شعار قسم مدونات

أحَسِن توقعاتك!

blogs دعاء

الفنان الراحل أنور وجدي في لحظة عدم وعي قال بعد أن أثار الفضول جهله حينما عرض عليه مقارنة بين الصحة والمال أيهما تختار، فقال يا رب مليون جنية وسرطان، فلم يلبث طويلاً حتى جاءه السرطان بعد ما وصل للمليون، وأحد الرجال هذه الأيام يتظاهر بموتة معينة ثم يبتسم لهم بعد أن يفجع قلوبهم ويقول لقد عدت لكم، حتى مات فعلاً بنفس الموتة الذي كان يتظاهر بها.

الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده في مرضه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس طهور إن شاء الله قال الأعرابي طهور، كلا بل هي حمى تفور أو تثور على شيخ كبير تزيره القبور فقال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا، ومات الرجل كما أرد وكم ظن بالله، ولو أحسن الظن وطلب الشفاء لكان خيرًا له، فحسن الظن بالله أمر شرعي فضلاً على أنه تفاؤل للعبد ولا شك أنه أفضل وأجل من التشاؤم في كل الأحوال مهما كان ابتلاءك وتعبك.

في سورة يوسف على لسان سيدنا يعقوب عليهما السلام (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُون) تنبأ سيدنا يعقوب بأن سيدنا يوسف سيأكله الذئب، فكان كما قال وعاش حزينًا عمرًا كبيرًا على أنه أكله الذئب، فكان هو من وضع الفكرة لأولاده بقوله أي أنه فتح لهم الطريق لكي يقولوا ذلك، ولما قال (عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يسر الله لهم اللقاء جميعاً بعد غياب السنين.

إن المتشائم لا يرى بصيص نور أمامه فهو يخرج من ظلام إلى ظلام في كل مشكلة تقابله لا يرى لها حلول وينطق دائما بأنه معذب مبتلى لا تجد الدنيا غيره لتصيبه بالمصائب دائما

وسيدنا موسى عليه السلام كان في موقف لا يحسد عليه هو ومن معه عندما لحق بهم فرعون وجنوده وأصبح البحر أمامهم والعدو خلفهم فكان التفاؤل حليفه فنجاه الله ومن معه، قال الله تعالى (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين).

يقول ابن الوزير في كتابه ( العواصم والقواصم) إن الرجاء في رحمة الله عز وجل يفتح الأمل للعبد، ويقويه على الطاعة، ويجعله نشيطًا في النوافل سابقًا إلى الخيرات، وإذا نظرنا إلى النفس البشرية نرى أن هذا صحيح لأن بعض النفوس عندما تتفاءل برحمة الله يزداد طاعتها وينشرح صدورها وتقبل على الحياة بفرح وسعادة.

ومن أقوال ابن القيم رحمه الله وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سببا لحلول المكروه به كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به.

ومع أن كل ما حولنا من أحداث لا يدعو إلى التفاؤل ولكنه مطلب شرعي أمر به الله ورسوله حيث قال الله تعالى (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) وقال (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم (لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل) وكان يعجبه الفأل الحسن الكلمة الطيبة وكان من دعاءه اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك.

وماذا قدم لك التشاؤم على مر السنين هل صنع لك معروفًا كنت تتمناه أو غيّر من حالك الذي تشكو منه أو أسعد قلبك المكلوم، لم يقدم لك التشاؤم إلا الحزن والعبوس وأنت الآن قد علمت ما يفعله التفاؤل بعباد الله وتعلم الثواب العظيم لحسن الظن بالله فأيهما تختار الآن. إن المتشائم لا يرى بصيص نور أمامه فهو يخرج من ظلام إلى ظلام في كل مشكلة تقابله لا يرى لها حلول وينطق دائما بأنه معذب مبتلى لا تجد الدنيا غيره لتصيبه بالمصائب دائما، ولكن المتفائل برغم كل ما يحدث يبحث دائما عن أمل، يبحث عن شمعة توقد هذا الظلام الكالح حوله ويخرج دائما بحلول تسعد قلبه.

إن المتأمل في أحوال العالم وأحوال الطقس وتقلباته ويرى كل يوم هو في شأن لا ينقطع الرجاء والأمل منه إذ أن الله سبحانه قادر على أن يغير حاله إلى أفضل حال ولكننا لا نحسن الظن بالله وبعضنا يفتقد الثقة، إننا نحزن فقط على تقصيرنا في العمل نحزن على سوء ظننا بالله، نحزن على العجز وقلة الحيلة، ولكن وجب علينا أولاً أن نعمل وأن نأخذ بالأسباب ونتفاءل ونحسن الظن بالله ونتوكل عليه حق توكله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.