شعار قسم مدونات

وهل بقي للمثقفين الأحرار مكان في الجزائر؟

blogs - science

قبل سنوات قام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بدفع تكاليف الحج لمجموعة مساندين له، أبرزهم مغنية الراي حليمة مازي، المعروفة فنيا باسم "الشابة الزهوانية" إضافة إلى الكاتب أمين الزاوي، ليقوم كذلك العام الماضي بمنح وسام فخري لمجموعة ممثلين ومغنيين وبعض الكتاب المحسوبين على السلطة ممن لم يتركوا فرصة إلا وأثنوا عليه، منذ صعوده إلى مقام الرئاسة سنة 1999، فكان أن رد جميلهم عبر إرسالهم لأداء الركن الخامس من الإسلام وقدم لهم الأوسمة، تذكرت هذه الحادثة حين شاهدت مناشير تضامنية مع البروفيسور ساعد خميسي.

البروفيسور خميسي رجل قدم الكثير من الكتب والأبحاث العلمية في مجاله الهام علميا وفكريا، فإذا به يصاب بحالة شلل رباعي أقعدته في البيت بعيدا عن التدريس بالجامعة التي لم يفارقها منذ حوالي ثلاثين سنة، ليفاجئ بعدم تكفل وزارة التعليم العالي بعلاجه، بخلاف الفنانين اللذين لم يفيدوا الوطن بشيء لكنهم يطبلون للسلطة الحاكمة التي تستغلهم لتنويم الشعب فيكون جزاءهم خيرا، أما اللذين يعملون لتنوير العقول فلا صدى لمعاناتهم عند السلطة التي تجيد تكريم المغنيات والممثلين لكنها لا تهتم بالمثقفين الأحرار والمفكرين اللذين يحاولون التقدم بالوطن والفكر الإنساني.

 

المثقفين غير السلطويين هم القوة الضاربة والعمود الفقري للفكر الإنساني منذ القدم، أما أولئك اللذين يطبلون للسلطة فهم أسوء صنف من المثقفين

الباحث في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال سيلاحظ عقدة كره واضحة تكنها السلطة الحاكمة تجاه المثقفين الأحرار بداية من بومدين وصولا الى بوتفليقة مرورا بالشاذلي، كيف لا، وشاعر الثورة مفدي زكريا نفي إلى تونس بسبب رفضه كتابة قصيدة عن الثورة الاشتراكية لبومدين، مولود معمري تعرض لعدة مضايقات إبان فترة حكم الشاذلي بن جديد، أما فترة العشرية السوداء فقد عرفت قتل زهاء المائتين من خيرة المفكرين و الكتاب الجزائريين، وفي مقدمتهم الطاهر جاووت والجيلالي اليابس بطرق بقيت مجهولة إلى اليوم، أما في عهد عبد العزيز بوتفليقة فقد أهين الروائي الفذ رشيد بوجدرة مرتين في القنوات التلفزيونية، فضلا عن عداء غير مبرر لكل المثقفين اللذين لا يسيرون في فلك النظام، فهل لدى النظام عقدة من المثقفين الأحرار تدفعه إلى طردهم للخارج أو محاولة محوهم من خارطة الجزائر؟

 

لا يختلف اثنان حول تقدير الجزائريين وحبهم لمثقفيهم اللذين لا يتبعون السلطة بالنظر للطبيعة الثورية الحرة للفرد الجزائري، ولكن المؤسف هو غلبة سياسة تجهيل العقول التي تتبعها الحكومة عبر القنوات الإعلامية المختلفة ممثلة في الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية التي تسير بخطى متسارعة نحو الحضيض القذر، فحين يصبح المثقف يهان في قناة تلفزيونية دون اتخاذ قرار رسمي بغلقها في مقابل احتفاء نفس القناة بمغنية ملاهي يتابعها الأربعون مليون فتلكم كارثة عظمى، تنم عن سياسة تهدف أساسا لسحق جميع الأصوات المثقفة وطمرها في غياهب النسيان.

المؤسف في حالة البروفيسور ساعد خميسي أنه قدم الكثير للجامعة الجزائرية بحوثا وكتبا ودراسات أغنت المكتبة العربية وجعلته أحد قامات تخصصه في العالم العربي، ولو كان يعيش في بلد مثل فرنسا التي احتضنت المثقفين الجزائريين منذ القدم لتم علاجه بأمر رسمي من رئاسة الجمهورية، ولكن بالنظر لكونه يعيش في بلاد تحارب حكومتها المثقفين غير السلطويين فإنه يعاني في صمت، ولولا اللفتة الطيبة التي قام بها المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي الذي يحاول جمع مبلغ كاف من المال لعلاجه لبقي الرجل مقعدا كما هو حاله منذ فترة.

أخيرا، فإن المثقفين غير السلطويين هم القوة الضاربة والعمود الفقري للفكر الإنساني منذ القدم، أما أولئك اللذين يطبلون للسلطة فهم أسوء صنف من المثقفين، لأنهم دائمي التحالف مع السلطة التي تشكل شيطانا حسب باكونين، أي أن المثقفين الأحرار هم الوحيدون اللذين باستطاعتهم تنوير العقل والتقدم بالمجتمع، فإذا بقيت الحكومة تمتهن حرفة إقصاء المثقف الحر و دفعه للهجرة، فقد يأتي يوم تصدق فيه مقولة وزير الخارجية الفرنسي رولاند دوماس "أترك الرئيس يعبث بالجزائر فسيجد نفسه وحيدا في قصره وشعبه مهاجر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.