شعار قسم مدونات

اقفز من سفينتك الغارقة

BLOGS تغيير

تستفزك الحياة مراراً وتكراراً في تحالفها عليك ودروسها التي لا تنهي، تأتيك يمنة ويسرة، تحاول التأثير على مسارك، والتلاعب بأعصابك، واختبار قدراتك، والتركيز على تهويل الأمور لك أو تهوينها بدون توقف، فهل لهذا الاستفزاز من رسالة؟ وهل لها من تداعيات؟

 

مع كل تجربة قاسية تمر بك كان لزاماً عليك أن تتفرس فيها، وتستدرك جوانب الإخفاق والفائدة، ومساراتها التي قادت لكونها فشلت معك لظرف أو لآخر. وهنا؛ عليك أن تعرف أن الفشل هو تجربة إذا استوعبتها قادتك للتميز والنجاحات المستقبلية، وإذا استسلمت له قادك لمزيد من الفشل المتكرر في جوانب حياتك الأخرى كونك ارتضيت أن تكون أسير قيوده، وأن تحررت من تلك الأصفاد والأغلال، واستوعبت صدمة الفشل، فأنت فعلياً خطوت بجدية نحو سبيل الحكمة الوافدة من رحم الألم والفشل.

 

الرسالة المتضمنة في هذه الكلمات أختزلها في جملة واحدة، وهي: أن نجاتك من مسلسل الفشل في بداياته يعصمك من خسائر كارثية، وبعبارة أخرى؛ إذا تيقنت بأن سفينتك غارقة فمن الحكمة أن تقفز منها باكراً. هذا النموذج الفعلي أسوقه لك لتعرف أن حجم خسارتك يمكن الحدّ منه بسرعة اتخاذ القرار المناسب في وقته، دون الاتكال على حسابات الظنّ والتخمين والتوقع وانتظار تغير الظروف أو وصول العون من الغير، فهذه سفينتك أنت، وأنت المسؤول عنها، وإغراقها أو القفز منها باكراً أو تأخير بقائك فيها أو تحويل مسارها هو قرارك وستتحمل نتيجته وتبعاته.

 

إلى متى سنتمسك بالشعارات أو الأفكار أو المؤسسات أو الوسائل أو الأشخاص الذين يدمرون حياتنا، أو يحدون من قدراتنا، أو يضرون مسيرة حياتنا ونحن نتعلق بحبال الهواء الواهية

في عالم الاقتصاد – كما هو حال السياسة والحياة الاجتماعية والأكاديمية والعملية – كلما أسرعت بوقف نزيف خسارتك فأنت رابح، وكلما منّيت نفسك بأن العواصف ستهدأ وأن سفينتك ستصلح نفسها بنفسها، وأنك صديق للبحر والحياة البحرية ونحو ذلك فإنك غارق متحسّر لا محالة!

 

دعك من سيارتك التي يكثر عطلها فهي لن تأتيك بالنفع ولن تزيد رأسمالك عند بيعها، دعك من المراهنة على ضعيف مجرب ثبت مراراً فشله وضعفه، ودعك من صديق لم ينفعك يوما بحكمة ولا معرفة، واترك أهل الهوى فليس لهم ذمة ولا عهد ولا ضابط، واقفز من سفينة الوهم إلى شاطئ الأمان والواقع لتبدأ من جديد بعد الاستفادة من التجربة! ولعل من الحكم التي تتصل بهذا المبدأ: لا تصحب في السفر غنياً فإنك إن ساويته في الإنفاق أضرّ بك، وإن تفضل عليك استذلك، فهل دوام صحبة من هم فوق مستواك المادي منفعة لك في الحال والمآل، قراءة لك للتبصر فيها والاتعاظ..

 

يخبرني أحد الأصدقاء أنه كان سعيداً جداً بإقفاله لشركة لطالما حلم بافتتاحها وإدارتها بنفسه، ولكنه ما لبث بعد افتتاحها أن أعلن عن إقفالها دون أن يمضي على انطلاقتها بضعة شهور، والسبب كما أبلغني هو شعوره وقناعته التامة بأن الظروف الاقتصادية التي انطلقت فيه شركته لا يمكن لها أن تتيح له النجاح بتحقيق حلمه، لذلك قرر وقف نزيف الهدر المادي على مشروع بات استمراره عنواناً لدمار هذا الصديق، ولذلك كان في غاية السعادة عندما "قفز منها" رافضا أن يقوده حلمه نحو هاويته."

 

وهنا نصل للحظة الحقيقة.. إلى متى سنتمسك بالشعارات أو الأفكار أو المؤسسات أو الوسائل أو الأشخاص الذين يدمرون حياتنا، أو يحدون من قدراتنا، أو يضرون مسيرة حياتنا ونحن نتعلق بحبال الهواء الواهية، متى سنتخذ القرار الصائب بأن نحمي ذواتنا وقدراتنا وأفكارنا وأحلامنا ونواجه شبح الخوف من التغيير، ورهاب إدارة ذواتنا؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.