شعار قسم مدونات

الأشقاء.. وحربهم الطويلة في اليمن

BLOGS بن سلمان

يحرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ بداية ظهوره التصاعدي على التأكيد أن حربه في اليمن مستمرة وطويلة فهو لا يدع مناسبة تمر إلا ويردد فيها "حربنا في اليمن مستمرة وطويلة" وهي العبارة نفسها التي يكررها في لقاءاته المحدودة مع عدد من مسؤولي الشرعية اليمنية، فقبل أشهر قال قائد عسكري كبير قبل أن يُقال من منصبه أنه قابل محمد بن سلمان وأن الأخير أكد له أن حربه باليمن طويلة طالبا منه أن يستعد لذلك ويجمع حوله الرجال على حد تعبيره وأنه أي ابن سلمان جاهز لدعمه بكل ما يلزم بل أنه ومن شدة تفاعله كشف عن ساعده وقال إذا لزم الأمر نوفي معكم بدمائنا تأكيدا منه على أهمية وقدسية المعركة!

والحقيقة أن حرب الأشقاء في اليمن ليست وليدة السنوات الأخيرة وأن عاصفة الحزم التي انطلقت منذ ثلاثة أعوام لم تكن الشرارة الأولى لها كما يعتقد البعض بل إن هذه الحرب طويلة بالفعل وتمتد لنحو مائة عام ومحمد بن سلمان يمثل الجيل الثالث في هذه الحرب التي انطلقت شرارتها في بدايات القرن الماضي بين المملكة السعودية بقيادة مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود والمملكة المتوكلية اليمنية بقيادة مؤسسها الإمام يحيى حميد الدين ومن ذلك الحين والشعب اليمني يدفع ثمن غرور القيادة السعودية واعتقادها المتوارث أن اليمن الخطر الأكبر الذي يهدد وجودها، وغباء وضعف القيادات اليمنية المتلاحقة للأسف الشديد.

ويكفي أن نعرف أن المنطق الذي واجه به الملك عبدالعزيز أبو الأحرار القاضي محمد محمود الزبيري ورفاقه الثوار إبان ثورة 1948 التي أطاحت بالإمام يحيى هو نفس المنطق الذي واجه به الملك عبدالله بن عبدالعزيز اليمنيين التواقين للخلاص من نظام رجل السعودية الماكر "علي صالح " في 2011 مع فارق أن الأول كان على اتفاق مع الزبيري ورفاقه على ضرورة الحيلولة دون تسلم ولي العهد حين ذاك أحمد يحيى حميد الدين مقاليد الحكم بعد أبيه إلا أن كلمة "الثورة" أفزعته وجعلته يتنصل من كل وعوده ويردد في وجه القاضي الزبيري "ثورة ها ثورة" وذلك وفقا لما ذكره الرئيس الراحل القاضي عبد الرحمن الإرياني في مذكراته.

السعودية في هذه الحرب الطويلة ليس لديها حليف استراتيجي على الأرض كونها تتوجس من الجميع وفِي نفس الوقت تسعى لاستخدام الكل في تحقيق أهدافها بغض النظر عن قربهم أو بعدهم منها

كما أن المتتبع للتاريخ اليمني خلال مائة عام يجد كيف أن المملكة السعودية استغلت الظروف التي تسفر عنها كل جولة حرب للاستحواذ على أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية ناهيكم عن حربها الشهيرة مع نظام عبد الناصر التي جعلت من شمال اليمن ساحة حرب مستعرة امتدت لسبعة أعوام لا لشيء إلا أن اليمنيين ارتكبوا جريمة "الثورة" ضد النظام الإمامي البائد ومع أن إرادة الشعب انتصرت ونيران الحرب انحسرت إلا أن التوجس السعودي ظل متقدا ولذلك فتحت السعودية خزائنها للضباط والمشايخ وواصلت حربها الخفية على أحلام اليمنيين وتطلعاتهم وتوجت ذلك بالتخلص من الرئيس الراحل القاضي عبدالرحمن الإرياني ونفيه من قبل أدواتها ضباطا كانوا أو واجهات اجتماعية.

 

وبنفيه سُلمت الثورة اليمنية السبتمبرية بإنجازاتها وأهدافها للجنة الخاصة السعودية التي كان يرأسها حين ذاك الأمير سلطان بن عبد العزيز والتي فتحت خزائنها واشترت النخب اليمنية من مختلف الفئات الاجتماعية وما لا يعرفه الكثير من اليمنيين أن الرئيس المغدور به إبراهيم الحمدي والذي يمثل الحالة الاستثنائية في حياة اليمنيين صعد إلى الحكم برضى وتنسيق سعودي تام وقد تفاجأت قبل حوالي عام عندما جمعنا لقاء عابر وغير مخطط له بشخصية يمنية مهمة وكان في حالة تجلي نادرة فأخذ يحكي الأحداث اليمنية التي شهدها منذ أن أدرك الحياة.

 

وما لفت انتباهي حديثه أنه كان ذات يوم مع والده في مقر القيادة العامة للجيش اليمني وإبراهيم الحمدي حينها نائبا للقائد العام وقبل فترة وجيزة من نفي رئيس مجلس الرئاسة القاضي الإرياني وكيف أن الحمدي همس في أذن والده الذي كان على علاقة وطيدة بالأمير سلطان بن عبد العزيز رئيس اللجنة الخاصة المعنية باليمن قائلا "سلم على سلطان وقول له كل شيء تمام" وبغض النظر عن كون الرئيس الحمدي خرج عن إرادة السعوديين بعد ذلك إلا أن الانقلاب على الحكم المدني برئاسة القاضي الإرياني مثل انتكاسة كبرى مازال اليمنيون يدفعون ثمنها حتى يومنا هذا.. الثابت الوحيد في هذه الحرب الطويلة أن المشروع الإمامي الذي تمثله جماعة الحوثي اليوم طرف رئيس فيها تارة خصم للنظام السعودي وتارة أخرى حليف له وهو من يبادر في استدعائه للحرب كخصم كما صنع الحوثيون اليوم أو كحليف كما صنع بالأمس جدهم الإمام البدر.

كما أن السعودية في هذه الحرب الطويلة ليس لديها حليف استراتيجي على الأرض كونها تتوجس من الجميع وفِي نفس الوقت تسعى لاستخدام الكل في تحقيق أهدافها بغض النظر عن قربهم أو بعدهم منها وفي اعتقادي أن لقاء ولي العهد السعودي مؤخرا بقيادة حزب الإصلاح ونشر صورة يتيمة لهذا اللقاء ثم حذفها مع الخبر لم يكن مقدمة لتحالف استراتيجي قادم كما يحلو للبعض وصفه وإنما هدفه الرئيس رفع معنويات أعضاء الإصلاح وأنصاره في مختلف الجبهات ودفعهم نحو مزيد من التضحيات في حرب استنزافية طويلة لا يراد لها أن تنتهي وكذلك هو الحال بالنسبة للقاء الذي أعقبه مضافا إليهم محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات.

لا حل لمشاكل اليمن إلا أن يتوجه جميع اليمنيين من الرئيس حتى آخر مواطن إلى الحدود مع السعودية للتفاهم معها في كل القضايا ومن ثم العودة لبناء الوطن
لا حل لمشاكل اليمن إلا أن يتوجه جميع اليمنيين من الرئيس حتى آخر مواطن إلى الحدود مع السعودية للتفاهم معها في كل القضايا ومن ثم العودة لبناء الوطن
 

يمارس الأشقاء العبث بكل أشكاله وألوانه في المحافظات الخاضعة لسيطرة الشرعية تحت ذرائع واهية وعبيطة وبالذات في عدن والسواحل والجزر اليمنية وذلك لأهداف أنانية لا علاقة لها بالحزم والأمل والشرعية وكل المفردات التي تردد على مسامعنا ويحرم اليمني من أبسط حقوقه في العيش الكريم والتنقل والسفر بحرية والأشقاء يستمتعون بعذاباته قصفا وحصارا وترحيلا للمغتربين وسن قوانين هدفها جبايتهم والتضيق عليهم..

ليجد اليمنيون أنفسهم بين تحالف داخلي انقلابي متخلف يقتحم مدنهم ويعبث بمستقبلهم بدعم من الإمارات والسعودية في بداية الأمر وتحالف خارجي جاء لنصرتهم إلا أن أفعاله وسياساته تتناغم مع جرائم المليشيات الانقلابية  كل اليمنيين بما فيهم أولئك الذين يدافعون عن الأشقاء بشراسة ويأكلون من خزائنهم بنهم شديد يؤمنون إيمانا يقينيا بأن نوايا الأشقاء ليست حسنه وأن هبتهم لنصرة اليمن ليست صادقة وأكثرهم وطنية يتمثل المثل الشعبي القائل " من أجل الملعون ابن الملعون قبلنا باليهودي ابن اليهودي " وهذا ما بدا واضحا من خلال التصريحات الأخيرة لعدد من المسئولين اليمنيين المقيمين في الرياض.

ورحم الله الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني حين قال أنه توصل بعد سنوات من الحرب مع الإمامين المدعومين من المملكة السعودية في ستينيات القرن الماضي إلى حقيقة أنه لا حل لمشاكل اليمن إلا أن يتوجه جميع اليمنيين من الرئيس حتى آخر مواطن إلى الحدود مع السعودية للتفاهم معها في كل القضايا ومن ثم العودة لبناء الوطن والخلاصة مالم يحصل عليه اليمن في عهد الملك فيصل الذي وصف بالحكمة والورع والنخوة لن يحصل عليه في عهد غيره مهما أسرف في وعده ووعيده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.