شعار قسم مدونات

هرطقات جورج طرابيشي في كتابه.. (هرطقات) (2)

BLOGS هرطقات

حادي عشر: يقول الكاتب في الهامش رقم9، ص26:

على لسان سعد بن عُبادة: "… كان ذلك أجدر أن يعدل في أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأن يكون بعضُنا تبعًا لبعض، فيُشفِق القُرَشيّ أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاريّ، ويُشفق الأنصاري أن يزيغ فيقبض عليه القُرَشيّ". يعلّق طرابيشي فيقول: (وكما هو واضِحٌ فإنّ اقتراح الأنصار كان يتضمّن شيئًا من انتخابيّة السّلطة، وشيئًا من التّداول السّلميّ للسّلطة، وأخيرًا شيئًا من حدّ السُّلطة بالسُّلطة)… وإلى هنا يُمكن عدّ الكلام معقولاً، لكن حينما يُكمل فيقول: (ولو اختلفَ السّياق التّاريخيّ لكان يُمكن اعتِبار هذه المتضمّنات الثلاثة لاقتِراح الأنصار بذورًا مبكّرة للدّيمقراطيّة في الإسلام).

 

وهذا الكلام يحتوي على مُغالَطة؛ فحين يقول طرابيشي (بذورًا مبكّرة للدّيمقراطيّة) فمعنى ذلك أنّه لا ديمقراطيّة في الإسلام، ومعلوم أنّ الطّريقة الّتي تحوَّل عن طريقها أناسٌ عاديّون من عامّة الشّعب إلى خلفاء أو أمراء للمؤمنين كانت هي عينَ الدّيمقراطيّة فيما لو أخذنا بعين الاعتِبار أنّه تم فيها التّداول السّلمي للسّلطة، وأُخِذ فيها برأي الأغلبيّة، ولم يُورّث أيٌّ ابنَه أو قريبًا له في ذلك. والطّرابيشي يقول لك: (بذور مبكّرة للدّيمقراطيّة) كان يُمكن أن تتمّ لكنّها – للأسف – لم تتمّ، فنسف بذلك كلّ معنى لهذه الدّيمقراطيّة في عهد الخلفاء الرّاشدين!

 

ثاني عشر: اختار الكاتب في ص28:

رواية من بين عشرات الرّوايات الّتي أغفلها ليذهب إلى ما يُريد، واعترف طرابيشي أنّ الكتاب الّذي استقى منه هذه الرّواية منحولٌ على صاحبه أو حامت حوله الشُّبُهات ومع ذلك لا يُورد سِواها!! فأيُّ تعسُّفٍ هذا. أعني هنا ما قاله: "ولم يكنْ سعد وحده من امتنع عن بيعة أبي بكرٍ، بل امتنع عنها أيضًا الزُّبير بن العوّام"!!

 

ثالث عشر: يقول الكاتب ص29:
لو كان العصر مملوءًا بالحروب الأهليّة لانشغل الخلفاء بإخماد تلك الحرب، وإطفاء نارها عن الفتوحات، ولا يخفى على أحدٍ أنّ الفتوح لا يُمكن أن تتمّ في دولةٍ مُضطربة، لأنّها تحتاج إلى استقرار اجتماعيّ وسياسيّ

"فلنا أن نقول إنّ قِناع الدّولة قد يكون إسلاميًّا، ولكنّ وجهها الحقيقيّ هو دومًا جاهليّ". وتأمّل معي هاتين المُفرَدَتين: (دومًا)، و(جاهليّ). في الأولى خالف شرطًا علميًّا في إطلاق الأحكام عندما عمّم فقال (دومًا) فانسحب ذلك على كلّ حال زمانًا ومكانًا، وفي الثّانية عندما قال: (جاهليّ)، وهذه تنزع صفةً في الذّروة ثبتت في الصّحابة تلامذة الرّسول وتُحيلهم إلى صفةٍ أخرى في القاع يُلصقها الرّجل بهم، وقد يكون هو نفسُهُ قد أحسّ بفداحة هذا الوصف فقال بعدها: "وإذا بدتْ هذه الجدليّة جارحة أكثر مِمّا ينبغي، فلنقل بالإحالة إلى عنوان الكتاب المنحول إلى ابن قُتيبة: "إنّ ظاهر الدّولة قد يكون إماميًّا، ولكنّ باطِنها يبقى سياسيًّا". وأنا أقول: شتّان بين العبارتين، وشتّان بين التّوصيفَين.

 

رابع عشر: يقول الكاتب ص29:

"لنا أن نفهم لماذا كان تاريخ الخلافة الرّاشِدة الّتي يرفعها الوعي السّائد اليوم إلى عتبة المُقدَّس، تاريخ حرب أو حروب أهليّة شديدة القسوة والمرارة معًا". وهذه مغالطة جديدةٌ. فتاريخ العهد الرّاشديّ حتى عُثمان بن عفّان رضي الله عنه كان تاريخ فتوحات، وامتداد للدّولة الإسلاميّة، ومعروف لدى كلّ ذي قلبٍ أنّ القوّتين العُظمَيَين اللّتَين كانتا تُسيطِران على العالَم كلّه يومئذٍ لم تُستأصل شأفتهما إلاّ في ذلك العصر، فقد انتهى عهد الرّوم في معركة اليرموك زمن أبي بكرٍ وشيءٍ من عمر، وانتهى عهد الفُرس في معركة القادسيّة زمن عمر رضي الله عنه. وفُتِحَ بيت المقدس في زمنه كذلك، وامتدّت الدّولة لتشمل بلاد الشّام كلّها، وبلاد فارس، وتسير غربًا إلى أفريقيا، فتُفتح مصر على يد عمرو بن العاص كذلك في عهد عُمر.

 

ولو كان العصر مملوءًا بالحروب الأهليّة لانشغل الخلفاء بإخماد تلك الحرب، وإطفاء نارها عن الفتوحات، ولا يخفى على أحدٍ أنّ الفتوح لا يُمكن أن تتمّ في دولةٍ مُضطربة، لأنّها تحتاج إلى استقرار اجتماعيّ وسياسيّ. فأمّا أن تفرد الدّولة جناحيها شرقًا وغربًا في أقلّ من عشر سنين ثمّ يأتي من يقول لك إنّها كانت تُعاني من اضطراباتٍ داخليّة وحروبٍ مُجتمعيّة فذلك ما لا يُمكن تصديقه!

وما حدث من فِتَن في آخر عهد عثمان وعهد عليّ لا يُمكن بحالٍ من الأحوال أن يرقى إلى أن نسمّيه (حروبًا أهليّة) كما حلا لطرابيشي هذا الوصف المُجحِف، فعلى سبيل المِثال لم يتجاوز قتلى موقعة الجمل في أرجح الرّوايات بضع عشرات، لا كما يُهوَّل الكاتب. وليس هذا دِفاعًا عن تلك الفترة الرّاشديّة بقدْر ما هو دِفاعٌ عن الحقيقة، وتبيانٌ لهول التّوصيف والمغالَطات الّتي يقع فيها الكاتب عامِدًا أو مُتفلسِفًا أو جاهِلاً.

 

خامس عشر: يُغالِط الكاتب نفسه ص29:

حينَ يورِد الحديث الشّريف: "إنّ أوّل دينكم بدأ بنبوّة ورحمةٍ، ثمّ يكون خلافةً ورحمةً، ثمّ يكون مُلكا وجبريّةً". والحديث واضح الدّلالة في أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم شَهِدَ لهذا الفترة بالرّحمة، فيكيف تكون فترةَ غضبٍ وقسوةٍ وحروبٍ أهليّة وفِتَن داخليّة. ولو سكت الكاتب عن هذا الحديث لظلّ الوجه السّالب في رأيه واحِدًا، ولكنّه بادر إلى مغالطة نفسه بنفسه، فالحديث هذا الّذي يُوِده هنا، ينسف استنتاجه السّابق من أنّ عصر الخلافة الرّاشِدة كان دمويًّا بامتِياز (كما يقول)!

 

جورج طرابيشي (مواقع التواصل)
جورج طرابيشي (مواقع التواصل)
سادس عشر:

يورد الكاتب مُصطَلح (الحاكميّة الإلهيّة) الّذي نشأ على يد أبي الأعلى المودوي، وتطوّر على يد سيّد قطب، ويقول ص36: "والحال أنّ مرجعيّة جميع هؤلاء الأعلام في رفعهم شعار (الحاكميّة الإلهيّة) وفي رِكابهم الجمهور الواسِع للحركات الإسلامويّة بشتّى تيّاراتها وتلاوينها، هي آيات القرآن الّتي يتردّد فيها تعبير (حكم الله) أو (إن الحُكم إلاّ لله)، وهي حصرًا ستّ آيات… والحال أنّ كلم (حُكم) في جميع هذه الآيات السّتّ لا تمتّ بِصِلة – خِلافًا لِما توهّم المودودي الباكِستانيّ – إلى الحُكومة أو الحاكميّة بالمعنى السّياسيّ لهذه الكلمة… فحكم الله في تلك الآيات السّتّ – وفي غيرها أيضًا – هو أمره وقضاؤه ومشيئته".

 

والواقع أنّ الكاتب خلّطَ تخليطًا عجيبًا في هذا الحكم، فأنْ يقول: (جميع الآيات السّت)، و (لا تمتّ بصلة) فمعنى ذلك أنّه مُحتاجٌ إلى من يُفقّهه في المعنى، وإنّه وإن كان رأيهُ صوابًا في بعض ما ذهب إليه إلاّ أنّه يُمكن أن نجد موضعين على الأقلّ في هذه الآيات تعضد ما ذهب إليه المودودي وسيّد قطب، وتهدم تمامًا ما ذهب إليه طرابيشي، هما الآية 12 من سورة غافر. والآية 10 من سورة الممتحنة، ولعلّ من المفيد أن نورد هذه الآية الأخيرة، فالله تعالى يقول فيها: "ولا تُمسِكوا بِعِصَم الكَوافِرِ وَاسْألُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا ما أَنْفَقُوا، ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". وهذا واضح الدّلالة على أنّه تشريعٌ فقهيّ وسياسيّ ومُجتمعيّ بما ينبني عليه من أحكام، وليس قضاءً من الله يقضي به بين مُتخاصَمَين كما ذهب إليه الكاتب!

 

ومنها أيضًا قوله تعالى في سورة المائدة: "إنّا أنزلْنا التّوراة فيها هُدىً ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار بما استُحفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تَخْشَوُا الناّسَ وَاخْشَوْني ولا تَشْتَرُوا بآياتي ثمنًا قليلاً وَمَنْ لَمْ يَحكُمْ بما أنزلَ اللهُ فَأولئكَ هُمُ الكافِرون". وهذه الآية الثّانية بالذّات لم يستطع أن يهرب من دلالتها الواضحة على (الحاكميّة الإلهيّة) فراح يُداري ذلك بالهروب إلى افتِعال الطّرفة والمسخرة بقوله ص38: "فقد كان يُفتَرَض بأنصار الحاكميّة الإلهيّة حتّى يبقَوا منطقيّين مع أنفسهم أن يتّخذوا دستورًا سياسيًّا لهم لا القرآن وحده بل كذلك التّوراة"!

 

وأصحاب الحاكميّة الإلهيّة اعتقادهم بتحريف الإنجيل والتّوراة جزءٌ من عقيدتهم، ثمّ يأتيك طرابيشي بهذه السّذاجة ليقول هذا الكلام! من جانبٍ آخر يُصرّ الكاتب على أن يجعل (سيّد قطب) ناقِلاً في كلّ مصطلحاته الفِكريّة عن المودوديّ، وفي الحقيقة وحدود ما أعلم أنّ سيّد تفرّد بمصطلَحات كثيرة لم ينقلها عن المودوديّ، مثل (الولاء) و(البراء). و(الجاهليّة)، و(الأنظمة الجاهليّة)، وتوصيف (الطّاغية) و(الطّاغوت)، وسواها..

 

سابع عشر: يخوض الكاتب فيما لا يعلم
المتتبّع لتاريخ حرق الكتب من خلال ما أورده طرابيشي نفسه، يجد أنّ الحرق في كلّ الحوادث الّتي تمّتْ كان لكتب التّنجيم والسّحر والشّعوذة والمُهرطِقين

بما يتعلّق بآيات الله تعالى، ويقع في أخطاء يعرفها من يفتح المُصحَف لمجرّد الفتح والنّظر إليه دون تدبّر ما فيه؛ من ذلك قوله ص37: "فالآية 10 (ويعني من سورة الممتحنة) وهي من أطول آيات القرآن الكريم…". والحقيقة أنّها ليست كذلك ألبتّة، فقوله من أطول، معناه أنّ هناك مثلها بضع آيات في القرآن كلّها بهذا الطّول، والحقيقة أنّ سورة المائدة وحدها تُبطِل هذا الحُكم الخاطئ الّذي ذهب إليه الكاتب، ففي هذه السّورة – دعكَ من غيرها من الطِّوال – ما يزيد عن عشرة مواضع، في كلّ موضعٍ آيةٌ هي أطول من هذه الآية الواردة في سورة الممتحنة، فما بالك عندما نتحدّث عن سورة البقرة أو آل عمران أو النّساء أو سِواها…!!

  

ثامن عشر: في الفصل الّذي عنونه الكاتب بـ (مَنْ قتل التّرجمة في الإسلام) ص39:

يذهب الكاتب أشواطًا بعيدة في اتّهام بعض العصور السّياسيّة وبعض العقول المتحجّرة الّتي جاءت في القرن السّابع الهجري إلى أنّها هي الّتي قتلتْ التّرجمة وأنهتْ عصر (المعتزلة) الّذهبيّ الّذي انتشرتْ فيه التّرجمة بشكلٍ غير مسبوق وعلى يد من ساندهم من الخلفاء العبّاسيّين كالمأمون، وهذا الكلام فيه ما يُمكن قَبوله، وإن كان يحتاج إلى نِقاش. لكنّ الّذي لا يُمكن قبوله هو إيهام القارئ أنّ المذهب المعتزليّ هو المذهب الّذي كان يحمل شعلة الحضارة للأمّة الإسلاميّة لإعلائه شأنَ العقل من جهة ولفيوض ترجماته في المناحي جميعها من جهةٍ أخرى، وأنّ أعداءه الّذين جاؤوا في القرن السّابع والثّامن الهجرّيين أطفؤوا هذا المشعل، وهدموا تلك المنارة، وتمثّل ذلك في أبهى تمثّله في إحراق الكتب المُترجَمة.

 

والحقيقة أنّ المتتبّع لتاريخ حرق الكتب من خلال ما أورده طرابيشي نفسه، يجد أنّ الحرق في كلّ الحوادث الّتي تمّتْ كان لكتب التّنجيم والسّحر والشّعوذة والمُهرطِقين، وهذا – من وجهة نظر علماء تلك الفترة – كان منطقيًّا، ولا أظنّ أنّ أحدًا يرى فيه بأسًا، ولعلّه كان يتمّ حرق مع هذه الكتب بعض الكتب الّتي تحمل الفِكر المعتزليّ، أو غيرها، وهي قليلة، والأكثر الغالَب كان يتمّ فيها الحرق للأسباب الآنِفة. أمّا ما عمد إليه طرابيشي في هذ الفصل فهو إيهام القارئ أنّ عصورًا من الظّلام سادتْ بعد أن قامت بإبادة عصور النّور والّتنوير الّتي نشرها المذهب المعتزليّ، وهذا فيه من الجور والإجحاف ما فيه. 

 

ولعلّي أورد نصًّا أورده طرابيشي نفسه في هذا الفصل يعضد ما ذهبتُ إليه، وكما يُقال (من فمكَ أُدينك). يقول الكاتب، ص29: "وأمرهم بإخراج ما في جُملتها من كُتُب العلوم القديمة المؤلّفة في المنطق وعلم النّجوم وغير ذلك من علوم الأوائل حاشا كتب الطّبّ والحِساب. فلمّا تمايزتْ من سائر الكتب المؤلّفة في اللغة والنّحو والأشعار والأخبار والطّبّ والفِقه والحديث وغير ذلك من العلوم المُباحة… فأمر بإحراقها وإفسادِها". وواضحٌ هنا أنّ الحَرْق تمّ لكتب المنطق والتّنجيم، وما عداه من سائر العلوم استُثني من ذلك الحَرْق.

 

كثيرًا من الدّول الّتي طُبّقتْ فيها العَلمانيّة الكَماليّة أو الأتاتوركيّة مثل تركيّا وجدتْ سبيلها إلى التّناحر والخِلاف وقِيام اضطِرابات
كثيرًا من الدّول الّتي طُبّقتْ فيها العَلمانيّة الكَماليّة أو الأتاتوركيّة مثل تركيّا وجدتْ سبيلها إلى التّناحر والخِلاف وقِيام اضطِرابات
 
تاسع عشر: يقول الكاتب ص 70:

"أي كيف نُسمّي الإسلام بما لم يُسَمّ به نفسه، وبغير ما سمّى به نفسه". ثمّ يورد الهامش على قوله هذا بتضمين قول علي عبد الرّزّاق في كتابه (الإسلام وأصول الحُكم): "إنّه لَعَجبٌ عجيبٌ أن تأخذ بيدَيك كتاب الله الكريم وتراجع النّظر فيما بين فاتحته وسورة النّاس، فترى فيه تصريف كلّ مثل، وتفصيل كلّ شيءٍ من هذا الدّين (ما فرّطْنا في الكِتابِ من شيءٍ) الأنعام 38، ولكن لا تجد فيه ذكرًا لتلك الإمامة العامّة أو الخلافة".

 

يستشهد الكاتب بذلك في معرض أنّ فصل الدّين عن الدّولة هو واقعةٌ حادِثةٌ في الإسلام، وليس من الصّعب أن تكتشف أنّه غالطَ أيضًا هنا؛ فما لم يرد فيه نصٌّ في القرآن ليس دليلاً على عدم شرعيّته أو وجوده أو وجوبه، فكثيرٌ من أحكام الإسلام في أخصّ العبادات وهي الصّلاة مثلاً لم يرد في تفصيلها شيءٌ في القرآن الكريم، وفي اللغة الصّلاة تعني الدّعاء، فلو تركْنا الأمر على ذلك لهذا الفهم، فسيقودنا ذلك إلى ترك الصّلوات الخمس بكيفيّاتها والاكتِفاء بالدّعاء بدلاً منها، ولكنْ إذا كان الله سيذكر كلّ شيءٍ في كتابه تفصيلاً فماذا يكون حينئذٍ موضع السّنة وموضع الاجتِهاد، وكما أخذنا عن السّنّة كيفيّة الصّلاة بأركانها وهيئاتها، فإنّنا نأخذ عن السّنّة نفسها كيفيّة الإمامة والخلافة وما سواهما!

 

عشرون: يُعلي الكاتب من شأن العَلمانيّة في ص79

ويرى فيها سبيل التّعايش بين كافّة الطّوائف، فيقول في هامش الصّفحة: "هنا أيضًا نستطيع أن نلاحظ أنّ مُجرَيات الحرب العراقيّة واحتِمالات انفِجار الحرب الأهليّة بين السُّنَّةِ والشّيعة قد جاءت بعد خمسة عشر عامًا من كتابتنا ما كتبْنا لتُؤكّد أنّ العَلمانيّة كثقافة وكآليّة قانونيّة معًا هي ضرورةٌ لمُسلِمي العالَم العربيّ أيضًا، وربّما أساسًا، وليس فقط لمسيحيّيه وصابئيه ويزيديّيه وإحيائيّه والبقيّة الباقية من يهوده".

 

وأنا أقول: إنّ هذا الكلام ليس صحيحًا، وإنّ كثيرًا من الدّول الّتي طُبّقتْ فيها العَلمانيّة الكَماليّة أو الأتاتوركيّة مثل تركيّا وجدتْ سبيلها إلى التّناحر والخِلاف وقِيام اضطِرابات، وإنّ السبيل الّتي أراها مُمكِنة هي ما جاء به الإسلام المُعتدِل، ولا تتمّ إلاّ بالعدالة والحرّيّة كشعارَين وكممارَسَتَين. ولا أدلّ على ذلك مِمّا فعله عمر بن الخطّاب بابن عمرو بن العاص في قصّته مع القِبطيّ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.