شعار قسم مدونات

ما كشفه خيري رمضان وأغضب السيسي

مدونات - خيري رمضان
بمقدمة دامت لحوالي ثماني دقائق اختار الإعلامي المصري خيري رمضان افتتاح برنامجه الجديد على التلفزيون المصري قرأ في تلك المقدمة رسالة وصفها بالمبكية من زوجة ضابط شرطة.
 
ملخص الرسالة أن أسرة الضابط فقدت مزايا اجتماعية واقتصادية بسبب انتقالها من شقة ضيقة في ضواحي القاهرة لأخرى في منتجع أكثر رقياً. الضابط تدهورت حالته وفقا لما نقلته زوجته لخيري في اجتماع جمعهما لغرض الشكوى. الاجتماع وفقا لخيري شهد بكاءً متواصلا من الزوجة التي قالت إنها باتت مضطرة لنقل أبناءها من مدارسهم الخاصة الراقية إلى مدارس أخرى حكومية يدرس فيها أبناء المصريين العاديين العاملين في مهن غير شرطية وغير قضائية!
 

من غير قصد نجح خيري رمضان في بلورة رسالة صادقة وشديدة الأهمية بصورة لم تنجح في إيصالها مئات ساعات من البث التلفزيوني على القنوات المناهضة لانقلاب السيسي العسكري:
– ليس هناك حدود للمعاناة الاقتصادية في مصر.
– الإسلاميون لا يعانون من آثار الانقلاب العسكري وحدهم
– الإخوان المسلمون لا يقبعون في السجون وحدهم

 

الوضع الاقتصادي المتدهور لن يفرق بين أسرة وأخرى، واستمرار حالة الكساد الاقتصادي سيجعل المسلحين حول السيسي "يألمون كما يألم" بقية الشعب

كل أسرة من أسر الإخوان المسلمين فقدت مزاياها الاجتماعية والاقتصادية قبل أن يَحبس السيسي عائلها ويصادر أموالها يقابلها أسرة ضابط شرطة فقد مرتبه قيمته السوقية مع تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار وتوزيع أرباح القطاعات الاقتصادية على أفرع القوات المسلحة! في شهور الانقلاب الأولى وزع السيسي مليارات الخليج التي تدفقت عليه قبل حتى اكتمال استيلائه على السلطة بين ضباط الشرطة وضباط الجيش والقضاة، ومع تبخر تلك المليارات وإحجام الكفلاء عن الاستمرار في الدعم غير المشروط وجد السيسي نفسه مضطرا للالتفات إلى الداخل في محاولة للبحث عن بديل.

 
في البداية تبخرت أوهام السيسي التي وصلت على صفحات جرائده إلى 200 مليار في السنة كأرباح تخرج من تفريعة قناة السويس، القناة التي كانت تمثل مصدرا للدخل القومي من العملة الصعبة شهدت تراجعا مستمرا في الإيرادات على وقع تباطؤ حركة التجارة العالمية التي لم يفهمها السيسي ومن حوله. السياحة بدورها تلاشت تقريبا بعد تحطم الطائرة الروسية وتصاعد شك دول العالم في قدرة أجهزة السيسي الأمنية على تأمين المطارات. حتى تحويلات المصريين من الخارج تناقصت بشدة مع غياب حركة الاستثمار والتدهور المستمر في قيمة الجنيه مع الحركة المحمومة في ممالك وإمارات الخليج للاستغناء عن العمالة المصرية تحت وطأة انهيار سعر برميل النفط.

  undefined

  

في المحصلة وجد السيسي نفسه مضطرا إلى الاستغناء عن دعم بعض القطاعات الداعمة له، بدأ بالقضاة حيث انتهت من منتصف العام قبل الماضي قرارات المكافآت الجزافية التي وزعت عليهم بعد الانقلاب مباشرة. تبع ضباط الشرطة القضاة، حيث امتنع السيسي عن دعمهم منذ قرار تعويم الجنيه. بقي الجيش وأجهزته المختلفة، تلك الأجهزة التي ميز السيسي بوضوح ماديا بينها، فأغدق ولازال الإنفاق على قوات التدخل السريع التي تحمي مقر إقامته المجهول، فيما ترك قوات الكتائب والألوية والجيوش الميدانية تحت رحمة دفعات دعم أقل كثيرا وإن كانت أكثر من التي حصل عليها ضباط الشرطة.

الخلاصة أن الوضع الاقتصادي المتدهور لن يفرق بين أسرة وأخرى، واستمرار حالة الكساد الاقتصادي سيجعل المسلحين حول السيسي "يألمون كما يألم" بقية الشعب. هذه الرسالة التي تبدو واضحة لكل من يتابع الوضع في مصر عن كثب لا يريد السيسي أن يضع الإعلام تحتها خطا هو يسوق في خطاباته ومن خلال إعلام عباس كامل لأن "أهل الشر" هم المستهدفون وهم الذين ستطالهم "القوة الغاشمة".

 
في حين يقول الواقع أن المصريين كلهم فقدوا القيمة الحقيقية لمدخراتهم بسبب غياب بيئة التنمية الحقيقية، وأن مزيدا من التمييز بين الشعب المصري وبين المسلحين في توزيع الثروة سيؤدي حتما لاضطرابات لا تحمد عقباها على نظام السيسي، خاصة مع تقلص موارد الدخل ما يضطره لتقليص مزايا القطاعات "شبه المسلحة" مثل أمناء الشرطة والقضاة وهم الذين يعملون يوميا مع من يفوقونهم في المزايا والعطايا.

 

من دون قصد كشف ابن نظام مبارك والسيسي "خيري رمضان" نقطة من نقاط ضعف المنظومة الحاكمة، وهي نقطة كفيلة بالتأثير في المشهد إذا أحسن استغلالها والتعامل معها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.