيما يمكن القضاء عليه باعتقال رؤوسه بل هي تيار يستطيع إعادة خلق نفسه المرة تلو الأخرى.

 

اليد السعودية بلبنان وتقاسمها السيطرة عليه مع سوريا حافظ الأسد نتجت أساسا من سيطرة السعودية على مجمل الاقتصاد اللبناني سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو مستوى الاستثمار من خلال "شراكتهم" مع رفيق الحريري

لهذا إذا استوعب تيار الصحوة الإسلامية هذا الإطار الذي تجري به التغييرات الحالية بالسعودية واستطاعوا بشكل ما تطوير إجابات أكثر عمقا حول سؤال الحداثة والمجتمع الذي يقدمه ريع البترول وسلطة الاستبداد التي تستند على اقتصاد سياسي رعوي وريعي فحينها ربما تكون تلك المحنة هي فرصتهم الذهبية لإيجاد قواعد أكثر عمقا وقادرة بالفعل على التغيير في المجتمع السعودي لأنهم حينها سيقدموا إجابات صالحة للتطبيق حول أي حرية يجب على السعوديين المطالبة بها ويسعوا إليها ولا يخضعوا ويذعنوا إلى حرية زائفة مثل التي تقدمها سلطة المملكة حاليا أو التي أسميها "حرية الكرنفالات والمهرجانات"!

 

وهذا بالفعل قد بدأت بعض الاتجاهات السلفية الخليجية أن تقدم له تنظيرا مثل حزب الأمة الخليجي وخاصة أحد قادة هذا الحزب الدكتور حاكم المطيري في كتابه "الحرية أو الطوفان" وحينها ربما نشهد مجددا عودة موجات التغيير ولكن تلك المرة من الخليج وليس الجمهوريات العربية!

 

وهنا أختم بالقول أن سؤال التغيير بالخليج هو سؤال مصري مثلما هو سؤال خليجي كذلك ولهذا تساءلت في البداية لماذا لا يهتم بدراسة تلك الظاهرة الإسلاميين المصريين دون غيرهم، فإن نكبة الإسلاميين المصريين بالأساس يمكن أن نرجعها إلى خوف سرى في الملكيات الخليجية من انتقال عدوى الثورة والتغيير إليهم من مصر والتي كان الإسلاميين الفاعل الرئيسي بها والآن فبالانتقال للساحة المصرية يمكن وصف التأثير السعودي الإماراتي على نظام الحكم في مصر أنه جعل مصر لبنان أخرى ولكن أضخم حجما بكثير.

 

فإن اليد السعودية بلبنان وتقاسمها السيطرة عليه مع سوريا حافظ الأسد نتجت أساسا من سيطرة السعودية على مجمل الاقتصاد اللبناني سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو مستوى الاستثمار من خلال "شراكتهم" مع رفيق الحريري منذ عهد الملك فهد أو لنقل عمل رفيق الحريري كمندوب أو ممثل للمال السعودي في لبنان خاصة بفترة إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، مثل هذا النمط من الفعل يكاد يكون ما تفعله السعودية في مصر السيسي الآن خاصة في حقبة التحول النيوليبرالي التي يقودها السيسي. فهذا جعل مصير المصريين مرتبط بشكل شبه كامل مع مصير التحولات في السعودية فبحسب كيف تسير تلك التحولات في السعودية وفقا لأحد تلك السيناريوهات الثلاث سيكون مصير مصر شعبا ودولة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.