شعار قسم مدونات

التعددية الثقافية والدينية في الوطن العربي!

مدونات - التعددية
أرى بأننا في حالة سبات عميق يصعب علينا أن نفيق أو أن نستوعب الواقع وندرك ما يحدث من حولنا وكأن أحدهم قام بإعطائنا جرعة تخدير كبيرة بحيث لم نعد نلتفت إلى تحقيق المصلحة العامة لم يعد انتشار السلام في المجتمع جل اهتمامنا بينما نلتفت إلى سفاسف الأمور التي لا تشكل موضعاً للنقاش حتى، لكننا مبدعين في أن نختلق الخلافات من لا شيء. فهذا يؤدي إلى انتشار الفساد الذي يهدد المجتمعات وانتشار الفكر المتطرف بشتى أنواعه لدى الأفراد. الأفراد يتخبطون مع بعضهم البعض فتحدث صراعات مع الذات ومن ثم تنتقل لصراعات مع الآخرين وتزداد أكثر إلى أن تنتشر في المجتمع بأكمله فتشتت أفراده وينشأ نتيجة لذلك مناوشات وعداوات وإثارة النعرات العنصرية في الدين والثقافة وعدم تقبل الآخر.

نمر في أوقات عصيبة تفقدنا الثقة بالحياة، باتت روح الإنسان حقلاً للتجارب اللامتناهية هشةً لم تعد تحتمل ضغوط الحياة وهنا يبدأ الحوار مع الذات، فكل فرد يحاور نفسه أنه لم يعد يحتمل هذا العبء الكبير وينتابه شعور الخوف من القادم. فأصبح الأفراد سلحفاة تدخل رأسها في قوقعتها من العالم الخارجي وعدم الاحتكاك مع الآخر.

في حال عدم تقبل الآخرين وعدم وجود الرغبة والاستعداد للاعتراف بهذه التعددية فهذا سوف يؤدي إلى نشوء صراع جديد حول التعددية وأهم ما يساعد على عدم تقبل أنفسنا ابتداءً كأمة عربية، ومن ثم عدم تقبل تعدد الثقافات من حول العالم بأكمله

هل العودة إلى السابق يشكل علاج من أجل الاستمرارية والقضاء على الخوف الذي بداخلنا؟؟ يعايش الشباب العربي ضغوط نفسية بسبب تزعزع الأوضاع وعدم استقرارها داخل مجتمعاتهم وما يشهدونه من ربيع عربي منذ نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011 إلى زمننا الحالي. ها هي الثورات والاجتياحات ما زالت مستمرة ابتداءً بمحمد البوعزيزي والثورة التونسية وصولاً بنا إلى الأحداث الأخيرة الصعبة التي تمر بها سوريا واليمن من ثورات ونشوب حروب.

كل هذه الصعاب أدت إلى تشتت الشعب العربي حيث بدأ البعض من الشباب بالهجرة من بلدانهم التي لم تعد تشكل مأوى لهم إلى البلدان العربية المجاورة منها والبعض الآخر قام بالهجرة إلى أوروبا يحاول كل منهم العثور على حياة وفرصة ثانية منذ أن ولدنا نحاول رسم آمال وتطلعات نريد أن نقوم بتحقيقها لكن ما نراه بأنها تتلاشى وتتقلص لتتحول أكبر تطلعاتنا إلى أن ننعم بالسلام وقتل الصراع والحروب التي تكبر يوماً بعد يوم في مجتمعاتنا. تحول الحال بهم من شعوب تعيش ببلدانها مكرمة ومعززة إلى لاجئين في دول متعددة بعد الصراعات التي تشهدها بلدانهم ونجم عن ذلك نتائج سلبية وإيجابية.

ربما قد تكمن النتائج الإيجابية في تغير ظروف المجتمعات وسياستها لبناء وتعزيز قيم التعددية الثقافية والدينية، كما يجب أن يتم التعزيز من مفاهيم تقبل الآخرين واحترامهم بغض النظر عن جنسيتهم ومراعاة الظروف التي تحيط بالوطن العربي بأكمله، فما إن تخطينا هذه المرحلة نصبح قادرين على التعايش السلمي والمشترك ويصبح هنالك تقبل واعتراف بالثقافات الأخرى.

لكن في حال عدم تقبل الآخرين وعدم وجود الرغبة والاستعداد للاعتراف بهذه التعددية فهذا سوف يؤدي إلى نشوء صراع جديد حول التعددية وأهم ما يساعد على عدم تقبل أنفسنا ابتداءً كأمة عربية، ومن ثم عدم تقبل تعدد الثقافات من حول العالم بأكمله هو انتشار مفهوم يسمى الستيريوتيب (القولبة وتصنيع الصورة النمطية) الذي اقترحه وولتر ليفمان في عام 1922 وقد يكون ضحية هذه القولبة أمة بأكملها فوجود مثل هذه الصراعات وانتشار بعض التوجهات الفكرية والسياسية التي تكون مبنية على العدائية وبعيدة كل البعد عن العدل والتي ترتكز على القمع، كما أنها تعكس الصورة بطريقة مخالفة للواقع من خلال وسائل الإعلام لبعض الثقافات المختلفة التي تأخذ فكرة معاكسة عن الوطن العربي فتعزز فينا كعرب النفور بين بعضنا البعض وانتشار العدوان والكراهية.

إضافة إلى تلك الدراسات والأبحاث العلمية التي تقام من قبل مراكز أبحاث متخصصة تتعلق بالعالم العربي برأيي الشخصي أنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة وهذه تشكل وسيلة أخرى في عملية تصنيع وتشكيل الصورة النمطية. فأعتقد أن نقطة الانطلاق حول تعزيز مفهوم التعددية الثقافية هي العمل على إدماجها في المجتمع من خلال إشراكهم في مؤسسات الدولة والعملية التعيلمية والحراك السياسي، والعمل على بناء استراتيجيات لتفعيل التعاون والتواصل والتشبيك بين الثقافات المختلفة مما يخلق روح التنافس بينهم فهذا يؤدي إلى الإرتقاء والتطوير من مفهوم التعددية الثقافية. فيما يتعلق بالتعددية الدينية علينا تقبل واحترام الديانات وعلينا أن نبتعد عن مفهوم التطرف الديني الذي لا يقتصر حول الديانات الإسلامية وإنما أيضاً مختلف الديانات الأخرى، كما أن التطرف غير محصور ومقتصر على زمان ومكان معين وإنما يتواجد في مختلف العصور فعلينا مجابهة التطرف بتقبل الحقيقة والقبول بالآراء والمعتقدات الصحيحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.