شعار قسم مدونات

همسة في أذن عازب

blogs زواج

تتضارب الأقاويل بين الإيجاب والسّلب عن الزّواج، فمن جهة هناك من يمدحه ويشيد به وهم نادرون، ومن جهة أخرى هناك من يقول عنه قبرٌ والعياذ باللّه وهنا تنحصر الأغلبية، ممّا شكّل رعبًا ورهبةً في نفوس العازبين ونفورهم من الزواج، فأصبح أغلبهم يفضّل الحريّة والعلاقات العاطفية الغير شرعيّة على الدّخول في علاقة جديّة هروبًا من مسؤولية الارتباط. فمن نصدّق؟ ولما هذا التّضارب؟ وهل الزّواج نعمة أم نقمة؟

قبل أن أجيب عن هذه الأسئلة دعوني أطرح سؤالاً مهمًا، فالإجابات المباشرة دون أمثلة أو دلائل قد تشكك من صحتها. لما ازدادت نسبة الطّلاق؟ ولما تتغيّر النّساء بعد الزّواج من أميرة ساحرة مليئة بالحياة لا تنطق إلا بالحبّ إلى ساحرة شريرة نكديّة متسلّطة لا تنطق إلاّ بالذهب والمال والتّسوق والمشاحنات؟ كثيرات هنّ من يتحوّلن 180 درجة بعد الزّواج، وهذا ما ينفّر الرجل فيصبح قليل التواجد في المنزل، لا مبالي، وخائن، ثم تتأزم الأمور بين الشريكان فتتشكل بينهما فجوة تتسع يوم بعد يوم لتنتهي بالطّلاق.

نعم، هذه هي الأسباب غالبًا، فلو لم تتغيّر المرأة بعد الزّواج لما آل الوضع إلى الطّلاق، أن تغدقي عليه بالكلام المعسول والوعود الكاذبة قبل الزّواج كأنك سترعينه جيّدا وستحبيه كثيرّا وأنّك لن تبالي بمال وجاه، بل كل ما يهمُّك وجوده قربك فأنت لا تستطيعين العيش من دونه، ثم بعد الزّواج يصبح هو وإرضاؤه وراحته آخر اهتماماتك، كلّ هذا سيجعله يبتعد عنك ولا يطيق العيش معك تحت سقف واحد، سيذهب للبحث عن الحبّ في مكان آخر، سيخونك ويعرف أخرى غيركِ، أخرى تهتم به وتحبّه، وهنا سيكون هو أمام خياران أو ثلاثة، إما أن يحب أخرى ويتركك في المنزل كشخص غير مرغوب فيه، أو يتزوّج الثانية فيقتلك بالحياة، أو يطلّقك ويتزوّج أخرى.. حينها ستكونين أنتِ الخاسر الوحيد في كلّ هذه الاحتمالات.

قبل أن تضعوا انطباعاتكم وأراءكم السلبية النافرة عن الزّواج، اتموا واجباتكم وتنازلوا وتغاضوا عن عيوب وزلات بعضكم البعض
قبل أن تضعوا انطباعاتكم وأراءكم السلبية النافرة عن الزّواج، اتموا واجباتكم وتنازلوا وتغاضوا عن عيوب وزلات بعضكم البعض
 

ستقولين لست الوحيدة الملامة والّتي تقع على عاتقها المسؤولية حتّى تأزمت بينكما الأمور وحدث ما حدث، سأقول نعم، كل المسؤولية تقع على المرأة فهي عمود البيت والوحيدة القادرة على احتواء الرجل فهو في النّهاية طفل بهيئة رجل يسهُل احتواءه بالحبّ والاهتمام، والكلمة الطيّبة، عامليه كطفلٍ صغير، وكوني سكنًا له.

أمّا الزّواج فهو الحياة، فمن لم يتزوّج بعد لم يذق حتى الآن طعم السّعادة الحقيقية، كاذبون من قالوا عنه جحيم وقبر، بل هو جنّة لمن عرف واجباته قبل حقوقه، لمن كانت نيته العطاء قبل الأخذ، هو السّماء الصافية الّتي رغم ما تواجهه من غيوم تعكر صفوها أحيانًا إلاّ أنّها تعود لحالها فور زوالها، لتسطع شمس الحبّ من جديد بأبهى طلة مشكلة قوس قزح بهيج في سمائها الصافية، أوتدرون إلى ما يرمز قوس قزح إلى الحبّ الذي يزيد بعد كل مشكلة استطاع الشريكان تجاوزها سويًا، الزّواج رضى وقناعة يَغض فيه الشريكان الطرْف عن عيوب بعضهما البعض وزلاتهما، الزوّاج يُبنى على الاحترام المتبادل، فإن غاب الاحترام تحطم أساس هذه العلاقة وأدى إلى فشلها فشلاً ذريعًا.

أولئك الذين ينتقدون الزّواج ويصفونه بالقبر، سيجدون أنهم من حفروا قبرهم بأيديهم لأنهم عاشوه بأنانية، بأسلوب الأخذ دون العطاء، بنية يشوبها السّواد، لا يملكون الحق أصلاً في إعطاء انتقادات او أراء تخص الزّواج وقدسيته، لأنّهم لم يمارسوا مهامهم بعد ليتذوقوا تلك السّعادة. أن ينجح زواجك يستلزم منك بعض الجهد، القليل من التنازل، والكثير من الحبّ، العطاء، التخلي عن المقارنة، فالرّضى، حينها فقط ستتذوق طعم السّعادة الحقيقيّة الّتي لا مثيل لها.

حينها ستتلهف للعودة لبيتك وستشتاقين لابتسامة زوجك الغائب، ستنام مرتاح البال وستنامين بقربه وعلى ثغرك ابتسامة حب لا تختفي فقط لرؤية وجهه الملائكي النائم، ستحبها بنقائصها وستعشقينه بعيوبه، فتهبينه حياتك وكل أيامك وستعطيها قلبك وروحك ولن يملأ عينك سواها.. لتكونوا سعداء لا تكتفوا بالأخذ، لأنّ الأخذ دون عطاء سيتعب الطرفان، فالحبّ عطاء. لقوله سبحانه وتعالى: "وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً".

فيقصد بالمودّة هنا الأفعال التي تتبع الأقوال وهي أعلى درجة من الحبّ، أمّا الرّحمة فهي السّكينة الّتي ينزلها اللّه سبحانه وتعالى على قلبيْ الشريكين عند المشاحنات. فقبل أن تضعوا انطباعاتكم وأراءكم السلبية النافرة عن الزّواج، اتموا واجباتكم وتنازلوا وتغاضوا عن عيوب وزلات بعضكم البعض، حينها فقط سيكون لكم الحق في انتقاد الزّواج. صدقًا، اتأسف على ذلك العازب الذي فارق الحياة، فقد مات دون أن يتذوّق طعم السّعادة الحقيقيّة، ولو لم يكن للزّواج شأن عظيم لما كان نصف الدّين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.