شعار قسم مدونات

أسس التراحم والمصالحة بين طوائف المسلمين (2)

blogs المسلمون

أمة الإسلام هي خير أمة أُخرجت للناس فلا بد من التراحم فيما بينها ومن أهم الأسس الشرعية التي قال بها الفقهاء والتي تحقق المصالحة فيما بين طوائف المسلمين هذه الأسس:

الأساس الحادي عشر

أهل البدع مسلمون لهم ما للمسلمين من حقوق وواجبات ولا يجوز استحلال شيء من حرماتهم لأجل بدعتهم ومن أهم الأحكام الفقهية السديدة التي تتعلق بالمبتدع:
أ- مسألة تكفير المبتدع لا علاقة للبدعة بالكفر الأكبر والمبتدع أقرب إلى العصاة منه إلى الكفار وعصاة الموحدين مسلمون يدعى لهم بالهداية ويستغفر لهم.

ب- مسالة قتل المبتدع الأصل في كل مسلم حرمة دمه فلا يجوز قتله وقد قال الله تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" وقال النبي صلى الله عليه وسلم لايزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ نفساً حراماً.

ج- مسألة بغض المبتدع يجب بغض البدعة أما المبتدع فإنه مسلم نحبه لإسلامه ونبغض ما تلبس به من أمر البدعة ولا يجوز أن يبغض البغض المطلق كبغض الكفار.

د- مسألة معاداة أهل البدع المبتدعة الذين لا يزالون في دائرة الإسلام فإننا نعادي بدعتهم ولا نعاديهم هم وندعو لهم بالهداية احتراما لشهادة التوحيد التي يحملونها والتي بفضلها يدخلون الجنة وإن استحقوا الوعيد بالنار فقد يغفر الله لهم وقد يعذبهم بقدر بدعتهم ولكنهم لا يخلدون في النار خلود الكافرين.

هـ- مسألة البراءة من أهل البدع تجب البراءة من البدعة نفسها والمبتدع لا يزال في دائرة الإسلام فإننا نبرأ من بدعته ولكن له ولاء الإسلام العام وننصحه ونرشده ولا نعاديه مطلق العداء.

و- مسالة الاستغفار للميت المبتدع أو الدعاء له بعد موته بالرحمة المبتدع يدعى له ويستغفر له لأنه مسلم ووجود بدعته لا ينقض أصل إسلامه فيدعى ويستغفر له بل هو في هذه الحالة أحوج من غيره بالدعاء له والاستغفار له لأنه مات على هذه المخالفة.

ز- مسالة هجر المبتدع يُشرع الهجر في حق المبتدع إن كانت المصلحة الشرعية تقتضي ذلك وإلا فلا يهجر وأما إذا كان الهجر لا يزيده إلا بعداً ولا يجنى منه إلا المفاسد الراجحة فإنه يستمر بدعوته ومواصلته ونصحه ولا يهجر لأن الهجر في حق الكافر مقصود لذاته وأما الهجر في حق المبتدع فإنه مشروع إن كان يحقق المصلحة الشرعية فإن كان لا يحققها فلا يشرع.

ح- مسألة الصلاة خلف المبتدع تصح الصلاة خلفه وقد كان الإمام أحمد يصلي خلف المعتزلة ممن يقولون القرآن مخلوق وهذه بعض الأحكام الفقهية السديدة التي تتعلق باهل البدع أمّا ما يفعله المغالون اليوم من استحلال دماء وحرمات أهل البدع من المسلمين فإنه من الغلو المقيت الذي يعود على صاحبه بالهلاك وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون قالها ثلاثا أخرجه مسلم.

الأساس الثاني عشر

لا يجوز موالاة الكفار على فرق الإسلام الضالة لأنهم وإن كانوا على بدعة ضلالة فإنهم مسلمون مؤمنون لهم اسم الإيمان وحكمه

المسلمون جميعاً أمة واحدة من دون الأمم وهم جميعا داخلون في الاصطفاء الرباني لقوله تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ" وجميعهم مآلهم إلى رضوان الله تعالى وجنته وإن لبث بعض العصاة منهم أحقابا في النار لكونهم مسلمون.

الأساس الثالث عشر

يجب على جميع المسلمين الولاء العام على الإسلام والاجتماع على أركانه وأصوله والمحبة العامة على الإسلام كما يجب عليهم التآلف والتكامل فيما بينهم وأن يكون ولاؤهم فيما بينهم وأن يكونوا أمة واحدة من دون الناس جميعا قال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" فالفتنة في الأرض والفساد الكبير هما آثار فرقة المسلمين وعدم وجود الولاء العام فيما بين جميع المسلمين.

الأساس الرابع عشر

افتراق المسلمين لا يؤثر على الولاء العام للإسلام أخرج أبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة أخرجه أبو داود وهذا الحديث يفهمه أهل البدع والضلال فهما على عكس مراده فليس المراد أن نعادي المسلمين ونستحل دماءهم ومحارمهم وإنما المراد السعي الجاد في تصحيح معتقدات المسلمين وهداية الفرق الضالة إلى سبيل النجاة وإذا كان جدال أهل الكتاب والكافرين لا يكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن قال تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" فكيف بجدال أهل الإسلام والقرآن.

الأساس الخامس عشر

لا يجوز موالاة الكفار على فرق الإسلام الضالة لأنهم وإن كانوا على بدعة ضلالة فإنهم مسلمون مؤمنون لهم اسم الإيمان وحكمه والله تعالى يقول: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" ونهى الله تعالى المؤمنين عن موالاة الكافرين على المؤمنين قال تعالى: "لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا".

الأساس السادس عشر

الحرص على الوحدة الإسلامية فريضة وضرورة قال تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" وقال تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا" وقال تعالى: "وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" لقد رسخ الإسلام هذه الأخوَّة قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".

الأساس السابع عشر

نقاط الالتقاء والتفاهم بين الفرق الإسلامية فضلا عن المذاهب الإسلامية كثيرة جدا وهي أصول لا غنى عنها الدين واحد والإله واحد والرسول واحد والقرآن واحد وشهادة الانتساب إلى الدين واحدة وأركان الدين واحدة والعبادات واحدة والعدو المشترك للامة واحد هذه بعض أصول الوحدة ونقاط الالتقاء أما نقاط الخلاف والتباعد قليلة محدودة جدا وكل نقاط الخلاف فروع لا تؤثر وبعضها يقوم على نصوص ظنية الدلالة وكل ما هو ظني فإنما يخضع للاجتهاد والقاعدة في الاجتهاد.

 

ضرورة التسامح بين الأُمة فيما اختلفوا فيه من الأمور الفرعية التي ثبتت بالأدلة الظنية سواء من جهة الثبوت أو الدلالة فمن خالف الدليل الظني فلا يهلك إن كان في خلافه غير متبع لهواه

في حديث النبي إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر متفق عليه فلا يصح أن يكون مجال الاجتهاد سببا للتفرقة والمبادرة إلى سل سيف التكفير لمن أخطأ وإنما تكمن المشكلة في أن بعض المغرمين بالفرقة والخلاف والتنازع يتركون نقاط الاتفاق وهي الأصول ويتمسكون بنقاط الخلاف وهي الفروع ويضخمونها على حساب وحدة أهل الإسلام مع أن تلك الخلافات أكثرها خلافات في الجزئيات‏ والفروع ودائرة الخلاف فيها تضيق بحق إذا حسنت النية واتسع الأفق.

الأساس الثامن عشر

لا بد من أجل تقنين الاختلاف أن يمتنع التكفير والتبديع والتضليل إلا وفق ضوابط دقيقة لا يقوم بها إلا العلماء مع تفادى التجريح والالتزام بأدب الإسلام في معاملة المسلم وتبني مناهج معتدلة تدعو إلى الوحدة والوئام والولاء العام لكل المسلمين ويجب طي صفحة الماضي في تاريخ الأمُة بحيث لا تنبش الفتن التي نجمت في القرن الأول مهما تأتى ذلك فإن الماضي لا يدرك وقد مضى فلا معنى لاجترار أحداثه قال تعالى: "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ" وقال تعالى: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ". 

الأساس التاسع عشر

ضرورة التسامح بين الأُمة فيما اختلفوا فيه من الأمور الفرعية التي ثبتت بالأدلة الظنية سواء من جهة الثبوت أو الدلالة فمن خالف الدليل الظني فلا يهلك إن كان في خلافه غير متبع لهواه وإذا ترجح عنده دليل آخر تصوره أقوى منه فهذا من باب الاجتهاد الذي يؤجر فيه صاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر متفق عليه وغالب الأمور التي تثبت بالأدلة الظنية الخلاف فيها خلاف بين راجح ومرجوح فلا بأس بتمحيص الصواب من غير تكفير ولا تفسيق ولا تضليل.

الأساس العشرون

الحاضر والمستقبل للأمة يحمل تحديات تفوق الوصف فلا مجال ولا وقت لاجترار أحداث الماضي وإن دعت الضرورة لبحث ذلك الماضي فإنه يجب أن يكون في مجالس البحث العلمي المتخصصة بطريقة منصفة عادلة لا تخضع لما عند طائفة من المواريث الفكرية وإنما يحكم فيها القرآن الكريم لأنه محل إجماع الجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.