شعار قسم مدونات

نعم سوريا ليست العراق!

مدونات - ضربة أميركا لسوريا
نعم سوريا ليست العراق، فلا طبيعة الصراع ولا حجم التدخل يشبه ما كانت عليه الأمور إبان حربي الخليج الأولى والثانية. يحاول أتباع بشار التسويق لنظامهم كرمز للمقاومة وأن التدخل "الثلاثي" الأمريكي البريطاني الفرنسي يأتي في سياق الحرب على محور المقاومة والممانعة بما يحمله من عقيدة قومية عربية تشكل امتدادا لنهج زعماء قوميين مثل صدام حسين وجمال الناصر. والمصطلحات التي يستحضرها القوميون اليوم من قبيل العدوان الثلاثي وفيه تشبيه بالعدوان الذي شنته كل من إسرائيل وفرنسا والمملكة المتحدة على مصر سنة 1956 والتذكير باستهداف العراق أو ليبيا تهدف إلى تبويب الوضع السوري اليوم في نفس السياق مما يفرض منطقيا على كل المتفاعلين مع المستجدات الأخيرة الاصطفاف خلف أطروحة النظام، لكن هل الأمر فعلا كما يحاولون ترويجه؟

 
إن إجراء مقارنة بسيطة بين ما كان عليه الوضع إبان حربي الخليج والوضع السوري الحالي كفيل لوحده بدحض نظرية ما يسمى حلف المقاومة، فالعراق عندما استهدف كان يشكل قوة عربية سنية مستقلة في قرارها تملك حرية التصرف حسبما تقتضيه الظروف والإمكانات وشكل وجودها إزعاجا لكل الطامعين في كعكة الوطن العربي ولهذا كانت مستهدفة من قبل كل من إيران ذات العقيدة الشيعية الفارسية والولايات المتحدة وحلفاؤها ذوو العقيدة الصليبية الحاملين للإرث التاريخي للدولة الرومانية، هذا الاستهداف أدى إلى تدمير كلي للعراق باتفاق أمريكي إيراني تلاه إعادة تشكيل للدولة العراقية ومؤسساتها بما يضمن لكل طرف حصته وخرجت العراق بالتالي من خارطة القوى العربية السنية لتصبح تابعا إيرانيا بحماية أمريكية.
 

أما بالنظر للوضع في سوريا اليوم فالمكون العربي السني هو الأضعف والأكثر استهدافا بكل أطيافه المعتدلة والمتطرفة، فمنذ اندلاع الثورة السورية وضعت كل القوى العالمية على رأس أولوياتها سحق كل مظهر قوة مستقل قد يشكله السنة في سوريا فبحجة العمالة أو الإرهاب اشترك كل من إيران وروسيا والتحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في ارتكاب المجازر بحق الشعب السوري وقضت نهائيا على أي أمل سني في تشكيل قوة ردع مستقلة كافية لتحقيق مصالح السنة في سوريا.
 

المعركة اليوم بين القوى العالمية وهم أساسا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهم من أجل اقتسام أرضنا والتحكم في مصائرنا ومن قسوة الزمان إن كلتاهما إذا ما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني واحد

ولعل من أبرز مظاهر هذا التوافق الصمت المطبق والضوء الأخضر الذي تلقاه النظام وحلفاؤه أثناء ارتكابهم لمجازر تعد الأبشع في تاريخ الإنسانية الحديث، هذه المجازر وجدت دعما غير مباشر عبر الحرب الأمريكية على أقوى خصوم النظام المتمثلين في تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة حيث شن التحالف أكثر من 15 ألف غارة جوية بالإضافة إلى عمليات خاصة أدت إلى القضاء على أبرز قادة التنظيمات المصنفة إرهابية وتراجع مناطق سيطرتها مما ساعد النظام السوري وحلفاؤه في استعادتها، هذا الدعم الغير مباشر تحول أحيانا إلى دعم مباشر إذ قصفت الطائرات الأمريكية أماكن تمركز مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في تدمر أثناء تقدم قوات النظام لاستعادتها أو عبر التحالف الذي حصل بين ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية وميليشيا النظام أثناء استعادة الرقة.

 

وهو تحالف لا يدعو للاستغراب إذا علمنا أن أغلب الميليشيات الموالية لإيران والتي تقاتل إلى جانب النظام هي ميليشيات شيعة أفغانية وعراقية والعامل المشترك بينها هو الاحتلال الأمريكي الذي ساهم في نشأتها وتدريبها وتسليحها بغية تغذية الصراع السني الشيعي وهو ما رحبت به ايران التي تدعي اليوم تنزهها عن هذا الصراع، يكفي أن نشير أن المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيستاني أفتى ذات يوم لشيعة العراق بعدم جواز الجهاد ضد المحتل الأمريكي، طبعا الفتوى كانت مسقطة من إيران إثر اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وتحولت بعدها البندقية الشيعية نحو الجار السني ورشح السيستاتي للحصول على جائزة نوبل للسلام.
   

هذا الاستهداف الممنهج للمكون السني الذي لم يجد من يدعمه خاصة في ظل خيانة داعميه الخليجيين الذين التزموا بالأوامر الأمريكية القاضية بعدم تسليم المعارضة السورية المسلحة أسلحة نوعية مؤثر ة وأنظمة مضادة للطيران بدعوى الخوف من وقوعها في الايادي الخطأ وانكفاء تركيا على مصالحها التي تركزت أساسا على منع تشكيل حزام كردي مسلح على حدودها مع سوريا ادى في النهاية إلى هيمنة روسية ايرانية مباشرة واخرى امريكية عبر الحلفاء الاكراد مع الاخذ بعين الاعتبار النفوذ التركي المتذبذب حيث تحاول تركيا التوفيق بين علاقاتها بكل من روسيا والولايات المتحددة لضمان القدر الاكبر من مصالحها.

 
بانتهاء عملية تقليم أظافر السنة واقتلاع أنيابهم وجد المتدخلون الدوليون في سوريا أنفسهم في مواجهة بعضهم البعض. فالنظام السوري وإيران اللذان استفادا طويلا من الدعم الروسي والصمت الدولي يبدو أنهما تمادا كثيرا وتجاوزا مناطق نفوذهما المسطرة من قبل قوات التحالف التي تقودها أمريكا وهنا اتت حجة استخدام النظام السلاح الكيمياوي لتكون مبررا سخيفا لقصف النظام، موطن السخافة هنا ليس الرد على استخدام الكيمياوي وهو جريمة شنيعة بكل المقاييس بل لأن الكيمياوي استخدم عشرات المرات من قبل لكن وقت التدخل لم قد حان بعد. هذه الحجة استخدمها الأمريكيون وخلفاؤهم ببراعة لا تحرج الروس وتضمن مصالحهم فأيام الانتظار التي تلت تغريدات ترمب المتوعدة بقصف سوريا كانت من اجل الخروج بصيغة توافق مع روسيا، التوافق الذي اقتضى أن تنأى روسيا بنفسها عن الدفاع عن النظام مقابل محدودية عمليات القصف والهدف منها دفع النظام وايران إلى الانكفاء على مناطق نفوذهم الحالية وعدم التفكير في التوسع مجددا فحجة الكيمياوي لا تزال قائمة والتوعد الفرنسي بالاستعداد لمعاودة القصف دليل على ذلك.

 

إن أبرز ما يمكننا استنتاجه من ملابسات الضربة الأمريكية وما أحاط بها من جدل هو أنها لم تأت كخطوة جديدة في سياق العدوان الأمريكي على الأمة العربية، فالأمة العربية انتهى نفوذها في سوريا منذ سنوات والمعركة اليوم بين القوى العالمية وهم أساسا روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهم من أجل اقتسام أرضنا والتحكم في مصائرنا ومن قسوة الزمان إن كلتاهما إذا ما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني واحد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.