شعار قسم مدونات

الانتحار بالمغرب.. الموت كصرخة ضد الدولة

blogs الانتحار
تلقيت خبر انتحار الطبيب النفسي الذي ألقى بنفسه من شرفة عيادته بأحد الأحياء الراقية بالعاصمة الاقتصادية بكثير من الحزن والاستغراب (الحزن لتفشي الظاهرة بشكل وجب معه دق ناقوس الخطر أما الاستغراب لكون الأمر لم يعد يقتصر على فئة بعينها)؛ ما أوجعني أكثر رفق الخبر بفيديو مصور يوثق اللحظات التي سبقت الفاجعة حيث يظهر الطبيب وهو يحاول التشبث بيد شخص دفعته إنسانيته إلى التدخل بدل الاكتفاء بالمراقبة، التصوير وترديد عبارة لا حول ولا قوة إلا بالله بكل برود وسلبية.. قبل سقوطه سقوطا عنيفا على الأرض لا يزال دويه يتردد في أذني.

 

وحسب آخر الإحصائيات المقدمة من طرف منظمة الصحة العالمية، تأتي السودان على رأس الدول العربية من حيث الانتحارات المسجلة، يليها مباشرة المغرب، ولم تقتصر الحالات على المدن الكبرى حيث تتسارع وتيرة الحياة وتتزايد الضغوط التي يعانيها العمال، بل انتقلت العدوى الى المدن الصغرى والقرى الهامشية التي يعاني شبابها من البطالة وغياب التأطير والتوجيه (للإشارة فإقليم شفشاون يعرف حالات شبه أسبوعية) بالإضافة إلى تسجيل انتحارات في صفوف الأطفال.

 

الاحترام وتقبل الاختلاف والابتعاد عن الأحكام الجاهزة أجمل ما يمكن أن يقدمه الفرد للناس، ولنتعلم التسامح والرأفة، فلا تأذي أحدا فإنك ميت وإنهم ميتون!

لقد أصبحت حالات الانتحار بالمغرب حوادثا متكررة بشكل يثير المخاوف والتساؤلات، ومع ذلك تأبى الدولة الإقرار بكونها ظاهرة يجب معالجتها ووضعها ضمن أولوياتها واستراتيجيتها وتخصيص الموارد البشرية والمالية الضرورية للحد منها كإنشاء متنفسات مجالية، تربوية وصحية من شأنها تجديد الأمل لدى الفئات الهشة، خلق خلايا للمساعدة الاجتماعية والنفسية وزرع بدور الثقة في مؤسسات الدولة بعيدا عن المزايدات السياسية وكف بعض ممثلي السلطة عن ممارسة الشطط وإهانة المواطن البسيط الساعي وراء لقمة عيش حلال. (وما حادثة القائد الذي تسبب مؤخرا لشاب في مقتبل العمر في عاهة مستدامة، وحالة "امي فتيحة" التي أضرمت النار في جسدها بعد الإهانة التي تعرضت إليها من قائد منطقتها إلا حالات من كثير توثق لغطرسة وتهور المسؤولين وما قد ينتج عنه من أزمات عميقة وشعل فتيل فتن نحن في غنى عنها).

 

وفي هذا الصدد، سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أن أثار في خطاب العرش لشهر موضوع الرأسمال غير المادي وكيفية اعتماده كمعيار أساسي خلال 2014 يوليو من سنة وضع السياسات العمومية، لدراسة جوانب التنمية التي تعتبر حاسمة مثل جودة المؤسسات، ونوعية العلاقات بين أفراد المجتمع، مّجودة التعليم، ولنتعلم أن الاحترام، تقبل الاختلاف والابتعاد عن الأحكام الجاهزة أجمل ما يمكن أن يقدمه الفرد للناس ولنتعلم التسامح والرأفة، فلا تأذي أحدا فإنك ميت وإنهم ميتون!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.