شعار قسم مدونات

ماذا عن واجبنا تجاه فلسطين وأهلها؟

BLOGS فلسطين

بعودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث مع احتفالية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة واشتداد الهجمة الصهيونية على قطاع غزة، في خطوتين تصعيديتين تندرجان في إطار التحضير لما بات يعرف بصفقة القرن، يتجدد السؤال التقليدي حول دور الأمة بنخبها وشعوبها في مواجهة هذا المد الاستكباري العنيف ويلح أكثر من أي وقت آخر.

غير أن هذا السؤال وإن كان يحمل فيما مضى هم الإجابة فإنه اليوم أضحى سؤالا استنكاريا من فرط ما مر على الأمة من إحباطات حتى شكت الجماهير في قدرتها على تغيير الأوضاع وتأثيرها في معادلة الصراع، ذلك أن تكرار الإجابات التقليدية واجترار الخطاب القديم لم يكن ليقدم شيئا ذا بال للقضية سوى أنه يسهم في إطفاء غضب الجماهير وتنفيس احتقانها لدرجة أن ردود أفعالنا أصبحت متوقعة لعدونا يتعايش معها ويتحايل عليها.

مشكلتنا أننا كنا وما زلنا أسرى للحظة المعاشة فإن اشتعلت الساحة الفلسطينية كانت الأمة من أقصاها إلى أقصاها تهيج، لكنها بعد وقت هين وبعد أن تمل وتضمر حماستها وتطفو للسطح قضية أخرى حتى لو كانت مجرد فعالية فنية أو كروية سرعان ما تحرف وجهتها إليها كأن شيئا لم يكن ويترك الفلسطيني وحيدا في أتون المعركة.

القضية تتعلق بالاستثمار الحقيقي لفعالياتنا التضامنية والقطع مع موسميتها من أجل إسناد أقوى لقضية الأمة المركزية، الشيء الذي يتطلب منا وضوحا في رؤيتنا للصراع

لا يعني هذا أن الفعاليات التضامنية التي تنخرط فيها نخب الأمة وجماهيرها بدون أية قيمة أو تأثير، فقد ساهمت تلك الفعاليات في خلق رأي عام يتنفس القضية الفلسطينية ومررت حبها للأجيال المتعاقبة، وفي نفس الوقت كانت تضع أنظمة بلدانها في حرج بالغ، فحتى وإن لم تتم الاستجابة لمطالب الشارع الكبرى فإنها كانت مضطرة لوضع كوابح على ارتهانها المطلق للإرادة الصهيونية أو أنها تلجأ للدهاليز السرية لتستر خيانتها خوفا من فضيحتها أمام الجماهير.

هذا كان يحدث في ذروة الغضب الجماهيري لكنها في فترات السكون تعود للمجاهرة بمواقفها الحاقدة، وهو ما يحدث اليوم بتماهيها مع كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية مستغلة حالة التيه الذي تغرق فيه الأمة والذي جعلها تصاب بغشاوة تحول بينها وبين النظر للأمور على حقيقتها.

القضية إذن تتعلق بالاستثمار الحقيقي لفعالياتنا التضامنية والقطع مع موسميتها من أجل إسناد أقوى لقضية الأمة المركزية، الشيء الذي يتطلب منا وضوحا في رؤيتنا للصراع وفهما لطبيعة المتدخلين فيه حتى نعي جيدا دورنا ومستويات دعمنا الذي يمكن أن نقدمه لمن يواجه الآلة العسكرية الصهيونية.

لعل أبرز عائق يعترضنا في حملات التضامن هو أن أغلبها ردود أفعال ما يجعلها تنزع نحو الانفعالية فتشتعل وتخمد بسرعة، وهذا إن كان مفهوما بالنسبة للشعوب فإنه غير مسموح به بالنسبة للتيارات والنخب المجتمعية التي يجب أن تتحلى بطول النفس وبالجرأة في الطرح بعيدا عن الشعارات الهلامية التي تختبئ وراءها في المناسبات دون أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة.

لا يمكن أن يكون التضامن صادقا مع فلسطين إن لم تبن تلك النخب خطابها وممارستها السياسية على أولوية تحرير فلسطين، وما يتطلبه الأمر من مواقف قوية تجاه قوى الاستكبار العالمي والأنظمة العربية التي تسببت في نكبتها، أما التشدق بالقضية الفلسطينية مع استمرار الارتهان للخارج أو دعم القوى الاستبدادية المحلية التي لم تكف يوما عن التآمر عليها فلا يعدو كونه ركوبا رخيصا، وهو ما يحد من قيمة أية فعالية تشارك فيها مثل هذه النخب الانتهازية.

يظل التحدي الرئيسي أمام النخب والجماهير متمثلا في قدرتها على الخروج من دائرة التعاطف غير المكلف إلى التبني الحقيقي للقضية مهما كانت تبعاته عليها
يظل التحدي الرئيسي أمام النخب والجماهير متمثلا في قدرتها على الخروج من دائرة التعاطف غير المكلف إلى التبني الحقيقي للقضية مهما كانت تبعاته عليها
 

الواجب أن نعي أن أية نقلة نوعية في معادلة الصراع مع الصهاينة لن تتحقق إن بقينا مرتهنين لأنظمة تفرض مواقفها المتواطئة علينا بالحديد والنار وتتسبب في مزيد من الانهيار في ساحة القضية الفلسطينية. على أن هذا الأمر ليس كافيا، فلا يمكن أن ننتظر موعد سقوط هذه الأنظمة حتى نقدم الدعم اللازم لفلسطين وأهلها مثلما ظنت بعض التيارات في وقت من الأوقات حتى ضلت الطريق وغرقت في قضايا بعيدة تماما عن الأصل الذي انطلقت منه.

يفرض علينا هذا المعطى الاشتغال على واجهتين حتى لا نسقط في نفس الشرك، الواجهة الأولى أن نعارض تلك الأنظمة معارضة جذرية بسبب أدوارها القذرة في تنفيذ مخططات الكيان الصهيوني وهذا يتطلب وقتا، والثانية أن نمارس ضغطا آنيا ومستمرا عليها من أجل وقف ممارساتها التطبيعية وتقديم الدعم الفوري لأصحاب الأرض بعيدا عن أسلوب التزلف والمناشدات، فما استطعنا أخذه منها في هذا الباب سيعين الفلسطينيين ويخفف الضغط عليهم، وأي تلكؤ أو رفض من طرفها سيخصم من شرعيتها ويساهم في تعبئة الجماهير ضدها في صراعنا معها على المدى البعيد. 

هكذا فقط يمكن أن يكون سلوكنا التضامني تجاه فلسطين وأهلها فعالا يحسن التعاطي مع واقعنا. ويظل التحدي الرئيسي أمام النخب والجماهير متمثلا في قدرتها على الخروج من دائرة التعاطف غير المكلف إلى التبني الحقيقي للقضية مهما كانت تبعاته عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.