شعار قسم مدونات

الانتخابات اللبنانية.. كيف صنّف الناخب مرشحيه؟

blogs الانتخابات اللبنانية

اقترب الاستحقاق

الانتخابي، ومعه بدأ زعماء السنّة يستشعرون مصيرية هذا اليوم الموعود، إذ فتح القانون النسبي بابً للأطراف الفاعلة بإظهار وزنها الحقيقي على ساحاتها وفي مناطقها الشعبية. وإذ يبدو جلياً اختلاف الشخصيات المرشحة وعدم تجانسها الداخلي والعملي، فلكل من هؤلاء سماتهم الشخصية وبرامجهم الانتخابية وتطلعاتهم الاستراتيجية، والأهم من ذلك أن لكل من الزعماء قاعدته الشعبية التي باتت تصعّب على المراقبين تنبّؤ النتيجة، فما هي بالتالي محركات الزعامة السنية؟ وكيف تترجم سماتهم أرضيتهم الجماهيرية؟
   
لا شك أن الوعود الانتخابية تطوف على الحلبة الشعبية، فلكل زعيم منهجه الخاص، ويحدد شعار هؤلاء تصنيفات الناخبين لهم، فما بين الشعارات الإنمائية والسياسية والاثنين معاً، تتلاقى الأطراف على ضرورة تقويم الطائفة وأهمية التضامن، بحيث بات مصطلح "الطائفة" كثير التداول على المنابر، في حين أن الخطاب الانتخابي لدى الزعامات السنية هي الأكثر احتداماً وشراسة من أي قتِ مضى. إن ما بات يجمع رؤساء اللوائح هو "مصلحة الطائفة" وكيفية النهوض بها، فكيف يعكس توجهات الزعماء مسارهم الانتخابي؟
 

رئيس الحكومة سعد الحريري

فيما يركّز الآخرون على رفع مستواهم الانتخابي، يحاول الحريري تثبيت رصيده السياسي، مشدداً تارة على وحدة الصف السني وتارة أخرى على مركزية القرار والمواجهة، بالتأكيد ليست معركة وجودية بالنسبة للحريريين كما هي معركة أضواء وشعارات، إذ يبدو أن سياسة المركزية المتبعة بالدولة أخذة في التوسع شاملة الأحزاب السياسية. إن التفويض السياسي من الأطراف الداخلية الأخرى والخارجية مساهمة كل المساهمة في إبراز هذا النوع من الخطاب الآحادي الطابع الذي يطلقه الرئيس الحريري، كما يعزز هذا النوع من الخطاب حالة الوهن التي يعيشه المجتمع السني متأثراُ بالمناخ الإقليمي، إذ يعوّل جماهير المستقبل على الإرث السياسي لآل الحريري والموقع الحالي لرئيسها العتيد. إن عنوان "الشهيد رفيق الحريري" يبدو حاضراً في كل صولات وجولات الحريري الانتخابية كنوع من دينامية ملموسة في كسب الأصوات.

الرئيس السابق نجيب ميقاتي
يتحدث عالم نفس السياسة دونالد كيندر عن ما يسمى بـ "بروتوتايب الرئيس" وهي صور نمطية تتضمن الخصائص المرغوب في توافرها لدى المرشح وهي بذلك تختلف بحسب الأفراد وبحسب الجماعات

ما يميّز الرئيس ميقاتي عن غيره من الزعماء السنّة أنه الأقدم سياسياً والأوسع اقتصادياً، ويبدو جلياً تأثير هذين العاملين في تخفيف حدّة انفعالاته الخطابية والانتخابية ، إذ يبدو أن البكار السياسي لتيار العزم محدود لا يصل إلى عكار حتى بل هو محصور بعاصمة الشمال مركز تيار العزم الرئيسي. يتحدث كثير من المتابعين عن التروما السياسية التي أصابت الرئيس ميقاتي وجل تيار العزم بعد أحداث السبت الأسود 2011 ونزول الناس إلى الشوارع بعد تنصيب ميقاتي رئيساً للحكومة خلفاً للحريري، بحيث شكلت هذه الأحداث صدمة جمّدت كل خطوة توسعية خارج طربلس. إن الخطاب العام للرئيس ميقاتي يحمل توجهات مناطقية، إذ يراهن على الحس القومي للطرابلسيين مندداً دوماً بالوصاية والخارجية والولاية لمدينته بحيث هنا تتوقف مسار خطابه السياسي بحيث ما تبقى من حملته الانتخابية تصب في الإنماء والحلول الاقتصادية لمدينته ولبنان، ما يحمل رهاناً جدياً من قبل مناصريه ومتابعيه وقسم غير محدود من الطبقة المتوسطة الطرابلسية.

اللواء أشرف ريفي

قد لا يختلف اثنان عن دور الشخصية الكاريزماتية للواء ريفي في تعبئة جمهوره حديث الولادة وكل المتعاطفين معه، إذ ورغم حيازة الاقتصاد والإنماء اهتماماً أكبر من قبل الشارع السني، يكتسب اللواء ريفي -ذو الشعارات السياسية المناوئة للمشروع الإيراني- قاعدة شعبية وازنة، ما يبرز دور هذه الكاريزما الشخصية في توجيه الرأي العام واكتساب الحيثية الجماهيرية. إن الحالة الريفية تكاد تكون جديدة على البيئة السنية، الغير معتادين على الشخصيات الخطابية فوق المنابر والمسارح وعلى الشاشات، إذ طبعت صفة العقلانية والخطاب الجامع على الأوراق الإلقائية للرؤساء السنّة السابقين. لقد شكل أشرف ريفي حالياً انقلاب سياسي على كل ذاك التاريخ السابق.
  

أشرف ريفي (رويترز)
أشرف ريفي (رويترز)

 
أما بالنسبة لبرنامجه الانتخابي، فيحمل عناوين سياسية بتجرد، فقد جعل من "الحريريين" أنداداً لمساره السياسي ومشروعه الانتخابي وإنه يبذل كل طاقاته الخطابية ليجعل من "المصلحة السنية" و"التوازن السياسي" أفكاراً ساخنة في العقل السنّي: إنه يراهن على كسب ثقة الناخبين السنّة من جراء تلك العناوين، وفي سياق اخر فهو يعمل على تشييد منطق "السيادة اللبنانية " بحيث أصبح مصطلح "الهيمنة الإيرانية" روتيناً خطابيا للريفي يصغي اليه بعض الشيعة وقسم غير محدود من البيئة المسيحية المتوائمين في طموحهم السياسي والسيادي مع اللواء ريفي.

 

خلاصة الموضوع، يتحدث عالم نفس السياسة دونالد كيندر عن ما يسمى بـ "بروتوتايب الرئيس" وهي صور نمطية تتضمن الخصائص المرغوب في توافرها لدى المرشح وهي بذلك تختلف بحسب الأفراد وبحسب الجماعات. فإنه لمن البديهيات أن صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري تحوز على اللوحة المثالية للرئيس النموذجي في الشارع السني إذ لا يبدو غريباً المحاولات الحثيثة للزعماء المرشحين مقاربة صورهم بالرئيس الشهيد، حتى الرئيس ميقاتي الذي صرّح في خطابه الأخير أنه "متمسّك بروحية رفيق الحريري هو ولائحته". في مكان آخر أصبح مصطلح "مصلحة الطائفة" -كما أسلفنا- كثير التداول في البرامج الانتخابية لدى زعماء السنّة، وهو مصطلح لم يعهد عليه الشارع السني على غرار الطوائف الأخرى وذلك نتيجة تراجع الدور السياسي للسنّة على الصعيد الداخلي والإقليمي. فكيف سيعكس الزعماء المناخ السني، ويكسب مقعد الزعامة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.