شعار قسم مدونات

"سكاسيك هَشة".. كهشيمٍ تذروه واشنطن

BLOGS السكسوكة

اللحى لم تنبت في وجوه الرجال جمالاً فقط! لطالما أراد الشَعرُ أن يُحدثَ جنسنا بذلك لكنهُ عجز، حتى هشَ حاله وتردى فكتب على وجه أحدهم ليخبرهم أن اللحى في ساجية العرب كانت تَضمُ في معناها أكثر من شعرٍ يُهذبهُ حلاقٌ بمقصٍ بالٍ أمامَ مرآةٍ مُلمعة إلا من ذُلِ ساكنها.. فتَقصفَ بالعربية قائلاً:

 

صُهَابِيَّـةُ العُثْنُونِ مُوْجَدَةُ القَـرَا بَعِيْـدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوَّارَةُ اليَـدِ.

وأظنهُ في البيت السابقِ أدركَ ضمن ما أدرك! أن العثنون هو المشكلة، والعثنون وصفٌ أطلقهُ العربُ قديماً على شعر سور الذقنِ الأسفل للتيس، ثم انحدر دلالةً للمال فباتَ رؤوسُ العربِ ومالكي أموالهم وأمرهم ينتعلونَ ذلك الشكلِ في وجوههم فانحدر من تيوسِ القطيعِ إلى تيوسِ العرب وبات يُسمى في مسماه الوظيفي "سكسوكة". و"السكسوكة" أو العثنونُ فصاحةً، ترافقها عباءةٌ مٌذهبةٌ وثوبٌ مكويٌ بدقة! ككيِ قلب شائبٍ يمنيٍ أرداهُ جوعُ أطفالهِ حتى باتَ يتحسسُ قلبهَ ليعلمَ أن أمراً مُريباً يحدث، ويرافقها ريحُ عودٍ أو "كامبودي" شُقَ له الغبارُ! أشترطَ قبلَ شقهِ أن مدى نفحهِ بطولِ ممرٍ الهواةِ ورفقاءِ التبعيةِ في البيت الأبيض، وكان الأمرُ يستحقُ هذا الشرط القاسم! فالحجرةُ ذات الكرسيين والرئيس المتسلط وموقد النارِ البارد، كجرفِ "طي" أو كَحرِ ربعٍ خالٍ إلا من رماله والنفط، يوقد الحرَ في النفسِ والعرقَ فوق الجبينِ والمالَ من الخليج.. 

تلك السكاسيك المنمقة لم تكن ذاتها التي أحيت الجهاد في نفس الأمة ودفعت فاتورة الحرب في أفغانستان من دمٍ ومالٍ ومتاجرةٍ بالدين لهزيمة الاتحاد السوفيتي أنذاك لصالح الولايات المتحدة، ثم عادت بعد أعوامٍ لتنقلبَ على موروثِ أشنابِ الأسلافِ وتقودَ ذات المجاهدين إلى صالة العرض والسينما وحفلات النور الساطع في ليلِ ديننا الداكن، لم تكن ذاتها التي خانت العراق بضرب أسعار النفطِ بعد الحصار لضرب اقتصاده، لم تكن ذاتها التي دفعت فاتورة حرب الخليج على "صدام حسين" عام 1991، لم تكن ذاتها التي خانت العراقَ عام 2003 ومولت الحرب وفتحت الحدود الجوية والبرية والبحرية لتخومِ الجيش الأمريكي الغازي للبيوت العراقية والماجدات العراقيات.

 

تلك السكاسيكُ هشة لدرجةِ أنها وعلى مدى الأربعينَ عاماً الماضية، كانت تنعمُ بالحليفِ الغربي والمال العائم، ورغم ذلك كان أكبر إنجازاتها الصناعية والتقدمية هي شركة ألبانٍ

لم تكن ذاتها "السكاسيك" التي ألهاها سباقٌ للإبلِ عن العراق حتى بات بين منكبي إيران يجلس يختلسُ النظرَ للإبل ولرعاتها وهم يتطاولون في البنيان.. لكنها ولأن الذل والخيانة موروثٌ كطبيعة الشعرِ وكثافة السكسوكة! كانت هذه السكاسيك هي التي خانت الشعب السوري فدعمت واستضافة حتى تورط! ثم تركته جيفةَ بغلٍ دسمٍ في حوضِ ضباعٍ تتقاسمه محافظةً محافظة أو كتفاً كتف! ولما أرادت العودة إلى ترقوة الجيفة استدارت نحو تركيا التي تمنع تقسيم سوريا حتى هذه اللحظة وقالت قفي، وحتى مع أنها قالت.. فالقافلة سائرة مهما زئرت الأسود!

 

ناسيةً أو مستنسيةْ مغلوبةٌ على أمرها يصاحبها الخوفُ على العروش، أن الغرب حينما تقرب من العربِ ووضعهم في واجهة آخر خلافةٍ إسلامية وهي الدولة العثمانية، عاد بعد ذلك ليتقاسم تَرِكَتَها وقَسمها دولاً وقبائلَ لتتعارفوا أو لتتعاركوا.. هذه السكاسيك تعدت في تنازلاتها شرفها، هي تنازلت عن القدس حتى.. تلك السكاسيك هشة رغم أنها تثقلُ كاهلَ الشعوب المؤصدة بالهيئات والزنازن، هشة رغم أن أصحابها تثقلهم أوزانها وتراهم ينظرون الى أسفل، تلك السكاسيك هشة لدرجةِ أنها باتت تٌحلبٌ، ثم يُقالُ لها حلوبٌ، فتقولُ "ما لونها" فيردُ صوتٌ من القُدسِ بلسانٍ عبريٍ مُبين: "أسمرٌ فاقعٌ ثوبها"، فتغضب! فترسلُ الصواريخُ إلى اليمن.. 

تلك السكاسيكُ هشة لدرجةِ أنها وعلى مدى الأربعينَ عاماً الماضية، كانت تنعمُ بالحليفِ الغربي والمال العائم والواجهات البحرية الواسعة والحرية في الاستثمار والتنقل، ورغم ذلك كان أكبر إنجازاتها الصناعية والتقدمية هي شركة ألبانٍ ومشتقات حليب، تضمُ ألافَ الأبقار المستوردة من أوروبا والتي تطعم بأطنان الأعلاف التي زرعت في الأرجنتين ونقلت خلال رحلة تشق العالم نصفين نصفٌ يأكل ونصفٌ يدفع، على مدى أربعينَ عاماً من الحرية الاقتصادية والمالية والعلاقات الجيدة مع الغرب لهذه السكاسيك، استطاعت إيران المحاصرة والمحاربة اقتصاديا وسياسياً وفكرياً "كما ندعي" أن تضع السكاسيك بين فكي حربٍ ونارٍ وحصار.

 

إيران المحاصرة لأربعين سنةٍ ماضية، موجودة جنوبا وشرقاً وشمالاً وستكون غرباً، إيران التي تعيش على قيد الحصارِ أصبحت قوة نووية أو تكاد، وتسيطر على 4 عواصم عربية بشكل مطلق وتحاصر البقية.. إيران التي تأتي سبعة دولٍ عُظمى لتفاوضها على برنامجها النووي في مراحله الأخيرة ولا تستطيع تنحيتها عنه، لن تعيد لك عواصمك بفيديو مسجل يشرحه ضابط عسكري ساذج أمام حشدٍ من الصحفيين سابلي العيون ولن تعيدها لك بمحاصرتك اليمن بحراً وجواً وبراً وتجويعك لحاضنتك الأيدولوجية والإثنية والسياسية هناك.. هذه السكاسيك خفت وهَوت في الخفاءِ.. ثم عند مفترق نور.. باتت كهشيمٍ تذروه واشنطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.