شعار قسم مدونات

دجاج عمرو خالد ورُزُّ العريفي.. "الكبسة المقدسة" والإسلام السياسي

عمرو خالد

لطالما اُستُغِلّت الأيديولوجية في توجيه واستغلال العامة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، سواء تعلق الأمر بالدين أو بأيديولوجيات سياسية معينة تمت الاستعانة بها من أجل الوصول إلى السلطة أو تحقيق غايات اقتصادية. فكما تعد أوروبا مهدا للحضارة فهي أيضا تجربة ونموذج للاستقطاب الديني للكنيسة في العصور الوسطى والأيديولوجي مع بداية القرن التاسع عشر، ولاستغلال هذا الاستقطاب في التوجيه السياسي والتجاري.

 

كانت استباحة "المقدس" سياسياً وتجارياً أحد أهم أسباب ظهور العلمانية والإلحاد في المجتمعات الأوروبية، حيث أدى استغلال واستنزاف الكنيسة للوازع الديني لدى "المؤمنين" في تجارة "صكوك الغفران" واستبداد الحكام بوصفهم "خلفاء لله على الأرض"، إلى ربط المجتمع لفشل الكنيسة والحاكم بفشل الدين.

 

كتب لنا أن نعيش ماضيهم المجيد في حاضرنا البئيس، فاجتاحتنا عملية تبخيس الدين بأيدي من كانوا في الأمس القريب من أهم الدعاة وأشهرهم، وبسلوكيات لا تنم إلا عن مستوى الانحدار الذي باتت تعرفه الدعوة الإسلامية في مرحلة شِدّة هي الأخطر من نوعها، حيث أصبح "المسلم بالفطرة" بين خيارين مؤلمين أولهما الخضوع للحملة الاستقطابية الشرسة التي تقودها التيارات المتشددة في خضم استغلالها للواقع البئيس للأمة وقضاياها العادلة التي لم تجد لها نصيراً، والثاني نكران الفطرة والبحث عن بديل لعله ينسي صاحبه هويته المُنكّل بها ويعطيه تفسيراً كيفما كان، لنقضِ فطرته إما إلحاداً أو علمانيةً أو أي شيء آخر.

 

هناك مشاهد كثيرة ولقطات وضِيعة من مسلسل استغلال الدّين في منطقتنا العربية على كافة الأصعدة، بين إمام وشيخ باع الدين تقربا لمشروع حاكم مستبد، وبين دعاة يتنافسون على بيع الدين على المباشر

ساءت الأوضاع لدرجة ازدراء وتبخيس الدين والتنكيل به في وصلة إشهارية يتيمة السياق والتفسير، عقيمة الفكرة وسيئة الإخراج يقوم فيها البطل الهمام الذي لطالما شكل قدوةً للشباب المسلم بالدعاية لشركة لحوم بيضاء من خلال إبراز فوائد منتوجاتها على مردودية عبادتك لله أيها "العبد الصالح". لكن يبدو أن الرجل الذي لم يتجاوز بعد سقطته الدعوية عندما اختلس النظر أثناء خشوعه في الدعاء، ليتفقد نسبة مشاهدة بثه المباشر، حتى سقط مرة أخرى وهو يبيع نفسه ودينه مقابل بضعة دراهم قليلة وقد تناسى حديثه عن الإيمان وسيرة رسول الله عليه الصلاة والسلام والصحابة وأولياء الله الصالحين في التعبد والزُّهد ونكران الذات.

 

ليأتي الفارس الهمام الذي لطالما عَدَّل نبرته في برامجه وخُطبه الدعوية وشدّد على الأمة بضرورة حرصها على رسالة الاسلام، ويتحول بين ليلة وضحاها إلى وكالة إعلانات على موقع تويتر، رابطا بين أحاديث نبوية شريفة أو نصائح وعِبَر من سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وبين إشهارات وَضِيعة للرُّز والعطور والمشروعات السكنية وكل ما اشتهت نفسه فيها دنانير ودراهم.

 

ليست هذه المشاهد إلاَّ لقطات وضِيعة من مسلسل استغلال الدّين في منطقتنا العربية على كافة الأصعدة، بين إمام وشيخ باع الدين تقربا لمشروع حاكم مستبد، وبين دعاة يتنافسون على بيع الدين على المباشر، وبين أحزاب باتت تستغل الوازع الديني من أجل الوصول للسلطة لتعلن كفرها بعد ذلك، وصولا لأن نكفر بدورنا أو ننادي بعلمانية لطالما كرهناها.

 

ربما لم يكتب لتجربة الإخوان المسلمين في مصر الشقيقة أن تكتمل لكي نحكم عليها، كما أن "إخوان" تونس حاولوا أن يحافظوا على توازنهم قدر الإمكان ولم يصطدموا بالشارع الذي أوصلهم إلى السلطة، لكن حال إخوانهم في المغرب كان مغايرا، فبعد أن حصدوا أغلبية أصوات الناخبين في أكثر من استحقاق انتخابي وتولوا زمام السلطة، وبعد أن ركبوا السيارات الفارهة وسكنوا المنازل الباذخة وجمعوا بين التعويضات الخيالية، تنكروا لمن أوصلهم لسُدَّة الحكم وردُّوا على مطالبهم بالإساءة لهم تكبراً واستعلاءً.

 undefined

كانت حملة المقاطعة الشعبية التي بدأت منذ شهر تقريبا والتي لاقت انتشاراً واسعاً، تسعى لمقاطعة بعض المنتوجات احتجاجاً على غلاء الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، لكن نجاحها جعلها هدفا لسَلِيطِي اللِّسان من المستهدَفين بها والذين لم يتوانوا عن وصف المقاطعين بأوصاف غير لائقة، فظن البسطاء أن الحزب الذي ألِفوا تضامنه معهم وتعبيره عن مطالبهم سيكون في محل ظنهم بتضامنه معهم، لكنه لم يكن في الموعد كما المعهود بل اختار الوقوف مع الطرف الآخر.

 

لا تستغرب موقفا مماثلا من حزب اختار السلطة مضحيا بزعيمه، واختار المناصب والنفوذ مضحيا بقاعدته الشعبية، ولا تستغرب أن البسطاء أضافوه إلى "لائحة المقاطعة" لينضاف إلى الأحزاب الميتة أيديولوجياً وسياسياً، وحتى بعد أن استفاق بعض قيادِييه من الوهم وأحسوا بمدى جسامة الوضع وخرجوا معتذرين عن مواقفهم، استمر البعض الآخر في التنكيل بالمقاطعين، وكأن الحزب قد فقد الخيط الناظم بعد فقدانه لزعيمه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.