شعار قسم مدونات

كما قال المثل.. هل توثر الأمثال الشعبية على حياتنا؟

Blogs- friend
نحن لا نستطيع أن نجزم بما كان يدور في بال ضاربي الأمثال على مر الأزمنة والثقافات، في كثير من الأحيان كانوا أشخاصاً بسطاء، احتملت أقوالهم الخطأ والصواب، إلّا أنها مسّت قلوب وتجارب العديد من الناس الذين تداولوها إما حاجةً للتعبير أو توثيقا لأحاديثهم وأحداث حياتهم. وكما أنّ من الأمثال ما يقرر القيم العليا هناك منها ما يقرر أفكار وأحكام سلبية لا تغني ولا تسمن من جوع، بل قد يكون لتداولها أثر سلبي. من الأمثال أيضا ما كان احتمال توظيفها منذ البداية في سياق مخالف للسياق الذي قد قيلت فيه، لتأكيد فهم معاكس، وارد جدا، سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد.

من الأمثال العامية المشهورة في بلادنا "مين يشهد للعروس؟ أمها وخالتها وعشرة من حارتها"، مثل شامي، له نظير عراقي وآخر مغربي، يقال عادتاً احتجاجاً على من يحاول التحيّز لشخص مُقرَّب منه أو مَدحُه. اعتاد هذا المثل أن يثير استيائي، وأجد راحة في تبرير أنه استُخدِم استخداما خاطئا منذ البداية، إذ أنني لا أرى أيَّ ضرر في أن يمتدحنا الأشخاص المقربين منا، فمن يعلم ما بنفوسنا وعقولنا أكثر من المقربين، ومن أعلم بالعروس من أمّها وأخواتها؟

كان ولا زال تعاضد الناس في مجتمعاتنا ميّزة وفخر، ومن واجبنا نشر التوعية في مهارات تقبل الآخر للحفاظ على هذا التعاضد والقرب، في ظل تطوّر تكنولوجي وحضاري زادت فيه الاختلافات
في الحقيقة لا توجد "عروس" إن جاز التعبير إلاّ وقد مرّت بأزمات عائلية حادة وبسيطة، منذ رفضها لتناول الحليب وهي رضيعة، الخلاف على ألعابها مع أخوتها في طفولتها، مزاجية المراهقة إلى النقاشات العائلية الحادة حول أفكارها ورغباتها الناشئة. ما يحدث في معظم الأحيان أن التقبّل والتفاهم والمودّة التي تكمن بين هذه "العروس" وعائلتها، تحمل هذه الأزمات إلى شط المحبّة الخالصة، فلا يُقتَضي من هذه "العروس" أن تكون على قَدر من الكمال ليُشهَد لها منهم بما فيها من صالح ويُغَضّ البصر عما فيها من طالح.

في علم الطاقة والتنمية البشرية الحديث تعتبر الكلمة مصدر قوة كبير، وسيطرة الإنسان على ما يقول ويسمع ويتداول له أثر واضح على أسلوب تفكيره وطبيعة أفعاله، فالعقل مبرمج على تصديق كل ما يتم إدخاله إليه من كلمات أو صور، وليس لديه القدرة على التمييز بين الكلمات الإيجابية والسلبية، فيصبح مصدقاً ومحققاً لهذه الكلمات مع كثرة تداولها، والتي قد تحتوي على قدر كبير من المبالغة والتهويل في كثير من الأحيان، كقول أحدهم لنفسه عند نسيانه لمفتاح سيّارته: "مصيبة"، فيفهم العقل أن هناك مصيبة وعلى الجسد أن يتأهب ويتوتر لحلّها فيتعكر صفوه لباقي اليوم. بتنا نسمع كثيرا عن طرق التفكير الإيجابي واستخدام الألفاظ والكلمات الإيجابية في أحاديثنا حتى مع أنفسنا لما لها من أثر طيب علينا وعلى من يحيط بنا، وكما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "الكلمة الطيّبة صدقة" و"المؤمن مرآة أخيه المؤمن" فكما تظهر المرآه للإنسان محاسن وجهه عند النظر إليها، عليه أن يكون هو هذه المرآة التي تعكس محاسن أخيه الإنسان وتبرزها بكلمات طيبة.

العلاقات الصحيّة بين أفراد المجتمع لها أثر كبير على قدرتهم الإنتاجية في جميع المجالات، فعلينا أن نزداد وعيا لكلمات وأمثال وأقوال نتداولها، فهي ليست آيات قرآنية أو أحاديث نبوية وجدت لكل زمان ومكان، بل في بعض الأحيان تعتبر تعزيز لإبطال العقل في إدارة العلاقات، وتُسهّل إطلاق الأحكام وزرع المشاعر السلبية بين الناس، كالمثل العربي القائل: "ابن العدوة عدّى وعدّاني وابن الحبيبة راح وخلاني" ويستخدم للتّحسّر على أن ابن الابنة لا يقوم بواجب الجدّة كما يقوم به ابن الابن الذي يعتبر ابن لعدُوّة، وهو مثل يحتوي عل كمية كبيرة من مشاعر سلبية وهمية ولا تتماشى مع الحقيقة.

 
كان ولا زال تعاضد الناس في مجتمعاتنا ميّزة وفخر، ومن واجبنا نشر التوعية في مهارات تقبل الآخر للحفاظ على هذا التعاضد والقرب، في ظل تطوّر تكنولوجي وحضاري زادت فيه الاختلافات وأصبح الخروج عن المألوف رائجاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.