شعار قسم مدونات

الغوطة والعار الذي نرتكبه بحقها

مدونات - الغوطة 24
"اتركو يودع ابنه اتركو اتركو"… مشهد من مشاهد الغوطة الشرقية لم يكن المشهد الأول ولن يكون الأخير، يصرخ المصور "اتركو يودع ابنه" ليحمل الأب ابنه الشهيد ويحتضنه بدموع وحرقة قلب، يمشي في مكانه ويشم رائحة ابنه مودعاً إياه الوداع الأخير كان المصور يبكي ويقول الله يصبرك يارب ويكررها مع غصة ودموع كان يوثق ما يجري ليس وداع الأب لابنه فقط بل كانت أمامه سيارة مليئة بالشهداء مرتبة في صف واحد بجانب بعضهم البعض بلا أكفان أجسادهم مغطاة بأغطية ويقول المصور هذا الدفعة الثانية من الشهداء في بلدة بيت سوى في الغوطة الشرقية.

الغوطة الشرقية الجريحة تعيش أوضاعاً تحتاج لكلمات جديدة لوصفها من صعوبة وقسوة ما تمر به لا يوجد أي وقت للحياة فيها الموت يجول شوارعها فقط وقت للقصف والقتل فهذا ليس شيئا جديدا تعيشه الغوطة منذ أيام أو أسابيع بل منذ ما يقارب 5 سنوات  بحصار مطبق على الغوطة تعيش مع الألم والمعاناة  والرعب والموت كل ذلك يواجهه 400 ألف مدني محاصر هؤلاء ليسوا مجرد أرقام بل أرواح جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن مدنيين عزل لا يملكون أدنى مقومات الحياة يواجهون قصف الطائرات بدعائهم ودموعهم وباستنجدادهم بربهم يعيشون بصبر وليس أي صبر.. صبر على ما يجري أم صبر على الضمائر النائمة أم على خذلان العالم لهم ، صبر خمسة سنوات لو كانوا حديدا لذاب تحت ما يهوي عليهم من السماء من كل أنواع الصواريخ والقذائف.

عندما يُتهم الإنسان بأنه إرهابي ويُقتل الطفل والمرأة والكهل وكل مدني بتهمة الإرهابي دون أي رادع لهذا الفعل الشنيع بحق الانسانية والدين، تأكد أن الجميع تعرى من إنسانيته وشارك في الجريمة، يُقتل من لا يملك كسرة خبز يقيت بها نفسه وعائلته بتهمة الإرهابي.. يا الله ما هذا الصمت الذي يعيشه العالم فكم يستهان بنا وبأرضنا كم هي دمائنا رخيصة لدرجة أن تسفك بسهولة والجميع يشاهد بضمير نائم وقلب لا يبالي تاركين هذه المناظر خلف ظهورهم لا يحملون في قلوبهم هما أو غما يعيشون حياتهم بمتعتها ونحن نفتقد حياتنا التي سلبت وتبدلت بالموت والألم، امتلأت الصحف والقنوات بالصور والمشاهد القاسية التي لا يتخيلها عقل ولا يتحملها قلب إنسان امتلأت بصور الأطفال الذين غادروا الحياة وهم لم يعلموا عن الحياة سوى صوت الطائرات في السماء وأن وراء هذا الصوت هناك كارثة قادمة.
 
كل ما في الغوطة الآن من بشر لا يبحث عن طعام أو ماء بقدر ما يبحث عن أمان وضمان حياته لم يبقى بيت عامر ولا منطقة خالية من الدمار ولا بقعة من الأرض خالية من الدماء لم يبقى لا طعام ولا ماء إن وجد إلا وتغمس بالدماء، يكتسيهم الجوع والبرد والعطش بات باطن الأرض جنة للأحياء والأموات ومفر من هدير الطائرات وصواريخها. 

لو كانت مباراة كرة قدم لتحدث الجميع عنها في شبكات التواصل وحلل وشارك وانتقد وامتلأت القنوات بالمحللين الرياضيين لتحليل ما يجري في المباراة لكن ماذا لو كانت إبادة جماعية ضحيتها شعب مظلوم وسلمي ماذا لو كانت جريمة ضد الإنسانية بحق شعب أعزل لم يعد يعرف الحياة فوق الأرض بل أصبحت بالأنفاق والملاجئ ماذا لو كانت تشرعن جريمة القاتل ويبرأ من فعلته ويقتل المظلوم بتهمة الإرهابي، لو كان أطفال الغوطة في برنامج ذا فويس للغناء لهلل لهم العالم لكن تحت جحيم الطائرات لا يوجد حتى من يتعاطف معهم ويستمع إلى صرخاتهم كما يستمع الى الغناء في ذا فويس، الكثير من وقع بالصمت وتخاذل وتهاون ولم يعطي أي أهمية، الغوطة تباد الغوطة تحرق الغوطة تعيش محرقة كبيرة الغوطة أصبحت أرضا لابتلاع البشر أحياء وأموات كل هذا يمر أمام الجميع من مشاهد وكلمات وصور وقد يكون تخطيه بسهولة عند الغالبية بمزاعم أنهم لا يتابعون السياسة لكن الانسانية لا يوجد لها وقت محدد لايقاظها في قلوبنا وأنفسنا، إن لم نكن إنسانيين نستصرخ أنفسنا ونستنهضها أمام الكوارث الإنسانية لا يمكن أن نكون بشر خلف أضلاعنا قلوب تنبض.

الصمت تجاه ما يجري في الغوطة الشرقية هو عار سيؤرخ في سجلات التاريخ وجريمة نكراء من هول ما يحدث من كارثة سيكون مشاركا بهذه الجريمة كل من برأ نفسه بحجة أنه لا يملك من الأمر شيء وتخطى فعلى كل إنسان لديه ضمير وقلب وغيرة على دم كل مسلم يسفك ظلما أن ينطق ولو بكلمة لنصرته كلمة تكتب وتقال بضمير حي تضامنا قد لا تغير الواقع المأساوي بقدر أن تكون كلمة في سبيل أن يصحوا كل ضمير نائم عن كل أنواع التضامن.

لم يستطع أحد فعل شيء إلى حد هذه اللحظة في سبيل إيقاف الجحيم الذي تعيشه الغوطة انتهى الكلام ومات الوصف كما فعلت منظمة اليونسيف أمس عندما أخرجت بيانا فارغا من الكلمات احتجاجا وإشارة إلى أن ما يحدث في الغوطة الشرقية لا يوجد أي كلمات يمكن أن توصفه، لقد كان تعبيرا جيدا عن فظاعة ما يجري ولكن هذا لا يبرر صمتهم ويكتفي الجميع ببيانات فارغة دون كلام، المنظمات من أمم متحدة ويونسيف يجب أن تكونا عينا ومصدرا لكل حدث يحصل في الغوطة وألا تبقى صامتة لأن البيانات الفارغة ليست تبريرا مقنعا وكذلك المنظمات الإنسانية فعليها ألا تنسى واجبها من هذه القضية وإلا لقب الإنسانية سيكون غير مناسبا بجانب مسمياتهم. 

المحرقة الحاصلة في الغوطة الشرقية مستمرة أمام عجز دولي ولكن لا تقع على عاتق الشعب السوري فقط بل على عاتق الجميع في هذا العالم وبالأخص على عاتق كل مسلم على الجميع أن يلبي مناشدات الأطفال والمدنيين و ألا نكون كالأحجار الصماء ولنركز على هذا الوصف وألا نكون كذلك، الغوطة الشرقية تحتاج لعزيمة حقيقية تنصرها وليتخلص الجميع من عار الصمت الذي فيه ويتحرك.. أهل الغوطة الشرقية يبادون أنقذوهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.