شعار قسم مدونات

الانقسام.. سذاجة أضاعت الوطن

blogs - إسماعيل هنية وعباس أبو مازن

ضاعت القدس؛ ما السبب؟ الانقسام!، الضفة ابتلعتها المستوطنات؛ ما السبب؟ الانقسام!، غزة محاصرة؛ ما السبب؟ الانقسام!، الناس يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة؛ ما السبب؟ الانقسام!، غزة على حافة الانهيار؛ ما السبب؟ الانقسام!، القضية تحاك لها المؤامرات؛ ما السبب؟ الانقسام!، ضاعت الأندلس؛ ما السبب؟ الانقسام!، تطلقت فلانة؛ ما السبب؟ الانقسام!

شماعة علَّقنا عليها كل مصائبنا وتخاذُلِنا وضعفنا وهواننا على أنفسنا وعلى الناس، مبرر مقولب جاهز ما أسهل أن نطلقه على أي مشكلة تواجهنا، وما أسهل أن نتنصل من أي مسئولية تحت ذريعة واهية هي الانقسام، لا نرغب بعلاج مشكلاتنا بالطرق السليمة فنخترع وهماً نغرسه في عقول الناس لنقعد ونتخاذل، لا نريد تلمس مواطن الخلل الرئيسية التي أصابتنا وأوردتنا المهالك فنعزي كل مصائبنا وأفعالنا الطائشة المتهورة إلى وهم الانقسام. ضاع الوطن وضاعت المقدسات وانهارت أوضاع الناس وأصبح الشعب يرى ويسمع كل يوم ما يؤكد له خطورة الوضع وضياع قضيته وحقوقه لكنه صامت غائب عن الوعي أو قل مغيَّب، كل هذا والسبب الانقسام، ما هذه السذاجة الحمقاء؟!

ما هو هذا الانقسام؟ ما هذا المرض البغيض الذي أصاب الناس في عقولهم؟ ما هو هذا البعبع الذي أرَّق حياة الناس وقضَّ مضاجعهم وأضاع حقوقهم وقضيتهم؟ هل فعلاً هناك انقسام بين الشعب؟ هل أبناء حماس يكيلون العداء لأبناء فتح وبالعكس؟ هل يقتِّل أبناء الشعب بعضهم ويحاربون بسبب اختلاف تنظيماتهم؟ هل يرفض أبناء التنظيمات أن يمارسوا حياتهم الاجتماعية والوطنية وشعائرهم الدينية مع إخوانهم من التنظيمات الأخرى؟ أم أنها مهزلة اخترعتها القيادات الفلسطينية لتداري فشلها الذريع في قدرتها على إدارة الوطن وإدارة الصراع مع المحتل؟ أو هي ثقافة باتت سائدة في أوساط المجتمع الفلسطيني لتختلق مبررات العجز والضعف والرتابة وتجعله قعيداً ساكناً مخدراً وعيه؛ كما شماعة الاحتلال التي تستخدم لتبرير عجزنا وخمولنا؟

 لا يمكن أن يُقبل أن تبقى القيادات الفلسطينية رهينة الماضي وأسيرة الحسابات الحزبية الضيقة في هذا الوقت العصيب والمصاب الجلل
 لا يمكن أن يُقبل أن تبقى القيادات الفلسطينية رهينة الماضي وأسيرة الحسابات الحزبية الضيقة في هذا الوقت العصيب والمصاب الجلل
 

الشعوب هي من تصنع طواغيتها حينما تسمح لهم باستخفاف عقولها وزرع أفكار في نفوس أبناءها تخدم أهوائهم ومصالحهم "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ" وتمضي الشعوب بالتطبيل والتهليل لهؤلاء الزمرة من الحكام وترويج أقوالهم وإحداث الصدى لأفكارهم وترديدها في كل حدب وصوب، فلا يمكن لأي حاكم أن يفرض رأياً أو فكرة على شعبه دون تقبل مسبق لهذه الفكرة من قبل الشعب، ودون علم مبدأي من قبل الحاكم بأن أنصاره يؤيدونه على الصواب والخطأ، أما إن رأى الحاكم من شعبه انتقاد الخطأ وعدم قبوله والوقوع فيه فإن سيحسب ألف حساب قبل أن يقدم على خطوة كهذه. لذا فإن وهم الانقسام الذي غُرس في نفوس وعقول أبناء الشعب الفلسطيني ما هو إلا شماعة يعلق الحكام فشلهم عليها، كما يستخدمها الشعب لتبرير صمته وسكوته عن الظلم والضياع الذي أصابه وقضيته في مقتل.

لكن يبقى التساؤل الأهم في هذه المرحلة حول مدى قدرة الناس على نبذ هذا الوهم وهذه الخرافة من عقولهم، ونفض الغبار عن بصيرتهم، لإعادة البوصلة للقضية وتصحيح مسار مقارعة الاحتلال والوقوف في وجه المؤامرات بصورة وحدوية تحت الراية الفلسطينية، فلا يوجد شيء اسمه انقسام بين الشعب، الانقسام هو بين القيادات التي أصبحت في واد والشعب في واد آخر، لا يمكن أن يُقبل أن تبقى القيادات الفلسطينية رهينة الماضي وأسيرة الحسابات الحزبية الضيقة في هذا الوقت العصيب والمصاب الجلل، ولا يمكن أن يقبل الناس أن تبقى أحوالهم وقضيتهم رهينة لأهواء شخصية ومصالح حزبية، ولا يمكن أن يبقى الشعب صامتاً على هذا الاستخفاف وهذه السذاجة.

 

بل يجب أن تكون الكلمة الأولى والأخيرة للشعب في صورته الوحدوية، كما لا يمكن الخروج من هذا المأزق والتحرر من هذه الأفكار الوهمية الذي وُضعنا في بوتقتها إلا من خلال تحشيد طاقات الشعب بأكمله ليقف جنباً إلى جنب في وجه الصفقة المشينة التي يتوعدنا الأمريكان ومن لف لفهم بتمريرها علينا قسراً مستغلين الضعف والوهن الذي أصابنا، لذا فإنه من واجب كل محب وغيور على تراب هذا الوطن ووحدته أن يقف صفاً واحداً موحداً في وجه الظلم ومحاولات التصفية والتركيع، لنثبت للعالم أجمع أننا شعب واحد موحد وأنه مهما امتلك أعداؤنا من وسائل وأدوات القوة فإننا بوحدتنا نستطيع الوقوف في وجههم وانتزاع حقوقنا رغماً عنهم ومن دار في فلكهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.