شعار قسم مدونات

فزوِّجوهُما وإلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبير

blogs - wedding

في بادئ الأمر من يقرأ عنوان هذا المقال يظنُّ أنَّ الكاتب قد حرَّف حديث النَّبي ﷺ القائل: إذا جاءكم من ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير. فالنبي ﷺ لم يقل فزوجهوما! ولكن من يعلم الحديث الأخر الذي قال فيه النبي ﷺ: ما رأيتُ للمتحابين خيراً من النكاح أي الزواج. سيعلم حينها أنَّ الكاتب لم يحرِّف الحديث الأول بل جمع بين الحديثين العظيمين اللذين لو طبقهما الآباء والأمهات اليوم لما كانت أحوال مجتمعاتنا في الحضيض ولما سمعنا قصص الفساد والخراب ودمار البيوت والأسر الزوجية ولما سمعنا بالخيانات الزوجية والظلم الذي ينتشر في بيوتنا.

 

كيف لا والمرشد والمعلم هو النبي ﷺ الذي أرشد الآباء لما فيه صلاحٌ وخيرٌ لبناتهنَّ بتزويجهنَّ لمن يملك الدِّين والخُلق وليس لمن يملك المال والعقارات والمناصب وهنا لفتةٌ جميلةٌ أيضاً من النبي ﷺ فهو أرشدنا للجمع بين صفتين عظيمتين الدِّين والخلق فلا يصلح دِّين دون أخلاق ولا تصلح الأخلاق دون الدِّين.

 
فالذي يملك الخلق الحسن ومن يلتزم بتعاليم دينه لن يظلم ابنتك ولن يهينها بل سيكرمها ويجعلها تاجاً على رأسه فهو إن أحبَّها سيكرمها وإن لم يحبها فلن يظلمها لأنه سيخشى الله فيها وأمّا صاحب المال والمنصب والذي تربَّى ويعيش حياته على المصالح والماديات وعلى مبدأ "أستطيع أن أشتري بمالي ومنصبي كل شيء" فلا تتوقع منه أن يكون عادلاً مع ابنتك حين يتزوجها وكيف سيكون عادلاً معها وحافظاً لحقوقها وهو مضيعٌ لحقوق الله ظالمٌ لنفسه.

 

أيها المتحابين لا تتخلوا عن حبكم وقاتلوا حتى الرمق الأخير فما ضاع حقٌ صاحبه له مطالباً وعلى تحقيقه صابراً. ولا بد للمظلوم أن يواجه ظالمه بما أعطاه الله من قوة حتى يرتد عن ظلمه

وأمّا عن الحديث الثاني فاسمحوا لي أن أطيل فيه وعنه الكلام ليكون تذكرةً ورسالةً للكثير من الآباء الذين يدَّعون الالتزام والفهم وهم بعيدون كلَّ البعد عن تعاليم دينهم وإرشادات نبيهم وهم يظلمون بناتهم ونساءهم ليلاً نهاراً بحجة القوامة المفهومة خطأ وبحجة الحفاظ على العرض والشرف، فأخبروني بالله عليكم هل يوجد على وجه الأرض رجلاً شريفاً غيوراً يحافظ على الأعراض ويحمي الشرف وهو أعلم بالحلال والحرام وهو أعلم بالمصالح والمفاسد كالنبي ﷺ الذي قال: ما رأيتُ للمتحابين خيراً من النكاح.

فهو لم ينكر على المتحابين حبَّهم ومشاعرهم التي هي بالأساس رزقٌ من الله أودعه في قلوبهم فكيف سيحاسب الله شخصاً على شعورٍ قد وهبه إياه، ولكن النبي ﷺ أرشدهم للطريقة القويمة الصحيحة لهذا الحب وهو الزواج ليكون الحب مصاناً دائماً ضمن الإطار الشرعي الصحيح. ثمَّ يأتي من بعد ذلك من يعتبر الحبّ جرمٌ عظيم وخارق للعرض والشرف، ولا أعلم كيف سيكون الزواج ناجحاً والزوجين سعيدين إن لم يوجد الحبُّ بينهم. بل كيف ستستطيع أن تمنع حبّ شخصين جمعتهما ظروف الحياة وما زالت تجمعهم وستجمعهم لا سيما في ظروف حياتنا اليوم التي باتت تقرِّب الجميع من بعضهم البعض خصوصاً مع وجود الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وإن كان من المعلوم في ديننا أنَّ أحبُّ الأعمال إلى الله هو إدخال السرور إلى قلوب المؤمنين فإنَّهُ أيضاً لمن شر الأعمال وأبغضها إلى الله هي إدخال الحزن والكروبات إلى قلوب المؤمنين وهل هناك حزن وكرب أعظم من التفريق بين قلوب الأحبة بل إنَّ هذا الفعل لم أشد الأعمال إجراماً فكيف يحق لك أن تفرِّق قلبين وقد زرع الله المحبة في قلبيهما. وإن كانت امرأة بغي دخلت الجنة بسقيها كلب فما بالكم بمن سقى قلباً ورحمه. وإن كانت امرأة أخرى دخلت النار لحبسها هرة لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من حشائش الأرض فما الذي سيحلُّ بمن حبس قلب ابنته وحبس قلب محبها ومنعهما من الاجتماع تحت سقف الحلال.

  undefined

 

والكلام يطول ويطول وهذا غيض من فيض وهذه رسالة لكل أب ولكل مسؤول أن يرحموا شباب وبنات اليوم وأن ييسروا أمور الزواج خصوصاً للمتحابين منهم ما لم يكن هناك مانعاً شرعياً وعيباً في الشاب يمنع من زواجه. وإلا يفعلوا فستكن فتنة في الأرض وفساد كبير ولا يلومنَّ بعد ذلك الأب أحداً إلا نفسه فالحبُّ غالباً ما يكون جندياً قوياً لا يمكن لأحد أن يغلبه أو أن يمنعه فإن لم تيسروا وتحافظوا على الشباب والبنات بتسهيل زواجهم فلا تلومهم بعد ذلك إن وجدتموهم غارقين في مستنقع الشهوات والحرام.

 
ولا تحزنوا على بناتكم عندما تجدوهن غارقين في مستنقع الهموم والكروب مع أزواجهم الذين ارتضيتموهم لهن بسبب مناصبهم وحسبهم وأموالهم دون السؤال عن دينهم وعن مشاعر بناتكم ورغباتهنَّ فأنتم من حكمتم عليهن بالإعدام والقتل البطيء بتوقيعكم على عقد قرانهم من رجالٍ لا يريدونهنَّ وبمنعهنَّ عن من أحببنَ بغير وجه حق. فالرحمة الرحمة والعدل العدل وتذكروا حديث النبي ﷺ من لا يَرحم لا يُرحم وتذكروا قدرة الله القاهر القادر عليكم واستعدوا للسؤال يوم العرض على الله يوم لا ينفع الندم.

 

وأنتم أيها المتحابين لا تتخلوا عن حبكم وقاتلوا حتى الرمق الأخير فما ضاع حقٌ صاحبه له مطالباً وعلى تحقيقه صابراً. ولا بد للمظلوم أن يواجه ظالمه بما أعطاه الله من قوة حتى يرتد عن ظلمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.