شعار قسم مدونات

الإسلام والتغريب.. كيف أكون جزءا من المعادلة؟

blogs لابتوب

كثيرا ما تمرّ عليّ تدوينات متميّزة بعيدة كلّ البعد عن التّفكير السّائد السّطحي الّذي، وللأسف، يسود مجتمعاتنا العربية. فالتّدوينات الّتي تعطي القضايا أبعادها الحقيقية وتصوّر العالم الإسلامي كجسد واحد لا تعني سوى أنّ كتّابها واعون مدركون لحقيقة ما نمرّ به، والأهمّ أنّهم يفهمون الأخطاء ويميّزون الطّريق الصّائب من الطّريق المهلك، وهم بهذا كنز للعالم الإسلامي! ولهذا عليّ أن أطرح هذا السّؤال: لماذا تدوّنون؟ الإجابة على هذا السّؤال جعلتني أبتعد عن مجال الكتابة سنوات مع أنّني كنتُ قادرة على القيام بمحاولات نشر في مواضيع مختلفة. وكوني أحاول دخول عالم التّدوين الآن لا يعني أنّني وجدتُ الإجابة على هذا السّؤال، إنّما صمت السّنوات والشّعور بالعجز والقهر هما ما جعلانني أحاول بشكل بائس أن أنفّس كمّا يكمن بصدري علّني أشفي آلامه، ولستُ أدري إن كان هذا السّبب كافيا لأخرج عن صمتي. لكنّ التّساؤل الأهمّ والّذي أطرحه على نفسي هو: كيف أكون جزءا من المعادلة؟ كيف عليّ أن أحدث التّغيير إن كنتُ أرى نفسي واعية بمشاكل أمّتي وبأخطائها القديمة والحالية؟ وأتمنّى أن أطرح هذا السّؤال على أولئك المدوّنين الواعين بحقائق الأمور، لماذا لا تكونون جزءا من المعادلة؟

 

في تدوينة قرأتها لمحمّد إلهامي بعنوان "ما الّذي ينقص الحركات الإسلامية لتنجح؟"، ذكر الكاتب أنّه من بين أهمّ الأسباب لفشل مختلف الحركات الإسلامية الّتي قامت كان جهلها إن صحّ التّعبير. فقيام الحركة الإسلامية على الدّين وحده لن يعينها على المواجهة والفوز على كيد الأعداء في الدّاخل والخارج. على قادة الحركات الإسلامية أن يكون لهم رصيد قويّ من مختلف العلوم وإلمام بالسّياسة وتعقيداتها. نحن في زمن تغرّبنا فيه عن إسلامنا، فالصّابر فيه على دينه كالقابض على الجمر، لكنّ هذا الجمر لن ينفعنا بشيء إن لم نجعله جذوة تساعد على اشتعال فتيل الإسلام في أنفسنا أوّلا، ثمّ في أمّتنا.

 

وأن تكون محافظا على دينك هو أمر ينفع دنياك وآخرتك، لكن أن تكون محافظا على دينك وواعيا بمشاكل أمّتك فهو يعني أنّك من النّخبة. ما يميّز هذه النّخبة ويجعلها قادرة على إحداث التّغيير المطلوب هي اختلافات أهمّها: أن تكون كافرا بالقومية، وحينما أستخدم كلمة كافر فهذا يعني أنّك مستعدّ لأن تقف مع أيّ مسلم أيّا كانت جنسيته ضدّ أيّ فرد من دولتك بل ومن أقربائك، طالما الحقّ مع ذلك المسلم؛ وأن تكون مؤمنا بأنّ الإسلام دين شامل قادر على صنع دولة إذا ما تمّ تطبيق شرائعه بشكل صحيح؛ وأن تكون قادرا على الانفلات من الجمود الدّيني الّذي جعل العالم الإسلامي يتخلّف عن مواكبة القضايا الفاصلة؛ وأن تكون حرّا من العادات والتّقاليد وتأثير الثّقافة الغربية، فلا تخضع إلّا لأوامر ونواهي الله ورسوله؛ وأن تدرك أنّ نصر الله لهذه الأمّة لا يحتاجك، إنّما أنت من تحتاجه لأنّك محاسب على خذلانه.

 

حينما رُفعت الهمّة لتغيير الحال لم يفعل صلاح الدّين ذلك وحده، كما لم يكن للجماهير دخل في ذلك، بل كانت نخبة تمّ إعدادها
حينما رُفعت الهمّة لتغيير الحال لم يفعل صلاح الدّين ذلك وحده، كما لم يكن للجماهير دخل في ذلك، بل كانت نخبة تمّ إعدادها
 

ورغم أنّني وجّهتُ سؤالي هنا للمدوّنين فهو سؤال أوجّهه لكلّ مسلم واع، إن كنت تجد في نفسك الصّفات الّتي ذكرتُها فأنت مختلف، أنت من يجب أن يحدث التّغيير وليس الشّباب المذبذبين بين الإسلام وبين مفاهيم الغرب البرّاقة في أعينهم، ولا المشايخ الّذين يغلقون أنفسهم في دائرة القضايا الفردية للمسلمين. لكن أن تملك هذه الصّفات ثمّ تظنّ أنّها كافية على جعلك مؤهّلا لتكون من ضمن النّخبة القادرة على إحداث التّغيير هو غباء وحماقة. فكما قلتُ من قبل، الحركات الإسلامية ارتكبت حماقات من هذا النّوع أيضا لذلك قد حُكم على تجاربها بالفشل، هذا عدا أنّ تلك الحركات لم تكن تملك الصّفات الّتي تجعل من أفرادها واعين بحقّ. فالتّغيير الحقيقي لن يكفيه الدّين فقط، بل يحتاج لمهندسين وعلماء اجتماع وخبراء حاسوب وغيرها من العلوم الّتي تجعل التّغيير قويّا يصعب اختراقه.

إذن ما ينقص المعادلة هنا هو أمر واضح وضروري، وهو أن تتعلّم. قد لا تكون قادرا على الإلمام بمختلف العلوم وحدك لكنّك تستطيع أن تتعلّم علما واحدا تتقنه لتجد لك دورا في اللّعبة. ما يحتاجه التّغيير لينجح ليس خروجا عشوائيا إلى الشّوارع بينما تتكفّل قوى خارجية بتحريك الجماهير الخارجة على هواها، فترك أمر التّغيير بيد العامّة هو أمر خطير لأنّهم سينتظرون من يقودهم، وإن لم يوجد ذلك الشّخص القادر على قيادتهم فإنّهم سيكونون قوّة في يد العدوّ يحقّق من خلالهم ما يريده في العالم الإسلامي. أليس هذا هو نفسه مفهوم الدّيمقراطية المزيّفة الّتي يطبّل لها الغرب وكأنّها حقيقة؟ فحتّى في بلدانهم لا يوجد ما يُسمّى بحكم الشّعب، بل هناك دوما من يوجّه هذا الشّعب إلى الاتّجاه الّذي تريده القوّى الكبرى، وصار هذا جليّا مؤخّرا بعدما كان خفيّا يوهم النّاس أنّ الشّعوب في الدّول الغربية تقوم باختيار حاكمها بحرّية.

التّجارب الإسلامية الماضية والّتي أحدثت تغييرا بعد أن يئس المسلمون منه سارت أيضا على نفس هذا المسار، وأحبّ دائما ذكر تجربة صلاح الدّين الأيوّبي. فحينما رُفعت الهمّة لتغيير الحال لم يفعل صلاح الدّين ذلك وحده، كما لم يكن للجماهير دخل في ذلك، بل كانت نخبة تمّ إعدادها بحرفية كبيرة إعدادا من مختلف النّواحي، فلم يتمّ إغفال الجانب القتالي ولا الجانب التّكتيكي ولا الجانب الدّيني، فكانت بذلك حركة مباركة استطاعت أن تعيد بيت المقدس بعد أن أخذت بأسباب النّصر كما ينبغي. ونحن لا ندري إن كنّا سنرى هذا النّصر بعد أن مرّت حوالي مئة عام على سقوط عبد الحميد الثّاني ذلك السدّ المنيع للخلافة العثمانية، لا ندري هل حان وقته أم أنّه ستمرّ عقود أخرى وسنكون قد اختفينا من على هذه الأرض. لكن الفطن هو من يستعدّ دون أن يضع حسابات كهذه، فإذا ما جاءت الفرصة الّتي ننتظرها جميعا، سيكون جزءا مهمّا منها بدينه الصّحيح وبعلمه القادر على مواجهة الفشل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.