شعار قسم مدونات

بين قندوز والغوطة.. توأمة مأساوية!

مدونات - استهداف مدرسة أطفال في قندوز

هذه التوأمة المأساوية لازمت الموضعين بفعل شلالات الدماء في أمة ابتليت بالنكبات والظلم والتهجير، ففي بلاد الأفغان يطيب لهم إطلاق لقب قندوز على كل من أنهى حفظ كتاب الله ؛ وذلك لأنه من المتعارف عليه أن قندوز اشتهرت بمدارسها القرآنية الكثيرة، وبالتالي استساغ بعض الناس إطلاق لقب قندوز على كل من أتم حفظ كتاب الله، وأذكر أنه إبان الغزو الأمريكي للعراق عرضت المقاومة العراقية الكثير من العمليات ألغيت في لحظة الصفر بسبب مرور مدنيين أو قطيع من الأغنام بالقرب من موضع الاستهداف، ولم تمارس المقاومة العراقية الميكافيلية السياسية أو لنقل ميكافيلية المقاومة، وظلت على الدوام حريصة في مقاومتها للمحتل الأمريكي على المحافظة على أرواح الناس وممتلكاتهم..
 
بخلاف منسوب الإنسانية السابق جاءت مجريات الأسبوع الأول من نيسان بحادثتين غاية في البشاعة الأولى في أفغانستان والثانية في دوما في الغوطة الشرقية، وفي الحالتين قام الوكيل المحلي بالنيابة عن موكله بالقصف سواء بالكيماوي أم بالقصف الجوي، وهذا جزء من المعاناة المتواصلة التي يلاقيها المواطن بصورة يومية.
 
في الواقع الأفغاني قامت قوات حكومية مدعومة من التحالف الأمريكي الدولي بغارة جوية، استهدفت مدرسة قرآنية في قندوز في لحظة تخريج دفعة من حفاظ القرآن الكريم في سوف باتان الواقع في مديرية دشت آرتشي في ولاية قندوز إلى الشمال من أفغانستان، ولو فرضنا جدلاً أن القصف وقع لواحدة من دور العبادة لغير المسلمين لقامت الدنيا ولم تقعد، ولرأينا حينها العجب العجاب ولرأينا كيف تتم المطالبة بإقالة المسؤولين عن التنفيذ من الحكومة الأفغانية، جراء هذه الكارثة الإنسانية لمئات العائلات، وضخامة العدد الذي اجتاز المئة وخمسين شهيداً، علاوة على مئتي جريح أغلبهم من الأطفال حفاظ كتاب الله.

 

مثل هذا الفعل ضد مدرسة لتعليم الدين أمر غير مقبول"، ولا يعقل بحال من الأحوال أن تكون المدرسة هي ميدان الصراع بين الطرفين، ففي هذه الحالة يوصف الفعل بأقل تقدير على أنه جريمة حرب ضد الإنسانية

ومن المحزن أن يتم التبرير لتلك الواقعة بالقول هي استهداف لأعضاء طالبان ضمن الحضور الضخم المقدر بألف رجل، ولو فرضنا أن الملا هيبة الله أخوندزاده كان مدعواً في ذلك الحفل، فهل يجوز التضحية بالحضور وهم يزيدون عن ألف مدني، وإنه لمن العسير فهم كيف تسول لهم أنفسهم إجازة التضحية بالمدنيين والأطفال المسالمين بحجة أن هناك صيداً ما ثميناً من حركة طالبان، ولا يعقل أن كوادر طالبان يقعون في خطأ بمثل تلك السذاجة، متناسين دواعي الأمن والسلامة!

يبدو حسن الختام جلياً في هذه الحادثة، فأن تنتهي حياة الحافظ لكتاب الله بمجرد أن يختم القرآن الكريم ففي ذلك الكثير من التوفيق والاختيار من قبل الله عز وجل .،ويطيب الدعاء لهم بالرحمة وأن يتقبلهم الله في جنات الخلد.

 

الدروس والعبر

الوكيل المحلي دائماً حريص وقيصري أكثر من القياصرة أنفسهم ؛ فلذلك لا يتوانى في تحقيق أهدافه عن التضحية بكل ما أمامه، لذا بات المكون السني مستهدفاً بصورة لا تجد لها تبريراً، وكل ذلك يساهم في رفد المظلومية السنية في الإقليم وما جاوره حيال التكالب الحاد على المكون الأصيل لهذا الإقليم .
ومن الدروس المستفادة أن الأمة مطالبة بالصبر والاحتساب عند الله، ووجوب التلاحم الشعبي في وجه العدوان، ووجوب عدم الصمت وهو لا يليق بهكذا حالة، ومن المناسب تفعيل النداءات الصادرة من المنظمات الحقوقية والحكومية نحو المحافل الدولية.

    undefined

 

ويبرز في هذه الحادثة اتقان الإعلام العربي لفن السكوت عن توصيف هذه الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين، والمثال الأكثر وضوحاً فلسطين والعراق وسوريا وبورما وفي كثير من بقاع العالم، ومن الصعب أن يغيب مشهد الفلوجة عن الذاكرة، وهي التي قصفت بأشد الأسلحة فتكاً تلك الأسلحة المحرمة دولياً. ومن المعيب أن يمارس الإعلام النشر الداخلي للاستهلاك المحلي والتحسّر والندامة والعويل، مقصراً في حق الأمة فالنشر الموجه للعالم الخارجي عبر مخاطبة الدول الأخرى هو رأس الأولويات. وهذا ساهم بدوره في كشف ورقة التوت التي تغطي عورة النظام السياسي وإعلامه الرسمي بقنواته التي تتبجح ليل نهار بدعم الحق، فأين ذهبت في تغطياتها منشغلة في صغائر الأمور، ولم تكلف نفسها تسليط الأضواء وإجراء التحليلات الإخبارية، واستضافة المحللين والخبراء إلا في حدود الندرة بمعدل قناة أو قناتين.

 

لقد أظهرت أزمات الإقليم اتساع دائرة الاستهداف لتشمل المدنيين والصحفيين ورجالات المجتمع ورجالات الدين والمشافي الطبية، وأظهرت الأحداث مشايخاً من علماء السلاطين يقولون أن أمريكا تقود العالم، فكم كان تدليسهم لعقود على المسلمين! والآن ما هو موقفهم من سيدتهم أمريكيا التي تقود الإنسانية نحو السلام؟

 
أن الجرأة على استهداف حفظة كتاب الله ما كانت لتكون لولا سياسات الدول الإسلامية في إرضاء الغرب على حساب العقيدة، ومن ذلك تغيير المناهج وفق الرغبات الغربية، وتقليل حصص القرآن الكريم إرضاء لسياسات العم سام.

 

إن اقتراف هذه المأساة المتمثلة في قتل العشرات من الأطفال بعدما أنهوا حفظ القرآن الكريم بحضور أهاليهم وأقاربهم، هو ما دفع برئيس مجلس النواب عبد الرؤوف إبراهيمي للتصريح "لا شك في أن طالبان كانت موجودة هناك، لكن لنكن صريحين، مثل هذا الفعل ضد مدرسة لتعليم الدين أمر غير مقبول"، ولا يعقل بحال من الأحوال أن تكون المدرسة هي ميدان الصراع بين الطرفين، ففي هذه الحالة يوصف الفعل بأقل تقدير على أنه جريمة حرب ضد الإنسانية، وبات من المعلوم أن صور جثث أطفال الذين يرتدون العمائم التقليدية وأجسادهم ملطخة بالدماء من العوامل التي تعطي حركة طالبان مشروعية ودفعة معنوية ووجودية للأمام علاوة على نفوذها الكبير الذي اتسع مؤخراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.