شعار قسم مدونات

أحلام مستحيلة في واقع افتراضي!

Blogs- free
بعيدًا عما يصدح به الإعلام من أخبار ملونة وخطب رنانة، لا جديد يذكر عدا الحزن في بلدي، وجوهٌ مغمومة، وسِحنٌ أصابتها الكآبة، وصدورٌ بالهموم مملوءة، أصبحت الجميلة الفاتنة تصبح على الشقاء وتمسي على الأسى، أصبحت الحياة لا تتعدى كونها سيناريوهات متكررة محشوة بالمرارة، وذكرياتها تتصل بسنيين من الألم الذي يعجز تفسيره أي معجم، الحياة هنا تشبه حكاية تراجيدية مأساوية بين شاب في ريعان شبابه يُسَّكن جراح الأمس، وكهل ما يزال يضمد جراح الماضي البائس لتلتئم.
 
في تلك البقعة الصغيرة يرزح الناس بين التهميش تارة وبين الحرمان تارة أخرى، صابرين على مآسي الحياة ومتحملين صلف العيش من أجل الظفر بلقمة تسد رمقهم وشربة ماء تبقيهم على قيد الحياة، يفتقدون أدنى مقومات العيش الكريم، الكهرباء مقطوعة والمياه شحيحة والمواصلات صعبة، والفقر طال معظم الناس، يعيش هناك أطفال بعمر الزهور نهشت الكآبة ملامحهم، وأبكتهم قهرًا، أحلامهم البسيطة لم تجد أمامها سوى جدار الواقع المرير فاصطدمت به.
 
مع إطلالة كل صباح تبدأ عجلة الحياة بالسير، يذهب العمال صوب عملهم وكلهم نشاط، في كل شارع نجد عمال النظافة يقومون بكنس الشوارع وتنظيفها، يسير بجوارهم طلبة المدارس يحيوهم ويلقون عليهم السلام ثم يكملون مسيرهم لمدارسهم.
  

على الجهة المقابلة طلاب ذاهبون لجامعاتهم يتحدثون عن الأخبار الجديدة ومستجدات الأحداث اليومية، يبدي كل منهم رأيه ومع تعددها واختلافها إلا أنهم يحترمون ثقافة اختلاف الآراء. في وسط المدينة توجد المكتبة المركزية المفتوحة لكل الناس على اختلاف أفكارهم وآرائهم، في مدخل المكتبة تجد الشباب ملتفين حول طاولة دائرية الشكل يتناقشون ويتكلمون بكل أدب واحترام.
  

إلى متى سيبقى هذا حالنا؟ ألا يحق لنا أن نعيش عيشًا كريمًا في وطن جميل خالٍ من المشكلات والنزاعات، أم أننا نبحث عن أحلام مستحيلة في واقع افتراضي

في شارع آخر تمر سيارة الإسعاف فتفسح كل السيارات الطريق لها لتمر بسرعة نحو المشفى، يستقبلها أطباء رسمت على محياهم روح حب العمل، مبتسمين في وجه المرضى، ويؤدون عملهم بكل حب وإتقان، فهم يقومون بعمل إنساني عظيم.
 
على هذا الشكل أردنا بلدنا، جميل يزهوا بألوان الرقي، ويرتدي ثوب الحضارة.. لكن الواقع هنا يتحدث بشكل آخر، فمع إطلالة يوم جديد يتناهى لسمعك نحيب أم على ابنها التي فجعت به، وعلى بابٍ انتهكت حرمته تجثوا بركبتيها على الأرض، تقتفي عبثًا بعينيها الذابلتين أثر ولدها فلذة كبدها، لكنه مضى إلى غير عودة.
 
في مكان قريب طفلٌ في مقبل عمره حرم حضن والده الدافئ، وهو يذرف الدموع، كيف لا وقد شاطره مسيرة حياته الزاخرة، كان دائمًا يرفع شارة النصر، لقد قدس قضيته وآمن بها حتى تغلغلت إلى أعماقه، وارتسمت روح الإرادة والتحدي في نفسه وهي تجري في دمه كمجرى الدم في العروق، هذا الشبل سينمو في كنف حرمان والده، ولا عجب إن زأر يومًا ووقف متمردًا في وجه مختطفي والده.
 

هناك من بعيد وعلى مفترق طرق سمع دوي صرخة رامي، لم يهتم أو يلتفت إليه أحد، إنه المختل عقليًا يسير على سجيته وينصاع لما يأمره به هواه، مهلًا لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا، فلم تكن صرخته ككل مرة فقد انطلقت من أعماق فؤاده المجروح، خرجت الآهات راسمةً على محياه كمية الألم والضعف الذي انتابه، ضغط على يديه بشدة، لكن أفزعه منظر الدم المتدفق، وصرخ مجددًا باحثًا عن وطنه الضائع.
 
عند اجتماع الأسرة على مائدة الطعام يلاحظ غياب فرد منهم، ذهب ليتنفس هواء الحرية لكنه لم يعد، فقد ألقوا القبض عليه ووضعوه في دهاليز النسيان، حيث لا يرى ضوء الشمس أو أي إنسان، لم يكن مذبًا فهو لم يسرق الأموال، ولم يظلم أحد، أو يعتدي على أحد، ومع ذلك كان متهمًا بتهم يشيب الراس لها، ربما سرقوا حرية شعب بأكمله، لكنهم لن يستطيعوا استئصال جذوة الوعي منه.
 
في مكان بعيد، مملوء بالسواد القاتم، وفي ظلمة لا ترى فيها ضوء الشمس أو نجوم السماء جلس حسن القرفصاء مستندًا بظهره على حائط بارد في بضع أمتار صغيرة، كانت آثار التعب واضحة على جسده المتعب وبالكاد يتنفس، بدا كأنه في عالم غير العالم المحيط به، في عالم نسجه في مخيلته بين الحقيقة والخيال عل ذلك ينسيه قساوة حاضره، شخص ببصره نحو الأعلى، رفع يده وبدأ بتحريكها يمينًا ويسارًا كأنه يرسم لوحة الحرية.. ارسم يا حسن وأبدع في رسمها فحتمًا سيأتي اليوم الذي ستكون فيه لوحتك حقيقة وواقًا نعيشه.

يبقى الواقع المرير الذي نعيشه محشوًا بكميات من الألم والحرمان والحزن الذي لا يشعر به إلا من ذاق ناره واكتوى بويلاته، بالصحافة في كثير من الأحيان لا تنصفه، فإلى متى سيبقى هذا حالنا؟ ألا يحق لنا أن نعيش عيشًا كريمًا في وطن جميل خالٍ من المشكلات والنزاعات، أم أننا نبحث عن أحلام مستحيلة في واقع افتراضي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.