شعار قسم مدونات

لنجعلها أكثر رقيا ما دام التخلي عنها شبه مستحيل!

مدونات - شباب قهوة وسائل التواصل موبايل

يسمح العيش في مجتمع واحد لأفراده أن يتشاركون ويتقاسمون عقليات مختلفة، سلبية كانت أم إيجابية وذلك بمرور الزمن، فماذا لو أصبح هذا التشارك بصفة سلبية من الدرجة الأولى وبسرعة قصوى؟ هكذا نتشارك أغلبيتنا السلبيةَ من خلال صفحاتنا على المواقع الافتراضية. تتولد التفاهة والاستكانة الفكرية من الانحطاط الفكري الذي بدوره يُنتج عقليات ومواد ثقافية رديئة كأعلى تقدير لها.

 

لا يهم معنى الانحطاط الفكري كنوع من الأنواع الفكرية بقدر ما يهمُّنا كمُّ التفاعل الهائل وممارسة هكذا نوع من الأغلبية الساحقة على المواقع الافتراضية. قد نضع كحلٍّ مبدئي أُسساً ومبادئا من واقعنا لتطبق على مشكلة من الواقع الافتراضي من الدرجة الأولى، إلا أن جنس الحل يجب أن يكون من جنس المشكلة.

 
فلنقترح إذن أن يلقِّن كل منا نفسه الافتراضية -إن صح القول- أسسا مستمدة من خلفيته التربوية الشخصية التي نشأ عليها ، ولنقم كخطوة موالية بحذف ما يتنافى وهذه الأسس من حياتنا الافتراضية السابقة ، سينتج عن خطوة كهذه تغيير أحدثته أنا وأنت قد يجعلنا جميعا خارج دائرة عنوانها "المواقع الافتراضية لمضيعة الوقت" ، وقد تأخذ هذه التغييرات -إن حصل وحدثت- أبعادا إيجابية على حياتنا الواقعية حتى ، لأننا لا ننكر أننا نعيش في مجتمع واقعي يستمدُّ روَّاده واقعيتهم من رواد المجتمع الموازي له بعقلياتهم وذهنياتهم المختلفة.

 

هذه المواقع أصبحت ملاذا للمرضى النفسيين والمتطرفين والمتعصبين لآرائهم ليظهروا في صور أخرى كلٌّ حسب حالته هروبا من الواقع المعاش

إن "التفاهات" التي تُحقَن في منشورات الأغلبية على مواقع كالفيسبوك وتويتر والانستغرام وغيرها ، يجب أن تُجتَنَب حتى لا نقول تترك كليا كَون المسألة متجذرة والجهود والسبل اللازمة لاقتلاعها يجب أن تكون جبّارة ، وهو الهدف من هذه النظرة النقدية. في كل الأحوال يجب أن يكون إصلاح واقع من الإثنين واجب لتصليح الآخر ما دمنا لا نقدر على قطع خيط الاتصال بينهما وهو أمر مستحيل، فلست أنا ولا أنت قادرين على الانتحار افتراضيا -ربما لأننا روحنا الافتراضية ليست ملكنا- والانسحاب من عالم كهذا الذي انخرطنا فيه. سننعم بواقع افتراضي راق حتما إن تكاثفت الجهود وبدأ كل منا بنفسه وهو أمر لازم لأن الأمور وإن كانت تتقدم للأمام بخطوة في جانب ما فإنها تعود إلى الوراء بعشر خطوات في جانب آخر أكثر أهمية وفعالية.

 
إننا نكاد الهرب من طرحنا هذا إذا استمرينا في تحميل الموضوعات نفسها مسؤولية المشكلة ما دام خلف كل منشور لا يلمس محتواه قمة الرقي المنشود، شخص أجدر بأن يلام على ذوقه في انتقاء المواضيع والصِّيغ والزمان والمكان وعلى ذكائه كذلك في عرضها دون استغلال للعواطف أو تقليل من شأن المُلتقين محترما اختلاف أعمارهم وذهنياتهم المختلفة بعيدا عن استغباء عقولهم.

 
لا يمكن إدراك هذا الرقي بين ليلة وضحاها، كما لا يستطيع الجميع تقبل الفكرة إلا أننا لن نلحظ الكثير من المنشورات من النوع "كم عصفور في الشجرة" المصحوبة بصورة شجرة لا عصفور على غصنها!! وغيرها من المنشورات التي لا تسمن ولا تغني من جوع وسيجعلنا هذا نتفادى كذلك عددا أقل من الأشخاص الذي يُكنُّون مشاعر حقد أو محبة أو غيرة كل حسب اتجاهه، أو غيرها من المشاعر الإلكترونية التي تعدُّ دليلا قاطعا على إدمان الجانب السلبي لهذه المواقع وعلى جهل جُلِّ المستخدمين لماهية التعبير بمنشور أو إبداء الرأي برتابة في تعليق أو حتى مشاركة أمر يعود بالفائدة والنفع على من يتلقاه.

 
دون أن ننسى أن هذه المواقع أصبحت ملاذا للمرضى النفسيين والمتطرفين والمتعصبين لآرائهم ليظهروا في صور أخرى كلٌّ حسب حالته هروبا من الواقع المعاش. ثمَّ إننا لم نكن بحاجة لمناقشة موضوع كهذا، ولم أكن أما لأدوِّن تدوينتي هذه لو راجع كل منا ما يهمُّ بنشره كلما قام بذلك في حساباته على المواقع الافتراضية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.