شعار قسم مدونات

رواية الخبز الحافي.. أن تكتب بالرصاص

مدونات - محمد شكري
إن الكلمة كالرصاصة فهي تنطلق دائما لتصل هدفها في ثبات ووجه شبه بينهما أن رصاصة تخترق القلب لتستقر فيه أما كلمة فتخترق القلب والروح لترسم فيها آثر نادر ما تمحيه السنين ولذلك وعلى مر الزمن كان الذين يحملون القلم أكثر رهبة وسطوة من أولئك الذين اختاروا لأنفسهم تمشق البنادق. قيل "قوة الكاتب ليس فأن يصف نزول المطر بل أن يجعلنا نشعر أو نسمع صوتها وهي تنزل على الأرض". الذين يحملون القلم ويصفون وينقلون واقعهم بكل دقة أولئك دائما كانوا أكثر مؤلفين نجاحًا فالقوة ليس أن تنقل الأشياء الجميلة من الواقع إلى الكتاب أو الرواية أنما القوة أن تنقلها بكل تفاصيلها القبيحة إلى الكتاب ليقرأها الجميع فقط لكي يدركوا قبحه ولكن بطريقة إبداعية.

 

يقول الروائي المغربي محمد شكري أنا أكلت من القمامة ونمت في الشوارع فماذا تنتظرون مني أن أكتب عن الفراشات؟؟ ومحمد شكري هذا الكاتب والروائي صعلوك مدينة طنجة المغربية هو مثال عن هؤلاء. فالرجل الذي تعلم الكتابة في سن العشرين يتمتع بأسلوب كتابة أقل ما يقال عنه أنه خارق ولن يتكرر، يصفه أحد النقاد "محمد شكري يكتب شفرة حلاقة" وتعتبر سيرته الذاتية من الروائع الخالدة في الأدب العربي هذه السيرة التي اختير لها اسم "الخبز الحافي" في جزئها الأول.
 
في رواية ينقل محمد شكري تفاصيل حياته بكل دقة فيتحدث عن سنوات الجوع والفقر والهجرة إلى المدينة عن فقدانه لخاله بسبب المجاعة وكذلك أخيه الذي مثل موته منعرج هام في حياته خاصة وأن شكري يقول في رواية أن أباه هو الذي قام بقتل أخيه في لحظة غضب وهنا يكشف الكاتب عن جانب مظلم من حياته وعلاقته بأبيه هذه العلاقة الغير طبيعة التي من المفروض أن تكون بين أب وأبنه حيث يعبر محمد شكري في رواية عن مدى كرهه لأبيه الذي كان يراه وحشًا وشخص عاطل ولا يصلح لأي عمل ويصل حد الكراهية درجة تمنيه الموت له هذه العلاقة الغير مألوفة بين الأب وأبنه والتي ترجمها محمد شكري نص أدبيا رهيب في شكله مربك في معانيه شكلاً منعرجًا كبيرًا في كتابته شدة أليه النقاد الذي عكفوا على دراسة هذه ليسوا هم وحدهم بل حتى الباحثين في علم النفس.

 

undefined

 
في الجزء الأهم من روايته يتحدث محمد شكري عن طفولته الرمادية التي عاشها يتصارع مع قطط المزابل من أجل الفوز بحاوية قمامة جيدة يجد فيها ما يشبع جوعه يقول معبرًا عن قيمة الطعم في زمن الجوع والخصاصة "في زمن الجوع لا يوجد خبز سيء" هذه الطفولة التعيسة التي عاشها متشرد بين أزقة مدينة "طنجة" التي عاشقها عشق جاوز الخيال فهي التي نحتت شخصيته وعمل فيها بائع خضروات في السوق وصانع في أحدى المقاهي أين تعلم في سن مبكرة تدخين "الكيف" وهو نوع من المخدرات المحلية وشرب الخمر ثم تحول بعد ذلك لعامل في مصنع لطوب ونهاية يحترف السرقة في محطات القطار والأسواق الأسبوعية رفقة مجموعة من الصعاليك الذين يحكمون تحت زعامته الأزقة الخلفية المظلمة ويخضون المعارك الحاسمة من أجل فرض سيطرة يذكر محمد شكري براعته في خوض المعارك مع خصومه وبراعته في استخدامه لشفرات الحلاق حتى أنه يذكر أنه في أحد معارك قام باستعمالها ضد خصمه وخرب له وجه تارك له ندب استمر معه لبقية حياته .
 
ومن طفولة مشاغبة إلى مراهقة مليئة بمغامرات يصفها شكري بتفاصيلها الدقيقة وخفيها الممتعة هذه المغامرات التي مرة من بيوت دعارة لتصل للحانات الحانات التي كتب فيها روايته يقول أنه كتب روايته في الحانات ويعتبر أن أحسن مكانين للكتابة الحانة والمقبرة ولربما لأن هاذين المكانيين من أكثر الأماكن التي يصبح فيها البشر أقل إزعاج لبعضهم البعض ممكن إذا استثنينا الحانات في بعض الأحيان وتستمر رواية ومن ورائها محمد شكري في طرح ملحمة سردية وصفية رهيبة قلما أن تتكرر ورواية "الخبز الحافي" هي عبارة 228 صفحة من الإبداع الأدبي هذا الإبداع مقرون بالمعاناة ومحمد شكري مثال للذين يكتبون بالرصاص وبشفرات الحلاقة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.