شعار قسم مدونات

تعدد الزوجات من وجهة نظر امرأة

مدونات - زواج
لطالما كان الميدان محصورا على الرجال من المشتغلين بالعلوم الإسلامية ليدلوا بدلوهم في مسألة تعدد الزواجات كونهم من احتكروا هذه العلوم على مدى طويل من عمر الإسلام، ما نتج عنه ميل في الحكم في غالب الأحيان لطرف مصلحة الرجل على مصلحة المرأة. وعلى الرغم من ورود رخصة التعدد صراحة في آية واحدة فقط في سورة النساء إلا أن هذه الآية أخذت حيزا كبيرا من الاهتمام لدى هؤلاء في المؤلفات والمجلدات والمحاضرات، ودُعي إلى تطبيقها في الكثير من الحالات التي لا تستوجبها، وسيقت لها الكثير من الحِكَم الإلهية المفترضة التي لم ترد إطلاقا لا في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، بل كانت مجرد اجتهادات تم خلطها بقدسية الآية، فصار من ينتقدها كمن ينتقد القرآن، على الرغم من أنها ليست إلا عملا بشريا يحتمل الخطأ والصواب.
      
إن مشاعر المرأة واحتياجاتها وما ينفعها ويؤذيها ظلت متروكة لوقت طويل لتقدير الرجال، ليس تقصيرا منهم في التحري عنها، بل هذا ما فرضه الواقع الاجتماعي في ذلك الوقت. وسأورد في هذه التدوينة مناقشة لأشهر الحجج التي تساق كمبرر شرعي لتعدد الزوجات من وجهة نظر المرأة. وأنا هنا لن أتحدث عن تعدد الزوجات في حال الزواج من ذات الأولاد لكفالتهم، ولكنني سأتحدث عن التعدد الذي لم أعرف له إلا وجها واحدا، وهو الوجه الذي تروج له ثقافة المجتمع ويغيظ به الرجال النساء كحق للرجل في التمتع بامرأة أخرى غير زوجته.
    

الغلبة العددية للرجال على النساء
يبرر البعض التعدد بحجة السفر ومفارقة الزوجة، فهل من العدل أن يفارقها فتصبر على فراقه متحملة القيام بأعباء بيته وأولاده، ثم لا يقدر هو على الصبر وهو رب الأسرة؟

يتذرع البعض للتشجيع على التعدد بغلبة أعداد النساء على الرجال ،الأمر الذي لا تؤيده الاحصائيات الحالية، بل تنفيه بفارق بسيط لحساب الرجال، كما في عدد من الدول العربية. إن نسبة عدد المتأخرين عن الزواج رجالا ونساء تتساوى تقريبا في مجتمع نسبة الرجل إلى المرأة فيه هي 1:1، ولكننا نرى الأمر عند النساء ونسميهن "عوانس" وندعو إلى حل مشكلتهن بتفعيل التعدد، ونتغاضى عنه عند الرجال على الرغم من أنهم شركاء في الضرر. فلماذا ترى دعوات التعدد نصف المشكلة فقط وتدعو إلى حلها، بينما تتجاهل النصف الآخر، الشبان غير القادرين على الزواج، على الرغم من أنهم يقتسمون الآثار السلبية للمشكلة مع النساء بالتساوي؟ فالأَولى إذا عدم التعامل مع نصف المشكلة بل النظر في أصلها وأساسها ومعالجته بتصحيح مفهوم الزواج في المجتمع وتيسيره وتسهيل شروطه لتتحقق أكبر فائدة ممكنة لكل الأطراف، وليس بحل مشكلة بعض النساء على حساب الأسر المستقرة، فلا يمكننا بحال أن نعالج العرض ونهمل المرض الأساسي.

     

هل النساء أكثر مروءة من الرجال؟
ويبرر البعض اللجوء لرخصة التعدد بمرض الزوجة أو عقمها، رغم أن هذا لم يرد لا في قرآن ولا في سنة كمبرر للتعدد، لذا نجد أنفسنا هنا أمام أسئلة محيرة بحاجة لأجوبة: هل تكون المرأة أكثر مروءة من الرجل حين تصبر على مرض زوجها إحسانا منها إليه وطمعا في الثواب، متغاضية عن كل احتياجاتها العاطفية والجسدية وربما المادية ؟ هل تكون أكثر مروءة منه حين تصبر على عقمه فتحرم نفسها من التمتع بأقوى غريزة وضعها الله فيها، غريزة الأمومة؟ لِمَ يحثُّ المجتمع المرأة على التحلي بفضائل الصبر والإحسان والمروءة في هذه الحالات بينما لا نجده يحث الرجل على المثل عندما تنقلب الأدوار؟ وعليك أفضل السلام يا نبي الله زكريا.

     

حالات السفر وتفوق الرغبة الجنسية عند الرجل على المرأة
يبرر البعض التعدد بحجة السفر ومفارقة الزوجة لأوقات طويلة. فهل من العدل أن يفارقها فتصبر على فراقه متحملة القيام بأعباء بيته وأولاده كابتة مشاعرها واحتياجاتها وأشواق نفسها، ثم لا يقدر هو على التصبر والتحمل وهو رب الأسرة؟ فإذا لم يكن على ذلك قادرا، فالأولى لها ألا تقدر، وهي المرأة العاطفية، ولنا في الحادثة الشهيرة التي أمر سيدنا عمر على إثرها ألا يغيب الجنود عن نسائهم أكثر من أربعة أشهر عبرة وموضع استشهاد.
   

وأما تفوق الرغبة الجنسية عند الرجل فهو معتقد قديم لا تؤيده دراسات اليوم، بل تؤكد هذه الدراسات ارتباط الرغبة الجنسية لدى الرجل بمعايير فيزيائية بحتة، بينما تتعقد الرغبة الجنسية لدى المرأة لترتبط بمستويات نفسية وعاطفية عميقة، ولذا يسهل إشباع رغبة الرجل بينما يصعب إرضاء المرأة جنسيا. وإذا كان الرجل قادرا على التمتع بالجنس حتى مع امرأة لا يحبها، فإن المرأة إذا أصابها من زوجها جرح نفسي فسيكون من المحال عليها التمتع بالعلاقة الحميمة، وسيحرمها هذا الجرح من الوفاء باحتياجاتها العاطفية والجسدية. لذا فإن هذه الأمر هو حجة على دعاة التعدد لا لهم، لأنه يقدم للرجل ترفا جنسيا بينما يحرم المرأة من حاجة أساسية.
   

هل الرجل مفطور على التعدد حقا؟
وصف الحسن البصري الرجل مكتمل الرجولة بهذه العبارات
وصف الحسن البصري الرجل مكتمل الرجولة بهذه العبارات "هو من يمتلك نفسه عند الرهبة والرغبة وعند الشهوة والغضب "
       
خلق سبحانه وتعالى لأبينا آدم أمنا حواء فقط، وهذا هو أساس العلاقة الزوجية السليمة، لكن البعض يتحدث باستفاضة عن ميل الرجل الفطري إلى معاشرة أكثر من امرأة، وأن تعدد الزوجات يتماشى مع هذا الطبع الأصيل عند الرجال. لكن المسألة ثقافية بحتة متعلقة بالبيئة التي تربى فيها هذا الرجل، وبالأفكار التي زرعت في وعيه ولاوعيه. فمن الملفت للنظر فعلا أنه في مجتمعاتنا العربية تسود مفاهيم مثل (جهلة الأربعين) و (الرجل قادر على حب أكثر من امرأة في نفس الوقت) و (النساء مخلصات أكثر من الرجال) بينما لا تسود مفاهيم مماثلة في كثير من المجتمعات الأخرى، بل إن رذيلة الخيانة وخصلة الإخلاص هي أمور يتساوى شيوعها بين الجنسين ولا تسود في أحدهما في تلك المجتمعات.
   

وحتى في مجتمعاتنا، فإن ميل الرجال الذي يعتبره البعض فطريا للنساء يأتي على هيئة خيانات زوجية في أوساط المتزوجين بينها طرفان رجل متزوج وامرأة متزوجة. فهذا إذا ليس ميلا فطريا بقدر ما هو نتيجة طبيعية للاختلاط غير المضبوط، وطبيعة بشرية في الانجذاب للجنس الآخر لدى كل من الرجال والنساء على حد سواء، لكنه يفسر في مجتمعنا على أنه شذوذ عند المرأة، وفطرة عند الرجل، بل إن المجتمع يبرره ويباركه في كثير من الأحيان ويعتبره مزية من مزايا الرجولة لا نقيصة من نقائصها.
وصف الحسن البصري الرجل مكتمل الرجولة بهذه العبارات " هو من يمتلك نفسه عند الرهبة و الرغبة وعند الشهوة و الغضب "
      

الزواج الثاني، واحة ظليلة للزوج أم هروب من المسؤولية؟
ويتذرع آخرون بسوء خلق الزوجة في البيت كذريعة للتعدد، وأن رخصة التعدد جاءت كمنفذ للرجال غير السعداء في زواجهم الأول، فيهربون منه إلى واحة الزواج الثاني الهادئة الظليلة ويتركون خلفهم جحيم الخلافات والمشاكل. ولا أستطيع توصيف ذلك إلا بأنه فشل وهروب مغلف برخصة شرعية، فالزواج الثاني لا يحل أي مشكلة في الزواج الأول بل لعله يزيدها ويعقدها أكثر. ولا يتوجب على الزوج الهرب من الخلل، إنما محاولة إصلاحه وفق ما توجبه عليه مسؤولياته وترتيب أولوياته كرب أسرة وأب لأطفال. فغاية الزواج استقرار وراحة جميع أطراف الأسرة بالتساوي ولا يوجد حصة أكبر للزوج على حساب زوجته أو أطفاله.
     

من المنطقي أن تتمنى الكثيرات ممن صدئ قلبهن في علاقات زوجية جافة حبا جديدا، ولكن المجتمع لم يعلمهن أن هذا الأمر مبرر ومباح ومنسجم مع فطرتهن كما علم الرجل
من المنطقي أن تتمنى الكثيرات ممن صدئ قلبهن في علاقات زوجية جافة حبا جديدا، ولكن المجتمع لم يعلمهن أن هذا الأمر مبرر ومباح ومنسجم مع فطرتهن كما علم الرجل
    

فإذا هرب الرجل من المشاكل إلى زواج ثاني، فإلى أين تهرب الزوجة؟ هل تهرب إلى الطلاق فنخسر بالتالي استقرار الأسرة المسلمة التي هي نواة بناء المجتمعات القوية؟
    

البحث عن حب جديد كذريعة للزواج الثاني!
وأما الحجة الأكثر إثارة للعجب والتي يتذرع بها البعض فهي خفوت لهيب الحب للزوجة الأولى، وبالتالي الحق بالتمتع بحالة عاطفية جديدة تحيي ما مات في القلب وتجدد الشباب طالما أن الأمر مباح ومحلل. وأنا أقول أن هذه الذريعة ما هي إلا تجلي للأنانية الصرفة في العلاقة الزوجية، فالحب إذا خفت لا يخفت فقط عند الرجل، بل يخفت عند المرأة أيضا. ومما لا يخفى علينا أن المرأة أكثر عاطفة من الرجل، وأضعف مناعة عاطفية أمام نداءات المشاعر، ومن المنطقي أن تتمنى الكثيرات ممن صدئ قلبهن في علاقات زوجية جافة حبا جديدا يعيد إليهن الثقة بالنفس والإحساس بالأنوثة، ولكنهن لا يفعلن، وإن فعلن فلا يصرحن، لأن المجتمع لم يعلمهن أن هذا الأمر مفهوم ومبرر ومباح و"منسجم مع فطرتهن" كما علم الرجل.
    

إن مرحلة الفتور ستمر حتما في أي علاقة زوجية، فالملل والسأم من طبيعة البشر، لكن عوضا عن الاستسلام لهذا العاصفة العابرة واتخاذها حجة لتبرير أنانية المرء، يجب مدافعتها بتذكر مزايا الشريك وتذكير النفس بعيوبها والتحلي بالصبر والوفاء وأخلاق الكرام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.