شعار قسم مدونات

هل تشكل كوريا الشمالية غيوما بسماء العلاقات المصرية الأمريكية؟

blogs كوريا الشمالية

جاء تقرير جريدة نيويورك تايمز الأمريكية السبت الماضي ليشكل كشفا جديدا لخيوط العلاقة بين النظام المصري وبين دولة كوريا الشمالية والتي بدأت تتكشف فصولها منذ يوليو الماضي حينما أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب اتصالا هاتفيا من طائرته الرئاسية بعبد الفتاح السيسي خلال توجه للقمة في برلين للحديث عن أزمة حصار قطر، لكنه تناول أيضا شأن علاقة مصر بكوريا الشمالية حسبما نوه بيان البيت الأبيض آنذاك، الأمر الذي دفع الباحث والخبير في الشأن الأمريكي محمد المنشاوي ليلتقط طرف الخيط مسلطا الضوء على تاريخ مصر في العلاقات مع كوريا الشمالية لاسيما العسكرية منها في مقال له نشرته جريدة الشروق المصرية، معتبرا فيه أن هذا الجزء من المكالمة هو الأهم والأبرز في المرحلة المقبلة، ناقلا عن إحدى الصحف المقربة من ترمب، أن ترمب شدد على السيسي على أهمية مقاطعة كوريا الشمالية.

 

وقت قصير وكشفت جريدة الواشنطن بوست أن تخفيض وتجميد المساعدات المالية العسكرية لمصر بواقع مبلغ 291 مليون دولار لم يكن كنتيجة لتراجع حالة حقوق الإنسان في مصر كما أجتهد الكثيرين حينها في محاولة هذا الخفض الذي طال المعونة العسكرية الأكثر استقرار منذ أمد بعيد في العلاقات الأمريكية المصرية، بل هو بسبب سفينة شحن أسلحة كانت تمر من قناة السويس في أغسطس/آب عام 2016 وعلى متنها أسلحة كورية شمالية طلبت حينها الجهات الأمريكية من مصر تفتيشها وهي التي ترفع علم كموبديا لتكون المفاجأة أن صاحب صفقة الأسلحة تلك هي مصر، بحسب الجهات الأمريكية ومصادر غربية تحدثت إليها الواشنطن بوست.

 

ترمب يعادي كوريا علنا ويناصبها العداء ولا يُعتقد أن قربه من السيسي أكثر حجما من عداءه لكوريا الشمالية فضلا عن أنه متربص به من دوائر كثير تتحكم في صنع القرار الأمريكي

لذا فبعد تقرير الواشنطن بوست الكاشف عن أسباب خفض المساعدات سارعت مصر بالرد عن طريق نفي المتحدث باسم الخارجية المصرية المستشار أحمد أبوزيد لما ورد في تقرير الواشنطن بوست من أن شحنة الأسلحة تخص مصر مؤكدا تعاون الجهات المصرية مع اللجنة المشرفة على تطبيق العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية، هذا إلى جانب سفر وزير الدفاع المصري صدقي صبحي إلى كوريا الجنوبية تحت عنوان "متابعة مذكرة التفاهم حول التعاون الدفاعي المشترك بين البلدين"، وهو ما بدا كرسالة أن مصر في صف الحليف الأمريكي والتي هيا بطبيعة الحال في علاقات متوترة دائما مع جارتها الشمالية. وعلى الرغم من إعلان الجانب الكوري الجنوبي ممثلا في وزارة الدفاع الكورية في ختام الزيارة  أن الجانب المصري أعلن قطع علاقاته العسكرية مع الجانب الكوري الشمالي، إلا أن الجانب المصري لم يؤكد على ذلك بشكل رسمي واكتفى بالصمت.

 

إلى هنا ظن الكثيرون أن المسألة تتوقف على شحنة أسلحة ومر أمرها، إلا أن تقرير النيويورك تايمز كشف أن المسألة ربما تكون أبعد من ذلك، فقد ذهب إلى أن سفارة كوريا الشمالية في مصر تعد وكيلا ومركزا رئيسيا لبيع الأسلحة الكورية الشمالية في الشرق الأوسط، كاشفة أن تقرير أممي سيصدر قريبا يذهب أن الهيئة العربية للتصنيع هي الجهة التي كانت ستتوجه إليها صفقة سفينة الأسلحة والمقدرة ب 30 ألف قذيفة صاروخية ويقدر ثمنها بقرابة 23 مليون دولار، مبينة أن التقرير يعتبر مصر متساهلة أو مسهلة لحصول كوريا الشمالية على عوائد مادية كبيرة رغم العقوبات المفروضة عليها.

 

هذه التفاصيل المتتابعة والتي تجري فصولها منذ نحو ثمانية أشهر ووصلت قمتها بالتقرير الأممي التي كشفت بعضا منه الصحفية الأمريكية، دفعت بالسؤال عن طبيعة رد الفعل الأمريكي المحتمل، اتجاه القاهرة رغم تقارب العلاقات بينهما على مستوى الرئاسة وتأكيدات سامح شكري وزير الخارجية المصري في فبراير/شباط الماضي خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره الأمريكي تيلرسون في القاهرة على أن العلاقات مع كوريا الشمالية تقتصر على التمثيل الدبلوماسي فقط".

 

السؤال يدفع إلى الواجهة بسبب التفسيرات المحتملة للتقرير بأن القاهرة قد تكون تلعب دور وسيط بين كوريا الشمالية وجهات أخرى وليس مجرد مشترٍ عادي للصواريخ خاصة مع ضخامة الصفقة المكتشفة واعتماد مصر العسكري بشكل رئيسي على أسلحة ربما تكون أكثر تطورا من داخل منظومة أمريكا العسكرية وبالتالي قد تتهم مصر بأنها مركز تجميع وتطوير للأسلحة الكورية من أجل إعادة بيعها أو استخدامها مستقبلا عبر مساعدات من خبراء كوريين شمالين أخبرت واشنطن القاهرة أنها علم بوجودهم بحسب محمد المنشاوي الخبير في الشؤون الأمريكية في أحاديث استند فيها إلى مصادره الأمريكية الخاصة.

 

لكن ماذا عن إجابة هذا السؤال وخطورة الاتهامات التي قد توجه إلى مصر بكسر فرض العقوبات المفروضة على أحد أكبر أعداء أمريكا عسكريا وسياسيا مع التخوف من تسريب أي أسلحة كورية من داخل منظومة برنامجها النووي أو الكيميائي دون علم واشنطن، خاصة مع ما بدا من واشنطن من عدم تساهل في هذا الشأن حينما لم تتوانى في تعليق جزء من المعونات العسكرية لمصر دون تردد مع تزايد حالة اليقين لدى أجهزتها الاستخباراتية بصحة تفاصيل واقعي سفينة الأسلحة.

 

لا تبدوا الإجابة سهلة فترمب يعادي كوريا علنا ويناصبها العداء ولا يُعتقد أن قربه من السيسي أكثر حجما من عداءه لكوريا الشمالية فضلا عن أنه متربص به من دوائر كثير تتحكم في صنع القرار الأمريكي وأي تساهل قد يُأخذ ضده باعتباره متساهلا في قضية تخص الأمن القومي الأمريكي ولو بشكل غير مباشر، لذا فإن وجود احتمال لتعليق جزء آخر من المساعدات العسكرية في صورة مادية أو في صورة توقف إرسال شحنات أسلحة أو الامتناع عن صيانة أخرى يعد أمرا محتملا الحدوث كأحد أوراق الضغط المباشرة في يد الإدارة الأمريكية ضد القاهرة.

 

ما كشفته النيويورك تايمز حول العلاقة بين مصر وكوريا الشمالية سيضع العلاقات المصرية الأمريكية باختبار حقيقي يتجاوز دفء علاقات ترمب والسيسي
ما كشفته النيويورك تايمز حول العلاقة بين مصر وكوريا الشمالية سيضع العلاقات المصرية الأمريكية باختبار حقيقي يتجاوز دفء علاقات ترمب والسيسي
 

الاحتمال الآخر أن تحاول واشنطن فرض رقابة أكبر أو وضع مراقبين لها في قناة السويس تشرف على مرور السفن الخاصة بكوريا أو التي ترفع أعلام بلدان متحالفة أو متعاونة مع كوريا مثل كمبوديا التي رفع علمها على السفينة موضع الأزمة وهو ما قد ترفضه القاهرة أو يضعها في حرج بالغ حال أجبرت أو وافقت عليه.

 

الأمر الثالث أن يتم ابتزاز القاهرة وطلب تقديم تنازلات لها في قضايا أو مسائل أخرى تخص الشرق الأوسط أو سوريا أو أي من القضايا التي تكون القاهرة طرفا فاعلا بشكل مباشر أو غير مباشر، في مقابل تخفيض حدة رد الفعل الأمريكي أو استخدام التقرير الأممي ضدها، وهو أمر شبيه لما فعلته إسرائيل مع مصر في قضية تخفيض التعويضات الخاصة بالغاز مقابل استيراده وإبداء مرونة في ترسيم الحدود البحرية.

 

في كل الأحوال فإن ما كشفته النيويورك تايمز حال تطابقه مع التقرير الأممي المزمع خروجه قريبا، فإنه سيضع العلاقات المصرية الأمريكية في اختبار حقيقي يتجاوز دفء علاقات ترمب والسيسي، اختبار جاد ربما يخلف غيوما في سماء العلاقة لا أحد يعرف متى وكيف تنقشع خاصة مع ضعف أوراق القاهرة في مقابل يد عليا لواشنطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.