شعار قسم مدونات

جريمتك أنت!

مدونات - رجل حزين

تقحم نفسك في جرائم أنتَ المتهم والضحية فيها، تسير وفقًا لأمواج طيشك الذي يحملك بين أضلاعه ليطيح بك في أرض الجريمة ليجعل منك قاتلًا ومقتولًا. تحاول تبرئة نفسك منك، تدور تائهًا حول نفسك باحثًا عن دليل يثبت براءتك! أتعي معنى أن تمسك سكينًا وتطعن بها نفسك دوم محضن إرادتك؟ هذا ما سيحدث طوال الوقت عندما تقحم ذاتك في صراع يقبع بداخلك. تجتاحك رغبة عارمة بأن تخرج منك! أن تخرج من جسد مليء بالثغرات التي تنتظر ماء الحياة كي يملأها، جسد يكاد أن يصبح هشًا سهل التلاشي مع عواصف الشتاء. تقف على حبل رفيع يقبع على يمينك أهوائك وعلى يسارك عقلك! تصاب بحمّى الاتزان.. يصعب عليك أن تبقى متزنًا وموفّقًا بين هذا وذاك.

 
ما الضير في أن نعي ما نريده حقًا وأن يكن الأمر واضحًا كإشراقة شمس أمام أعيننا؟ لم لا يجتاحنا سوى التخبط يمينًا وتارة يسارًا؟ هل يعود هذا كلّه إلى ما خُلق عليه هذا الكون منذ الأساس؟ خُلق الخير مقابله الشر، والسعادة مقابلها التعاسة، والغنى والفقر.. أيعقل ألّا يوجد تضاد داخل الإنسان نفسه؟ تارة تعتريك رغبة بأن تكن ملهمًا ناجحًا وتصل السماء من فرط حماسك، وتارة أخرى تجد نفسك جالسًا في زاوية غرفتك تقرأ على نفسك السلام! تحب أحدهم اليوم وتكرهه غدًا! تميل وفقًا لعاطفتك في حين ووفقًا لعقلك في حين آخر. تصاب بضربة من الجنون.. تتساءل وتتضارب مع نفسك وتقف حائرًا أمام مرآتك، ترغب حينها أن تدخل إلى داخلك لتعرف حقًا ما الجريمة التي وقعت على عاتقك! ويجول في خاطرك الملايين من التساؤلات: من أنا؟ هل المتهم أم الضحية؟ لم فعلت هذا؟ لم قتلت نفسي؟ لم قتلتني يا أنا؟، وتدخل في موجة من الاضطرابات التي لا تعرف للهدوء معنى.
    
الهوى والعقل وجهان لعملة واحدة! لا يكن لإحداهما قيمة دون الأخرى. ما الفائدة من عقلانيتك بعيدًا عن الهوى؟ فالعقلانية هي أقوى طرق تهذيب الهوى! فكما يقال لا يوجد جلّاد بلا لص. اضطراب رغباتك وعشوائية تفكيرك المزاجيّ يضرب على وترك الحساس ويكاد أن يقطعه. ترغب تارةً أن تسير وفقًا لأهوائك وتقتل ما يسمى بالعقلانية وفي المقابل عقلانيتك أقوى من أن تُقتَل! حينها تشعر برغبة عارمة لإمساك قلم لتخط به آلامٌ طال مكوثها فيك.

  

أنتَ من سيخرجك من الظلمات إلى النور، من الحزن إلى السعادة، من الموت إلى الحياة. تقبع جريمتك في أن تبقي نفسك غارقًا في صراع يقاتلك إمًا منتصرًا أو منهزمًا!

تسير خطوة واحدة مقابل العودة ملايين الخطوات! تُقدِم على فعل شيء مُعرِضًا عن فعله، تكن مجبرًا على الخوض في فعلٍ كهذا لسبب ما! قد تكون رغبةً منك للتجربة أو خوفًا من فعل اللاشيء. تمضي قدمًا بلا هدف؛ لا تعي ما الطريق الذي يقدر على ضمّك بآلامك! لكنّك تختار أن تخوض في طريقك رغم مُرِّ آلامه. أفكارٌ تجيء بك وتودِي بك إلى قعر حفرة لتجعل منك إنسانًا محطمًا هشًا استنزفته الحياة بكامل طاقتها، لكن في لحظة ما تستيقظ على نفسك وعلى صراعاتك تصبح واعيًا ومدركًا بهول الموقف الذي أنت فيه وتتساءل لِمَ هذا يحدث معي؟ يمكنني القول أن لا شيء يحدث في حياتنا عبثًا فلكل حادثة درس تريد الحياة أن تلقنك إياه من خلالها.
 
العثرات والتراجع والصراعات والاستسلام والتعب جميع هذا الذي يحدث لك ليس عبثًا! عندما تستيقظ صباحًا وتكمل يومك وأنت تحمل صراعاتك بحوزتك طوال الوقت سيجعل هذا منك إنسانًا ليس مفرغًا من الداخل.. إنسان يرغب بأن يخرج من صراعاته إمّا مثبتًا أنه المجرم أم أنه الضحية المتهمة بجريمة كهذه، جريمة قتل النفس من الداخل.. قد تصل إلى حد قتل الروح بتلك الأفكار التي تودي بشخص الإنسان إلى الهلاك. عندما تعي أن تلك الصراعات لصالحك أنت فقط! كالقهوة التي توقظك من غفوتك، عندها ستعي أن هذه الحياة ليست بعدو لك وإنما هيك صديق عابر لك يكشف لك خفايا الكون ويضعك في محط تساؤل مثيرةً أفكارك لتدخل في صراعات عظيمة لتصل من خلالها إلى إجابة تلك التساؤلات.
   
حياتنا كتخطيط القلب تارةً تجده مرتفع وتارةً أخرى ينخفض! العبرة ها هنا أن عثراتنا كانخفاض ذلك المخطط تجعلنا نسقط لنحيا من جديد وننطلق كانطلاقة السهم! أما إذا كان خط مستقيم فاعلم أن ميت على قيد الحياة! فإذا لم يكن هنالك الفشل فلن نشعر بلذة النجاح. صراعاتك بمثابة أحجية تهبها الحياة لك لكي تحاول حلّها وقد تهبها أنت لنفسك لتصل إلى نتائج وقرارات لن يهبها لك أحد مطلقًا. دخولنا بمتاهات من وحي أفكارنا وواقعنا قد تودي بنا إما أن نعلق بها أو أن نخرج منها سالمين وكل هذا يعود إلى القوة التي تقبع داخلنا! فقوة الإنسان وقوة عقله الباطن توصله إلى أعالي القمم وتجعل منه قدوة لمن لم يكتشف بعد القوة التي تكمن بداخله، فعندما تريد شيئًا اعلم أن العالم بأكمله سيسعى لكي يحققه لك! فكل ما يحدث من حولك ليس سوى انعكاسا لما يقبع بداخلك أنت. إن أردت أن ترى الحياة بائسة فسوف تكن كذلك!

  undefined

 

عندما تسير في إحدى الشوارع لن يلفت انتباهك سوى التعساء.. العابرين الذين تكاد وجوههم أن تنطق دموعًا! سترى العاجز والفقير والسيء والمجرم.. سترى من يبحث عن لقمة عيشه وهو دائسًا على كرامته! لن ترى النور ولن تشعر بحرارة الشمس الدافئة وهي تتخلل جسدك البائس، لن ترى عيون الفقير اللامعة المؤمنة بالفرج يومًا ما والراضية بما قسّمه الله لها! لن ترى أن المجرم بضحية! وأن السيء يحب العطاء ويقدم الخير سرًّا! لن ترى أن العاجز مؤمنًا أن عجزه محبّة من ربه لأن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه. في المقابل عندما تستيقظ متوكّلًا مندفعًا مليئًا بالشغف لتبدأ يومك متفائلًا واضعًا مخططات لا تعد ولا تحصى، ستخرج من باب بيتك محدقًا في الأرجاء تبحث عن بقعة اليأس لتبث بها التفاؤل، تبحث عن الحزن لتبث به السعادة! ستجول مبتسمًا لتبث في وجوه المارة بقعة من الأمل! في ذاك الوقت لن تبحث عن النور لأنك أنت من سيبث النور لمن حوله!
   
أنتَ من سيخرجك من الظلمات إلى النور، من الحزن إلى السعادة، من الموت إلى الحياة. تقبع جريمتك في أن تبقي نفسك غارقًا في صراع يقاتلك إمًا منتصرًا أو منهزمًا! تكمن جريمتك في أن تقتل نفسك أنت! فحينها سيعجز القاضي عن الحكم عليك وأنتَ المتهم والبريء معًا! أن تودي بنفسك إلى الهلاك هُنا يكمن الجرم، ولِم كل هذا وأنت الوحيد القادر على إخراج نفسك من ترهات أفكارك، أن تخرج نفسك من حلبة القتال الذي سيودي إلى هزيمتك.

  

أن تكن أنت! القوة والعزيمة والإصرار.. الذي يٌدخل نفسه بصراعات ليتعلّم منها ويخرج بكامل قوّته، الذي يسيطر عليها ولا تسيطر عليه. أن تكن أنت الحياة بكامل جماليّتها محبًا واهبًا للقوة وللأمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.