شعار قسم مدونات

سوريا والسبع العجاف.. كم خسر السوريون؟!

blogs سوريا

لا يغيب عن ذهني ذلك اليوم من ربيع عام 2011 منتصف آذار، كنت لم أبلغ 18 بعد، كانت تصلنا أخبار انتفاضات الشعوب العربية بدءًا من تونس وصولًا لليمن، كنّا نتساءل صغارًا وكبارًا؛ هل سيصل ذاك السيل نحو ديارنا فيقتلع الخبيث من جذوره وينسف أوثان الطاغية، ويسقينا نحن المستضعفين ماء زلالًا لا كدر فيه؟

كانت الأحداث متسارعة في كل البلدان العربية، وكنا نحسب أنّ أي انتفاضة سورية لن تطول سوى أيام معدودة حتى تقتلع حكمًا ظلاميًّا بات أكثر من 40 عامًا بسياسة يقودها الحزب الواحد وبعسكرة عمادها الطائفية. وبالفعل انطلق ذلك السيل نحو دمشق قادمًا من درعا، لتبدأ المدن السورية ثورتها السلمية التي قامت على أساس الكرامة، أو لم نقل حينها "بدنا كرامة" إذ لم تكن ثورة جوع، لم تكن أيضًا ثورة طائفية-عرقية، أو لم نقل حينها "الشعب السوري واحد". كنّا نريد الحياة الكريمة، بحقوقنا المشروعة كبشر ومواطنين، عانينا ما يصعب على القلم شرحه لمن لم يعش تحت وطأة "الأسد".

مضت أيام، أسابيع فشهور، والرصاص وحده هو الذي يحاورنا ويجيب على مطالبنا، طفئ الناس وطفح الكيل وارتفع عدد شهداء الكرامة، فقلنا أنّ الرصاص يحاوره الرصاص فقط، نهض السوريون للسلاح دون أي خريطة، دون مستقبل واضح، دون أن ندرك أنّنا مطية لعبة دولية كبرى لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

تعددت التشكيلات العسكرية بسوريا، وكذا انبثاق مجموعات سياسية، فرقت بينهم الأيديولوجيات تارة، وتارة القوى الإقليمية والدولية التي تدعمهم

في الحقيقة كان معظم الناس في ذلك الوقت يمشون نحو مجهول، نعم لقد رأينا تأسيس المجلس الوطني في ذلك الوقت، لقد تمّ الإعلان عن تشكيل عسكري باسم "الجيش الحرّ"، ولكن.. ولكن يا ليت الأمر بقي عند هذا الحد واستطعنا كسب قوة سياسية وعسكرية معارضة لنظام خائر يمكن أن يسقط خلال ساعات. 

تعددت التشكيلات العسكرية، وكذا انبثاق مجموعات سياسية، فرقت بينهم الأيديولوجيات تارة، وتارة القوى الإقليمية والدولية التي تدعمهم. لم يكن الموضوع مجرّد انبثاق وتفرقة؛ بل ظهرت فصائل باسم الدين تمكنت من تحويل ثورة وطنية ضدّ الظلم وانتهاك الحقوق، إلى ثورة باسم الله وكأنهم يتحدثون باسمه في الأرض، فصاروا هم أيضًا ينتهكون الحقوق ويمشون بالجور بين الناس. أو لم نكن نطمح بحريتنا؟ أو لم نقم على نظام كان يفرض سطوته الفكرية والسياسية علينا بالقوة؟ ولكن لا حياة لمن تنادي، ولا سبيل للكلمة أمام الدولار الناعم!

والآن لو أردت أن تستقرأ عن وضع تلك الثورة الموؤودة؛ ستجد أنّها صارت بحكم المستحيل، إذ أنّ قوة عظمى (روسيا) قررت دعم نظام الأسد بكل قوتها، بكل جبروتها، متحدية قرارات مجلس الأمن المضحكة، متحدية قوة الغرب الخادعة، متحدية خصمها الطبيعي الولايات المتحدة، متحدية أوباما المتردد وترمب المتخبط.

 

هذا فضًلا عن إيران التي هي الأخرى دخلت بعددها وعتادها على خط الحرب السورية، بعد أن أعلن ابنها غير الشرعي "الأسد" عن عجزه أمام ثورة شعبه. بالمقابل؛ فمن ذا الذي يقف بجانب أصحاب الثورة الأولى؟ من يقف بجانب القوى السياسية المعارضة التي فاق عددها أصابع اليد؟ من يدعم بشكل حقيقي الفصائل المعارضة؟ الجواب لا أحد، بل الكلام الفارغ، والمصالح الكاذبة هي سيدة الموقف ليس إلا.

أكثر ما استفدت منه كسوري من هذه السبع العجاف، أنني تعلمت الكثير؛ تعلمت الاعتماد على النفس والتعويل على العمل وليس على الأفراد أو الوعود الفارغة
أكثر ما استفدت منه كسوري من هذه السبع العجاف، أنني تعلمت الكثير؛ تعلمت الاعتماد على النفس والتعويل على العمل وليس على الأفراد أو الوعود الفارغة
 

أما السوريون فهم الخاسر الأكبر من كلا الطرفين، من النظام ومن المعارضة، هناك أكثر من 7 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، فضلًا عن 2 مليون في بلدان عربية وأوروبية، هذا عدا النازحين داخل الأراضي السورية والذين يقدر عددهم بما يزيد عن مليون. وعندما نتحدث عن إنسان لاجئ فاعلم أنّ حقوق هذا الشخص الأساسية وإمكانية ممارسة حياته العادية يعتبر طفرة او جانبًا من الرفاهية صعب المنال. هذا عندما نتحدث عن اللاجئين، ولكن عندما نسلط الضوء على ملف المعتقلين والمعتقلات في سجون النظام والجماعات المتطرفة، ستصدمك القصص المرعبة، وستصاب إنسانيتنا بجرح عميق، ونحن هنا نسمع ونقرأ دون أن يكون بأيدينا سوى الحسرة والألم.

لقد عانى السوريون من ويلات هذه الحرب التي صارت مجرد حرب أهلية بنظر المجتمع الدولي، بعد أن كانت ثورة سلمية عادلة، وذلك بفضل نظام خبيث صرف كل جهده لتحويل تلك الثورة، وبمساعدة من أناس مذبذبين أو متطرفين محسوبين على المعارضة. بعد 7 سنوات عجاف، استطاع أصدقاء النظام (روسيا وإيران) أن يجهزا على هذه الثورة بكل ما فيهما، بينما أولئك الذي أعلنوا عن أنفسهم أنهم أصدقاء سوريا لم نر منهم سوى الكلام فقط، وما مؤتمرات جنيف بالتي قدّمت شيئًا للشعب السوري.

إن أكثر ما استفدت منه كسوري من هذه السبع العجاف، أنني تعلمت الكثير؛ تعلمت الاعتماد على النفس والتعويل على العمل وليس على الأفراد أو الوعود الفارغة، تعلمت أننا في عالم ظالم مخادع لا حقوق لك فيه تحت سيف الحرب في الداخل والاستغلال في الخارج، تعلمت أنّ التفرقة تزيد من الداء ولا تعالجه، أصبحت أفهم بشكل أوضح لماذا لم يستطع العرب نجدة فلسطين، حتى صار حكامهم لا يرغبون سوى بدولة صغيرة لفلسطين عاصمتها القدس الشرقية فقط. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.