شعار قسم مدونات

مقاومة التغيير قد تدمر مشروعك للأبد..

blogs - مشروع
"نحن لم نفعل أي شيء خاطئ،، لكن بطريقة ما خسرنا" كانت هذه الجملة الأخيرة التي ختم بها الرئيس التنفيذي لشركة نوكيا كلمته، في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن قيام شركة ميكروسوفت بشراء شركة نوكيا، وهي عبارة تؤكد أنك لست بحاجة للخطأ حتى تخسر موقعك، أو مكانتك، أو تتراجع عن صدارتك، أو أن تفقد أهميتك، فقد تخسر كل ذلك بل وأكثر منه وأنت تفعل الصحيح بشكل تقليدي كما ورثته عن الآباء والأجداد، بعيداً كل البعد عن الخطأ، فليس الخطأ وحده من يقودك إلى الخسارة، بل قد يقودك إليه الصحيح الذي جمدت عليه، في لحظة غفلت فيها عن حركة الحياة الدؤوبة من حولك، ونسيت التغيير المستمر الذي يجرى في محيطك، الأمر الذي تغيرت فيه الأدوات، وتطورت معه التقنيات، وتعددت فيه الوسائل، وتنوعت الأذواق، وحافظت أنت فيه على صحيحك كما كان، ظناً منك أنه محصن، فيكفيه أنه صحيح، إن لم ترتق به إلى درجة المقدس، الذي لا يجوز تجاوزه، ولا يقبل نسيانه،، لتكتشف لاحقاً وبعد فوات الأوان أنك تخسر وتخسر، رغم أنك لم تفعل شيئاً خاطئاً.
 
أن تكون على الصواب أمر حسن لكن ليس معنى هذا أن تكون في الصدارة، تتقدم الصفوف، وتضمن الربح في معاركك، أو لنقل في الساحات المختلفة التي تناور فيها وتنافس، فأن تفعل الصحيح لا يضمن لك الفوز والنجاح، فقد تخسر وأنت تتمسك بموقعك الموروث الصحيح، ظناَ منك أنه سبيل النجاح والفوز والرشاد. باختصار جمودك على تاريخك الصحيح، وسعيك في رحابه، ودورانك في فلكه، وتدبيج الخطابات في بيان سبقه ونصاعته، ورسم اللوحات التي تظهر تصدره وتقدمه وعظمته وشموخه، كلها مواد لم تعد سبباً مهماً من الأسباب التي توصلك للنجاح، والمحافظة على تصدرك وتقدمك.
 

لقد تغير الزمن الذي كان يؤمن فيه أبناؤه بمقولة السمع والطاعة، من غير نقاش أو تردد، أو قناعة، نعم لقد تغير الزمن الذي كان من السهل أن تفرض فيه حصاراً تربوياً على البعض
أنت تعيش اليوم زماناً ليس مهماً فيه أن تخطئ، أو ترتكب المصائب حتى تفشل وتذهب ريحك، بل يكفيك اليوم لتخسر رصيدك من النجاح، وتذهب ريحك، ويطمس أثرك، وينسى ذكرك، أن تجمد على ما كنت عليه، وأن تبقى حيث كان آباؤك وأجدادك، أسلوباً ووسائل وخطابات ومفردات، وأدوات، رغم أنها كانت صحيحة، وما زالت كذلك، لم تفقد صحتها، غير أنها لم تعد هي اللغة المسموعة في زمن متغير، وليست هي الأداة المقبولة في زمن متطور، وليست هي الوسيلة المرغوبة في زمن اختصرته الوسائل، واحتوته التقنيات. نعم، حين يخلع الزمن جلباب الآباء والأجداد، أو لنقل حين يخلع الحاضر جلباب الماضي، يصبح من العبث أن تبقى قابعاً في زوايا الماضي، لأنه فقط صحيح، تستجدي حضوراً فاعلاً في الواقع، أو تأثيراً في بناء المستقبل.
 

باختصار "الصحيح" بحاجة ماسة حتى يبقى متصدراً الصفوف، متقدماً بقوة، له حضوره الفاعل، ومكانته المحترمة، أن تبحث له عن اللغة المناسبة لزمانه الجديد في مفرداته وخطابه وتعبيراته، وأدواته المقبولة للأجيال الجديدة، ووسائله التي تسهل الوصول لهذه الأجيال، أو لنقل الوسائل التي باتت تسيطر على وقت هذه الأجيال وعقولها، ففي الوقت الذي تسجل هذه الأجيال حضوراً فاعلاً وقوياً في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه تسجل غياباً منقطع النظير في كثير من محاضن التربية ودور العبادة، يعتبر أكبر خسارة لدعاة الإصلاح والتغيير والتربية أن يبقوا هناك، في محاضن التربية والعبادة التقليدية الشبه مهجورة، حيث تشكو من قلة الزوار، والذين إن فعلوا لا يمكثون بها طويلاً، فقد تغير الزمان الذي يسند فيه الشيخ ظهره للحائط، كي يلتف حوله مئات الطلبة، الذين يتزاحمون في مجلسه، في يد كل منهم قلمه وكراسته كي يدون فيه أقواله، ويرصد حركاته، وبعد ذلك يسابق الآخرين لتقبيل يده.

 
نعم لقد تغير الزمن الذي كان يؤمن فيه أبناؤه بمقولة السمع والطاعة، من غير نقاش أو تردد، أو قناعة، نعم لقد تغير الزمن الذي كان من السهل أن تفرض فيه حصاراً تربوياً على البعض،، في قراءاته أو متابعاته أو معارفه أو ثقافته،، لقد تغير زمن الشيوخ والمريدين والأتباع، إلى زمن الشركاء في المسؤولية، الشركاء في البناء، الشركاء في التغيير، الشركاء في الحاضر والمستقبل، نعم لقد ذهب زمن الأبوة والمشيخة إلى غير رجعة،، فمن كان يعيش في ذاك الزمن الذي تغير، ويصر على البقاء قابعاً في زواياه، لأنه موروث صحيح، لا شك أنه سيخسر، وسيخسر كثيراً، لأنه باختصار يعيش في زمن متغير متطور، وهو كائن جامد لا يتغير، وفي هذه الحالة سيتجاوزه القطار ويفوته.

 
والأمر هنا، ليس محصوراً في الأفراد، أو في الشركات والمؤسسات، بل يسري قانونه على الجماعات والأحزاب، كما يسري على الدول والممالك، سواء بسواء. فكل جامد لا يتغير في زمن متغير لا شك أنه مندثر. فليس شرطاً أن تخطئ كي تخسر، وليس شرطاً أن تربح إن كنت صحيح الرأي والوسيلة والغاية والهدف والمنهج، فقد تخسر لأنك لم تتغير، فإن رمت الصدارة والربح اجعل صحيحك متطوراً متغيراً، اكسه لباس زمانه، واختر له مركب وقته، وخض به غمار التجديد بلا تأخير أو تأجيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.