شعار قسم مدونات

ذكرياتنا الجميلة لا تموت بل تنبض بأرواحِنا!

مدونات - صور ماضي ذكريات
في لحظةٍ ما، ربما حين انشغالنا بأعمالِنا المعتادة، قد يقف العقل عند لحظةٍ لا تأفل نجومه عن المغيب، فتضيء لنا الحياة ذكريات جميلة؛ لأنّ طبيعة العقل البشريّ يحبّ التوقف عند اللحظات التي افتقدها رغمّ جماليتها وخلودها في أعماقنا!
 

فتلك الذكريات تأخذنا إلى عوالمِنا التي انطفأت برحيلنا، إلى الطفولة التي كانت تأبى أنْ يقاسمها الزمان بخيباته، كانت تلتصق بكلِ لحظةٍ خوفا من تطّايرها؛ فالبراءة آنذاك كانت المحطة التي لا تتوقف عن المسير، تستمدّ قوتها من عمق الأرض المباركة التي لونتها أيدي أجدادنا.

 

لكلّ مكانٍ بصمةٍ ما، أحلامٌ معلقة وإن لم تتحقق، تبقى صامدة على الجدران، ككلماتٍ وأشعار، رسوم، عبارات ؛ أبت أن تسمح للزمان مسح أثارها، التصقت بتلك الأمكنة، التي قد غادرها أصحابها رغمّا عن قلوبهم وأوطانهم، الذين قد قضوا غالبية سنين حياتهم بين هذه الجدران ذهابا وإيابا، قد خلدوا ورائهم الماضي المرصع بطموحهم وبطولاتهم، والأحداث التي واكبوا ظروفها وتعايشوا مع نتائجها؛ رغم خبايا الظلم الذي استوطن أوقاتهم، ورغم الحصار الذي فرض عليهم سلطته وحرمهم من أيامهم!

 

هذه التفاصيل التي احتوت أحلامنا سيخلدنا التاريخ ويعطي لأرواحنا البقاء في الحروف حينما نكتبب كلّ الذكريات بمخطوطاتٍ تحتضن عمق مشاعرنا، وترتعش بها أجسادنا حين تذكّرها

الوطن كلمة تفجّر في أعماقنا ألاف الأحلام والذكريات والبطولات والتضحيات ؛ حينما نقف عالقين في بلاد المنفى البعيد أمام دنو شمس المغيب، وبحرٍ لا يشبه بحر يافا وميناء غزة، رغمّ الألم المحترق في شراييننا، رغمّ الحصار الذي فتتنا في بعثرات الكون المنتشرة؛ إلا أنّ الحنين هو الأكسجين الذي يطفئ دخان الظلام، وحرقة الأيام التي افتقدناها عنوة.
 
لكلّ جدارٍ عتيقٍ قصة، لا يعرف حقيقتها سوى أصحابها، لكلّ بيتٍ رغمّ الدمار، بقايا متشبثة بجذور الأرض تحنُّ إلى ساكنيها وأصواتهم، ربما همساتهم في الليل الحالك وطقوسهم وأحلامهم التي تنسجها أمانيهم وصلواتهم،.. إلى كلّ شيء!

 

هل ترجع الذكريات، ونعيدُ ترميم ماضينا الجميل؟!
من سيعيدها لنا؟!
وهل تبقى عالقة في مخيلتِنا رغمّ تباعد الأيام وازدحامها؟

 

ربما الأحاسيس والمشاعر هي التي ما زالت تؤمن بالذكريات؛ باسترجاعِ اللحظات! حين يغفو العقل بعيدا عن الواقع، حين يعاود رسمها بفرشاةٍ سحريةٍ غالبا ما تختفي؛ ويغادرنا العقل الباطن على عجلٍ حين يقاطعنا صوت الكون الواقعيّ! رغمّ الألم الذي يعتصر في داخلنا ويرتطّم، قد يضجّ العقل بالماضي، ويحاول أن يلتصق بالأحلام المقتولة على ضاحياتِ الزمن المرّ، هذا الإعصار الهائج أحيانا يُفقدنا السيطرة على أعماقنا، ويشلُّ أحيانا أخرى حركتنا الطبيعيّة؛ لنجد أننّا نفقد الحياة الحاضرة ولا نجيد التأقلم مع أحداثِها، ونبقى غائبون في زمنٍ قد انتهى، لكنّ طياته كانت بالنسبة لنا الأمل والجمال والحياة التي بنتها طفولتنا.

  undefined
 

فالذكريات ستبقى كالحكايات لا ينقصها العمر، تمرّ من كلّ الأزمنة، ملامحها تتناقل كالنصوص وتسرد في الروايات؛ وسنكون يوما ما أبطالها لننقل للقارئ تفاصيل حياتنا من طفولتنا إلى اللحظات الجميلة الممزوجة بالألم وإلى ذكرى الرحيل الذي أرغمنا على مغادرة أماكننا؛ وهي تقف أمامنا تدمعُ وتحاول التشبث ببقايانا العالقة على أطراف الطرقات كطفلٍ قد انتزع الموت منه أمه.

  
فبهذه التفاصيل التي احتوت أحلامنا سيخلدنا التاريخ ويعطي لأرواحنا البقاء في الحروف حينما نكتبب كلّ الذكريات بمخطوطاتٍ تحتضن عمق مشاعرنا، وترتعش بها أجسادنا حين تذكّرها. فكيف لكلّ هذه الذكريات الباقية أن يكون الزمن ممحاة لبصماتها؟! لا شيء يجيد أنْ يمحو الحب من أعماقِنا!

 

العيون الجميلة لا ترى إلا الجمال، والخلود لا يمكث إلا في القلوبِ الرقيقة، والحبُّ لا يعبث في الأوراق البيضاء، والحنينُ كالدمِ لا يتوقف عن النبضِ في أوردتِنا كما الحياة! فذكرياتنا الجميلة لا تموت؛ تنبضُ بأرواحِنا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.