شعار قسم مدونات

شؤون رمضانية

مدونات - رمضان

اعتاد رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو المعروف باحترامه للجاليات وقربه من المواطنين وسعيه لمكافحة العنصرية، على نشر أجواء الإنسانية بين المواطنين الكنديين وبقية سكان البلاد، وفي عدة مرات قام بمجاملة الجالية المسلمة في بلاده كندا من خلال مشاركتهم إفطارات رمضان والإشادة بروحانيات الشهر الفضيل، فتجد على صفحته على الفيس بوك فيديو يوضح تناوله وجبة إفطار رمضانية برفقة أعضاء تجمّع إسلامي في العاصمة الكندية أوتاوا في الأول من رمضان للعام 2016، وكان من شأن ذلك إلقاء الضوء على المعاني الروحية للشهر الفضيل إلى حد أنه تم وصفه بنجاشي العصر الحديث.

 

وهذا وصف لازم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من قبل، وشاركه في هذه النزعة الإنسانية رفيقه الحزبي الليبرالي النائب مارك هولاند، حين قام بارتداء الزي الإسلامي وصام الشهر الفضيل بصورة كاملة ساعياً لنشر التسامح بين أبناء الدولة الكندية، في المقابل فإن الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد ترمب رفضت ممثلة بوزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون استضافة حفل استقبال بمناسبة حلول شهر رمضان في أيار من العام الماضي، وهذا الرفض جاء خروجاً على التقاليد التي دأبت عليها الإدارات الأمريكية بشقيها الديمقراطي والجمهوري من خلال حضور مأدبة إفطار رمضانية، وإقامة حفل استقبال بمناسبة عيد الفطر منذ عقدين من الزمان، وفي واقع الحال لا ينفي ماذكرناه سابقاً من أن الجاليات العربية والمسلمة تتعرض لأصناف شتى من المعاناة والعداء في العالم ككل.
 

عندما نأخذ في الحسبان بأن شهر رمضان يتراجع كل عام 11 يوماً، فهذا من شأنه جعل ساعات الصيام تتغيّر حسب الفصول والأماكن حول العالم، وهنا تبرز قضية اختلاف عدد ساعات الصيام

ما إن يحل النصف من شعبان حتى تبدأ الحركة من بعد سكون وتتكشف خصوصية هذا الشهر صياماُ وقياماً، وفضائله من رحمة ومغفرة وعتق من النار، فالصيام بمفهومه الاصطلاحي يدلل على الامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الشمس إلى غروبها، وفي ذلك اشتراطات كثيرة على الصائم تتداخل بين المعنوي والمادي، ووفق ذلك فالصيام درجات، وليس لله فيه حاجة إن كان في نطاق المادة، فهو فرصة العام الكبرى للفقراء والمحتاجين ليلقوا عطفاً وتراحماً من إخوانهم المسلمين، علاوة على ما فيه من الضبط والتحكم بالنفس وملازمة الصبر، وأجمل ما فيه التجمع الأسري العائلي الرمضاني الذي هو النسخة الأصلية من التواصل الاجتماعي، بامتداد موائد الإفطار والتكايا المتخصصة في العطاء النقدي والعيني في عالمنا العربي آسيوياً وأفريقياً في مصر والسودان وبلاد الشام والمغرب والخليج العربي والمهجر، في أجواء من الفضيلة والحميمية، إن صعوبة الصيام هي استذكار بالمجاعة الحاصلة في بعض مناطق سوريا المحاصرة، و مآسي المسلمين في الصومال واليمن وتشاد وموريتانيا بعيد سوء الموسم المطري مما يمهد لظهور المجاعة.
   
إن الوسم السياسي الملازم لهذا الشهر يتجلى من خلال انتظاره بفارغ الصبر من قبل حركات المقاومة في عدة دول، بهدف الحصول على الشهادة في هذا الشهر العظيم، وفي ذلك الكثير من المشاهد والمواقف، وإن جماليات رمضان التاريخية تمتد عبر العم المسحراتي ومدفع رمضان والفوانيس وتزيين الشوارع، وإن كان الحال لا يسر صديقاً ولا عدواً لا في سوريا ولا فلسطين ولا أفغانستان ولا مصر ولا ليبيا.
 
أما بخصوص الإفطارات الجماعية، سواء في نزل الضيافة أم في الخيام الرمضانية، فبعضها يحرف الشهر الفضيل عن روحانيته ويطالها في كثير من الأحيان بعض الإساءات التي تسيء لقدسية الشهر الكريم، ولعل سيل البرامج والمسلسلات والتمثيليات والتغطية الإعلامية التي تدعي أن غايتها الترفية، وهي في واقع الحال انحطاط ما بعده انحطاط تذهب بفضائل الصيام و تفسد روحانيات الصيام؛ إذ يتم إنفاق الآلاف على برامج ومسابقات لا تسمن ولا تغني من جوع، أما التحايل على الدين فيتم عبر إغلاق المحال المخصصة لبيع المنكرات في فترة محددة، وشيوع ظاهرة الإسراف المؤثرة على الميزانيات، والمبالغة في الاستيراد في بعض الدول العربية، ومن المخجل ربط شهر رمضان بالكسل، وتأجيل الأعمال، فتلك أكبر إساءة لفضيلة هذا الشهر الذي كان في التاريخ الإسلامي شهر العمل والانتصارات، فلزام علينا جميعاً عدم الإسراف والتبذير.
   

undefined

 

قضايا رمضانية

عندما نأخذ في الحسبان بأن شهر رمضان يتراجع كل عام 11 يوماً، فهذا من شأنه جعل ساعات الصيام تتغيّر حسب الفصول والأماكن حول العالم، وهنا تبرز قضية اختلاف عدد ساعات الصيام، وتبرز بالتالي الحاجة الماسة لفقه الواقع في عصرنا الحالي، مع علمنا بظاهرة اختلاف الفقهاء في مقدار الصيام، ومتى يجب الإفطار في دول مثل الدول الإسكندنافية التي تأتي الدنمارك والسويد في الصدارة منها من حيث طول فترة الصيام، ولنأخذ مثالاً آخر على ذلك، فإن من يقطن على حدود القطب الشمالي تصل ساعات صيامه 23 ساعة، وقد أوجد المسلمون في الدول الإسكندنافية مخرجاً لصيامهم الطويل يتمثل في الصيام تبعاً لتوقيتات الشرق الأوسط ؛ فيبدؤون وينتهون مع بلدانهم، وفي أقصى شمال الكرة الأرضية أو أقصى جنوبها تزداد ساعات الصيام، بخلاف الوسط فتعتدل الساعات، فإيسلندا وجرينلاند وروسيا وفنلندا والسويد والنرويج والدنمارك وكندا تتجاوز ساعات الصيام هناك حدود العشرين ساعة، ونجد أن الأعلى صياماً هي الدنمارك فوق 23 ساعة والأدنى هي الأرجنتين بمعدل تسع ساعات، أما الدول التي لا تغيب فيها الشمس، فتخضع لأحكام وفتاوى خاصة بالصيام .
 
وبخصوص مسألة التحري فيجمع أغلب جمهور العلماء على اعتماد الرؤية، وبعضهم لم الاستفادة من الحسابات الفلكية، فقد تأتي موانع تحجب إمكانية الرؤية، وهنا يستعاض عنها بالتيليسكوب وكل ذلك من شأنه إدخالنا في جدلية الفقيه والفلكي والسياسي، وعليه يجب ضرورة توحيد رؤية الهلال وهي مشكلة موسمية تبدأ من تفسير الرؤية بالعين والأساليب الأخرى المتمثلة في الأقمار الصناعية والمراصد والحسابات الفلكية اليقينية من أجل الوصول لحسم النزاع الفقهي والفلكي.
 
أما بخصوص حكم الصيام، فإن الدول التي فيها تمايز بين الليل والنهار، فالأصل الذي دلت عليه الأدلة الشرعية الالتزام بمواقيت الصلاة والصيام، بغض النظر عن فارق الساعات الكبير بين الليل والنهار.
أما المناطق التي لا تغيب فيها الشمس فترة طويلة أو التي لا تشرق فيها فترة طويلة، فعلى أهلها تقدير مواقيت الصلاة والصيام لأقرب دولة مجاورة لهم تشهد الشروق والغروب، بمعنى يتمايز فيها الليل والنهار، وهناك قسم كبير من مسلمي أوروبا يتبعون توقيت مكة المكرمة صياماً وإفطاراً أو الدول الإسلامية الأوروبية مثل البوسنة.
 
بقيت مسألة ختامية وهي الجدل حول إخراج زكاة الفطر عينياً أم نقدياً، فالأغلب الأعم يرى أنها لا تخرج إلا طعاما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها صاعاً من طعام سواء تمرا أم شعيرا .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.