شعار قسم مدونات

من أنت لتعفر مسار السلام المقدس؟

مدونات - شهيد فلسطيني

رسالة إلى شهيد فلسطيني في ذكرى النكبة
ستبدو كبش فداء، كأنك بلا عقل ودين، كيف قررت فجأة أن تضع حداً لحياتك، رغم أنك مترف في وطن مكتمل الأضلاع غير معتل، تنعم في منزل يطل على البحر، ومحاط بجيران لا تغادر قلوبهم الرحمة ولا تفارق وجوههم الابتسامة. هل ينقصك قوت وأنت متخم بالبشاميل، أم أسرة وعزوة ولديك من الزوجات أربع ومن الأبناء عشرة!
 
أي هراء دفعك لاستفزاز أبناء عمومتك المرابطين على الحدود، الساهرين على أمنك وسلامتك! من الذي باعك الوهم وتاجر بدمك وغلف زهرة شبابك بكفن؟ كان بالإمكان في ذلك اليوم المشؤوم أن تصطحب عائلتك للاستجمام على شاطئ غزة، عوضاً عن المخاطرة بالذهاب إلى الحدود مقابل كابونة مفخخة! كان بالإمكان أن تحجز تذكرة سياحية على متن الخطوط الفلسطينية لزيارة برج العرب، أو تستقل سيارتك لقضاء إجازتك الأسبوعية في شرم الشيخ وطابا.
 
تلك ليست معركتك، وذاك الجندي المدجج بالسلاح القابع فوق أرضك ليس عدوك.. أعداؤك هم الذين يمنعون عنك الخبز لأنهم لم يقبلوا يد الخباز الذي يسطو على قمح أجدادك.. أعداؤك هم الذين ينفخون في رماد نكبة مرّ عليها سبعون عاماً. أعداؤك هم الذين لم تفتنهم خصلات شعر إيفانكا الذهبية، وسيقان زوجة أبيها.. أعداؤك هم الذين لم يتقنوا فن الانبطاح والإذعان والارتماء بالأحضان.نحو هؤلاء كان يفترض أن تصوّب مقلاعك، لتقلع أعيناً لم تر فيك سوى وقود لمعركة خاسرة.. ولك في هذا المقام أن تسأل عن عز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني، وأبي جهاد.. أين الذين ثاروا وهاجوا وماجوا؟ إنهم رفات مثلك الآن، وعظام نخرة في باطن أرض لم يستعيدوها بعنفهم وطيشهم.

 

فلدينا ما نفعله كدول لها وزنها وثقلها في المنطقة.. نقطع قالب حلوى احتفاء بالذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل، نطالب أشقاءنا الفلسطينيين بضبط النفس، ونبذل جهدا لفتح معبر رفح الحدودي

لو لم تستعجل الذهاب، لو أنصتّ لتحذيرات المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، لو لم تجتز السياج الأمني، لو لم تتقدم خطوة أخرى إلى الأمام، لو لم تزعج القناص الذي ضحى بإجازته الصيفية ليصون حدوده، لما أصبحت صورة في إطار، وذكرى في قلوب أصحابك. من يدري لربما كنت تخوض الآن نقاشاً حاداً في أحد المقاهي حول مباراة الكلاسيكو الأخيرة، وتجتهد في جر البراهين لتثبت أن الحكم تغاضى عن ضربة جزاء صحيحة.

 
قد تبدو مفارقة.. لكن حتى الحكم الذي يمثل العدالة، يتغاضى أحياناً عن أخطاء واضحة، ويكون ذلك لحكمة أو غاية في نفسه، فهل كان موتك ثمن إمعانك في السير على الحد الفاصل بين الصواب والخطأ؟ تلك لعبة الكبار، الذين يجيدون التلوّن والتلوي كأفعى وفق معطيات المرحلة، من أنت لتعفر مسار السلام المقدس؟ لست سوى رقم في قائمة طويلة تم شطبها من كتب التاريخ والتربية الوطنية. عما قليل ستنفضّ المظاهرات، وسيعود الشبان إلى بيوتهم، ويبقى والدك وحيداً تواسيه صورتك على الحائط.. عما قليل سيعود الجنود إلى زوجاتهم وستبقى زوجتك ثكلى إن لم تجد لها بعلا من بعدك.
   
أما نحن فلدينا ما نفعله كدول لها وزنها وثقلها في المنطقة.. نقطع قالب حلوى احتفاء بالذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل، نطالب أشقاءنا الفلسطينيين بضبط النفس، ونبذل جهدا لفتح معبر رفح الحدودي، للتنفيس عن المساكين المخطوفين في قطاع غزة. أما على الصعيد الاجتماعي، سنشارك بعد يومين في مزاد علني لبيع بكلة ذهبية من حدوة حصان ملكة بريطانيا الثانية إليزابيث الذي قتل مسموماً، كما نستعد لإعداد أكبر فطيرة تفاح بالعالم على أمل تسجيلها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

 

أما صاحب هذه الرسالة وليس من نقلها على لساني، فيستعد لتقديم مشروع التخرجّ للحصول على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية، وقد عنون أطروحة بحثه بـ "إسرائيل تحت قبة جامعة الدول العربية" يتحدث فيها عن ثمار التطبيع وضم إسرائيل لجامعة الدول العربية، ومدى انعكاس ذلك على الوطن والمواطن العربي، ودوره في إعادة تشكيل وصياغة الهوية العربية بما يضمن استيعاب أو استعادة أبناء العم الذين تعرضوا لظلم تاريخي وفق روايات أسطورية وضعتهم في خانة الأعداء لحقب زمنية طويلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.