شعار قسم مدونات

"دعه إنه صائم!".. كيف أخطاءنا فهم رمضان؟

blogs رمضان

يُوشك أن يهل علينا شهر رمضان الكريم، لكنني ما إن ألتفت حولي حتى أرى هلعًا وفزعًا ينتاب الكثيرين منا، حتى بدأت أشك في أننا مقبلين على شهر الرحمة، بل صرت أخال وكأنها الساعة قد آن أوانها، مشكلة الصيام والعمل؛ البعض يتسخط، والآخر يتضجر ويسب، وآخر مقبل على امتحان أو أي عمل يظل يلعن حظه السيء ذا! النساء قبل رمضان بأسابيع عديدة يبدأن في الاستعداد، بعضهن تطبخ وتخزن، والأخرى تقتني كل ما يلزمها حتى لا تضطر للخروج في نهار رمضان، من عنده مواعيد مهمة يحاول أن يؤجلها أو يلغيها، ومن اشتغل ياليته ما اشتغل، يظل اليوم بطوله يسب بسبب وبدونه، ومن عنده عمل يطلب تأخيره، إنه رمضان الشبح قادم، حيث التعب والملل؛ الإرهاق والكسل؛ كل فعل يصبح مبررا تحت ذريعة "دعه إنه صائم" في النهار ننام نومة الموتى، وفي المساء سهر وسمر على الشواطئ حيث تنخفض درجة الحرارة، أليس هذا حال معظمنا اليوم؟

الكثير لا يؤدي صلاة الظهر ولا العصر في رمضان، بعدما كان قبل ذلك هما الوحيدان اللذان يؤديهما في وقتهما ربّما، في المساء بعدما يملأ بطنه يضع سجادة على كتفيه يأخذ قنينة ماء ويؤم المسجد، يختار مكان خارج أسواره حتى يتجنب لفح الهواء الحار داخله وزحمة المصلين، ويؤدي _إن صبر_ ركعتان مع الإمام، وينصرف مخافة أن تفوته حفلة السمر مع الأصدقاء، وعندما يذهب يظل يردد، "أووف ما أمل هذا الإمام كم يطيل؟ يا أخي قرب الفجر وهو لم ينته من الصلاة.. وما هذا الصوت!…"، إننا ننتظر رمضان للأسف ليس لنتغيّر، وليس لنتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، بل لنغيّر روتين الحياة لا أكثر، فنمط الحياة لا يتغير طوال السنة إلا في هذا الشهر، أهذا رمضان الذي ننتظر؟ أهكذا كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم رمضانه هو وأصحابه؟ أهذا رمضان الذي يمكن أن يُنزل الله فيه علينا الرحمة؟ سل نفسك.

في رمضان حاول أن تنجز كل ما استعصى عليك، فيه حاول أن تبحث عن كل فقير أو محتاج وأعنه قدر ما تستطيع، دعك من الصور والإشهار، قم بعملك خالصا لوجهه الكريم

في رمضان يكون اتصالنا بالله غير منقطع، وأما اذا انتهى فلا يبقى اتصالنا به إلا عبر اثنين هما: القرآن؛ والصلاة؛ وجعل هذا الشهر شهر اتصال بالله لأنه المفروض شهر القرآن والقيام، وليس شهر التفنن في المأكولات الجيدة، وشهر الفرجة الممتعة، بل هذا من الشهور القلائل التي جعلها الله فرصة لعباده ليناجوه فيها، في رمضان تفتح للإنسان أبواب السماء، وفيه تصفّد الشياطين؛ وفيه تنزل ملائكة الرحمان، في رمضان ترفع أعمال العباد، وفيه تضاعف الحسنات، في رمضان فرصة للمذنبين ليستغفروه ويؤوبوا إليه، وفيه فرصة للمنيبين ليتقربوا أكثر إلى ربهم ويتقوه حق تقاته، إنه شهر العبادة، وشهر التقرب، وشهر الشكر، وشهر المغفرة، وشهر التوبة، وشهر الرحمة، إنه شهر المسامحة، وشهر التواد والتراحم، شهر المؤانسة بالله، إنه شهر الذكر والقرآن، وشهر القيام، وشهر التهجد أليس كذلك؟.

لكن هل نعرف أيضا أنه شهر الانتصارات العظيمة للمسلمين، وشهر الفتوحات الكبرى كذلك التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، في رمضان انتصر المسلمون في كبرى المعارك، وفي رمضان فُتحت لهم أعتى الحصون، وفي رمضان هُزمت جيوش جرارة أمامهم، وفي رمضان حُطمت مدن للطغاة المستبدين، وفيه كانت انتصارات جميع الأنبياء والمرسلين، وفيه أنزل الله على رسله جميع كتبه، في رمضان استجاب الله لكثير من أدعية المظلومين والمقهورين، وفيه أباد وخذل كل من اعتدى أو تجبر في الأرض بغير حق مبين، إنه رمضان شهر البركة التي غاب مفهومها في هذا الزمان.

كم من عالم ألف كُتبا عظاما في رمضان، وكم من أمر مستعص يسره الله على أصاحبه في رمضان، كم من مهام عِظام أُنجزت في هذا الشهر الكريم، كم من واحد يسر الله له حفظ وختم كتابه في هذا الشهر فقط، كم من علوم دُرّست وفنون فهمت في هذا الشهر فقط، أتعرف أن معركة بدر، ومعركة عين جالوت، ومعركة فتح مكة، ومعركة، وادي لكة في فتح الأندلس…وغيرهم كثير، أتعرف أن كل هذه المعارك كانت في رمضان، عد اقرأ عنها لتعرف أهمية تلك المعارك في تاريخ المسلمين، لو اطلعت على ما أنجز المسلمون في هذا الشهر العظيم لما تركت منه ثانية تفوتك بذل أن تعتبره عبئا وتنتظر انتهاءه بفارغ الصبر.

الإنسان المؤمن الفطن هو الذي يقتنص الفرص للتقرب إلى ربه، فليست جميع الأيام سواء عند الله، كما أنه ليست جميع الشهور ولا الأعوام
الإنسان المؤمن الفطن هو الذي يقتنص الفرص للتقرب إلى ربه، فليست جميع الأيام سواء عند الله، كما أنه ليست جميع الشهور ولا الأعوام

يقول بعض العارفين، إن لعمر الإنسان امتدادان، إمتداد أفقي وآخر عمودي، الامتداد العمودي لا دخل للإنسان فيه، فالله قد قدر للإنسان أجله، كما قدر له رزقه وعمله وكل شىء، لكن العمر الأفقي هو الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يطيل عمره باغتنام الأوقات المباركة، ولعل ذلك هو معنى المباركة في العمر، فكثيرا ما نجد هناك من عاش سنوات معدودة لكنه قام بأعمال يعجز عنها غيره ممن عمّر في الأرض، نعم ليس العبرة بكم عشت بل العبرة كيف عشت، ولتستغل هذا العمر القصير عليك باغتنام الأوقات التي فيها يعظم أجر الله.

الإنسان المؤمن الفطن هو الذي يقتنص الفرص للتقرب إلى ربه، فليست جميع الأيام سواء عند الله، كما أنه ليست جميع الشهور ولا الأعوام، فالله فضل بعض الأيام على بعض، وبعض الشهور على بعض، فهذا رمضان أقبل، اغتنمه قم في الليل وحدك، ناجي الله في سكون وهدوء، وادع لإخواننا المظلومين في الأرض، ولا تنس أن تطلبه أن يخلصنا من هؤلاء الذين خذلوا الأمة العربية والإسلامية، أدعه أن يرفع عنا البلاء، كما لا تنسى أن تهمس في سجودك " اللهم لا تؤاخذنا بما فعل سفهاء الحكام منا".

في رمضان حاول أن تنجز كل ما استعصى عليك، فيه حاول أن تبحث عن كل فقير أو محتاج وأعنه قدر ما تستطيع، دعك من الصور والإشهار، قم بعملك خالصا لوجهه الكريم، في رمضان اشغل وقت فراغك بالقراءة والكتابة أو مارس كل ما تحب.، ووقت عملك بالذكر والاستغفار، حاول أن تنجز في هذا الشهر كل ما ترغب فيه، لا تدع دقيقة تضيع منك في هذا الشهر الكريم، صدقني لست أنا ولا أنت متأكدين أن نحظى بفرصة كهذه في السنوات القادمة، وتذكر أن فيه ليلة هي بألف شهر!.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.