شعار قسم مدونات

مؤشرات البوصلة القطرية.. أيقونة الجزيرة نموذجاً

blogs الجزيرة

في الوعي الجمعي للإعلام العربي مرت التجربة السماعية بمحطات عديدة، إلى أن جاء زمن الصورة والصوت معا، فكان لزاماً أن تبدأ التحولات الجديدة بافتتاح محطة الجزيرة الرأي والرآي الآخر عام 1996، ولك أن تتوقف متأملاً الدلالات التي تعنيها سنديانة الجزيرة وأيقونة العروبة.. أصالة في الوجه واليد واللسان، فهي لؤلؤة ذهبية تغوص في عمق المياه بحثاً عن الأفضل، ينبض قلبها بمآسي المسلمين يحمل هموم مهاجري الأوطان في مياه المتوسط، وضحايا النزاعات والصراعات الدائرة.

إن براعة غواصي اللؤلؤ ما كانت لتكون لولا عزيمة الأجداد ونبوغ الأحفاد ساعين في سبيل العلياء والرفعة في دوحة العز، ولقد جاءت الجزيرة كشاهدة على العصر بنكساته المتتالية التي تصف مقدار تهتك النسيج الفكري للمواطن العربي من جراء إرهاقه بمتطلبات الحياة اليومية، بدءاً من رغيف الخبز وانتهاء بشربة الماء، لينعكس كل تلك الهموم على بواعث السلوك القومي في حالة الردة والانتكاسة التي نشهدها الآن متألمين.

واليوم وفي عالم متطور يشهد تحولات كبرى تقنية وعلمية، من الواضح أن بؤرة الاستثمار ينبغي أن تنحصر في الإنسان، الذي هو الخيار الأكثر جدوى في مسيرة رقي الأمم، ولذا فلا يمكن أن يشكل التطور العمراني شيئاً، ما لم ينعكس على قيادة الفرد للبيئة من حوله، وإذا تقدم الإعلام في مهنيته ومصداقيته فقطعاً سيصنع الآفاق المستقبلية بحرفية وواقعية.

بات من الواضح أن القيادة القطرية أصبحت الآن أمام امتحان عسير للثوابت الكبرى، فإما أن تسير في حلفها المقدس مع شرفاء الأمة، و إما أن تتزحزح، ونحن نراهن على دوحة العز المتمسكة بثوابت الأمة

وقد جاء التحامل على دوحة العز جراء الوقفة القطرية الصادقة تضامناً مع قضايا الأمة في ميادين عدة، وجراء توظيفها السليم للثروة في تبديد هموم الإنسان وآلامه انتصاراً لشعارها مع الإنسان أينما كان، واتساقاً مع كلمات النشيد الوطني القطري:

قسماً بمن رفع السماء
قسماً بمن نشر الضياء
قطر ستبقى حرة تسمو بروح الأوفياء

فروح الوفاء للأمة تتضح من مسار البوصلة القطرية الساعية للنهوض بالاقتصاد المعرفي الإنساني مقدما على المعماري، كما أن الريادة في نطاق التربية والتعليم أصبحت يشار لها بالبنان وفق أرقى المقاييس العالمية المتعارف عليها، وعليه ينحاز العرب الشرفاء للبوصلة القطرية المطلة على مآسي فلسطين والعراق والشام وأفريقيا، بخلاف مؤشرات الطغاة التي تجيء تكراراً لقصة أصحاب البستان الطامعين في التمتع بالدنيا قبل أن يعكر صوفهم أولئك الفقراء الضائعون.

 

لذا ليس من العجيب سرعة الهجوم على دوحة العز، والانقضاض عليها لأمر دبر بليل، فهي التي عملت بهدوء يحسدها عليه القريب والبعيد، فكان أن استجلب هذا الأداء السياسي الفذ وقفات المؤازرين في شتى بقاع الدنيا تضامنا مع دوحة العز التي هي الأشد حرصاً على عدم تبديد ثروات الأمة، وحتما فإن مساعي الإصلاح ستؤتي أكلها ولكن دون اشتراطات تهدف لتحجيم نفوذ الدوحة العروبي، أو تهميش بوصلتها التي ترنو صوب فلسطين، وممارسة الضغوط عليها لمساندتها حركات التحرر في أي بقعة من هذا العالم.

بات من الواضح أن القيادة القطرية أصبحت الآن أمام امتحان عسير للثوابت الكبرى، فإما أن تسير في حلفها المقدس مع شرفاء الأمة، و إما أن تتزحزح، ونحن نراهن على دوحة العز المتمسكة بثوابت الأمة ومساعي بناء منهجية البحث العلمي ومسيرة النماء في ميادين ريادة الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية والاستكشاف، بعيداً عن تخبطات عقلية قيادة القطيع وجنون العظمة الظاهرة للعيان في المحيط العربي، وعليه نلاحظ تعدد المنابر الإعلامية  القطرية التي عملت على التوظيف الأمثل للموارد في  الاستثمار الموجه لصياغة وصناعة الإنسان العربي التقدمي النبيل.

ويتضح تفسير مشهد اللؤلؤة في عمق المياه تغوص نحو أسانيد الحرية والديمقراطية وتأسيس المجتمع المدني، وإقرار حزمة حقوق الإنسان، ونحت دروب الحرية في دفاع مستميت عن مرجعيات الأمة. إن لؤلؤة الجزيرة تحفزنا لنكتب بخفقات القلب ودمعة العين وحرقة الشوق وحنين المهاجر وتلقائية القروي وبساطة الضعفاء وقوة المثالي. وإذا كان لون الدوحة العنابي يقلق أحدا، فلن يقلق إلا من استمرئ خيوط النفاق في سجادة مساجد الضرار، وطالما اللؤلؤة تتغلغل في عمق المياه في محيط واد غير ذي زرع، فإن ضمانة ديمومة الرأي والرأي الآخر ستتواصل في المشهد العربي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.