شعار قسم مدونات

حملات المقاطعة.. من العالم الافتراضي إلى الانخراط الفعلي

مدونات - المقاطعة
يعود مصطلح مقاطعة (BOYCOTT) إلى سنة 1880، عندما قرر تشالز بويكوت (Charles BOYCOTT)، صاحب أحد أكبر الضيعات في إيرلندا، فرض ضريبة جديدة على صغار المزارعين الذين يَكترون أجزاءً من أراضيه. كانت هذه الضريبة بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس؛ فقرر المزارعون عدم أدائها لأنها كانت أكبر مما يمكنهم تحمله. توسعت دائرة العصيان وأشكاله مما اضطر تشالز بويكوت إلى مغادرة المنطقة مرغما.
 
عرف التاريخ حركات مقاطعة شهيرة
-سنة 1930، قاد المهاتما غاندي مسيرة الملح إلى داندي الهندية، احتجاجا على ضريبة الملح التي كان المستعمر البريطاني يفرضها على الشعب الهندي مما شكل أكبر تحدي سلمي لبريطانيا أنداك.
– سنة 1955، دعا مارتن لوثر كينك (Martin LUTTER KING) إلى مقاطعة استعمال حافلات مونتكومري (Montgomery) في احتجاج ضد الميز العنصري ضد السود الأمريكيين.
– سنة 1970، مقاطعة نظام جنوب إفريقيا الذي كان قائما على سياسة الميز العنصري تجاه ضد غالبية السكان السود.
 
-سنة 1980، قاطعت الولايات المتحدة الأمريكية الألعاب الأولمبية، وذلك احتجاجا وتحذيرا للاتحاد السوفياتي على إثر غزوه لأفغانستان سنة 1979.
– ولعل أشهر مقاطعة في العالم العربي هي مقاطعة إسرائيل على جميع الأصعدة لمناهضة عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني.
 

عل أهم الدلائل التي تؤشر على التأثير العميق لهذه الحملة، اعتذار إحدى الشركات المشمولة بالمقاطعة عما صدر من أحد مسؤوليها من ألفاظ مسيئة للمواطنين ومحاولة تبرير السعر المعتمد
يتضح إذن أن حركات المقاطعة لها أوجه عدة وأهداف مختلفة: اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وغيرها. كما يمكن لأطراف مختلفة اللجوء إليها من الدول والمنظمات والشعوب وغيرهم للاحتجاج ولغايات أخرى متعددة. على أن ما يهمنا في هذه المقالة هو ما يرتبط بالشعوب أو الحركات الاجتماعية التي تلجأ إلى حملات المقاطعة كسلاح سلمي لمناهضة سياسة ما أو لتخفيض أسعار بعض السلع…
 
لنجاح حملات المقاطعة لابد من عملية تواصلية ناجعة لتعبئة الفئة أو الفئات المعنية، ولعل الفرص المتاحة في الوسائل التواصلية الحديثة من أهم السبل التي باتت تعتمد عليها هذه الحركات للحشد وللتعبئة في مدة قصيرة زمنية نسبيا. غير أن هذه الإمكانيات المتاحة يمكن أيضا استغلالها لكسر حملات المقاطعة من خلال بث أخبار كاذبة عن الأهداف والوسائل وغير ذلك.
 
بعد خفوت أنوار الربيع العربي وتحوله في معظم البلدان العربية إلى خريف، مع بعض الاختلافات حسب كل قطر، انطلقت في المغرب على غرار مجموعة من الدول العربية احتجاجات متفرقة ودعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمقاطعة: مقاطعة المهرجانات، مقاطعة الانتخابات، منتوجات.. لكنها ظلت محدودة النتائج ولم تجد لها ذلك الصدى المأمول لأسباب عديدة.
  undefined
 
في المقابل، حظيت حملة مقاطعة شراء منتجات ثلاثة من أكبر الشركات المغربية والتي بدأت التعبئة لها من داخل الفضاء الأزرق الفايسبوك باهتمام متزايد. على الرغم من صعوبة قياس مدى نجاح هذه الحملة وذلك لأنها ما زالت في بدايتها ولغياب أرقام حول نسبة الانخراط والخسائر المفترضة.. إلا أن انزعاج بعض الفاعليين السياسيين والاقتصاديين ومن يدور في فلكهم من هذه المقاطعة وتصريحاتهم المتشنجة وأيضا المعاينة اليومية لانخراط فئات كثيرة من المجتمع يمكننا من استنتاج التأثير الهام لها. لعل أهم الدلائل التي تؤشر على التأثير العميق لهذه الحملة، اعتذار إحدى الشركات المشمولة بالمقاطعة عما صدر من أحد مسؤوليها من ألفاظ مسيئة للمواطنين ومحاولة تبرير السعر المعتمد بتكاليف الإنتاج المرتفعة ولجوء أخرى لحملات إشهارية متعددة على مختلف وسائل الإعلام.
 
نعتقد أن الالتفاف الكبير حول هذه الحملة له ما يبرره، خاصة فيما يتعلق بأسعار المحروقات التي يكتوي بنارها المواطن رغم قرار تحريريها الذي تزامن مع انخفاض سعرها في الأسواق العالمية، لتواصل تأثيرها بشكل سلبي على الواقع اليومي للمستهلك وكل ما يقتنيه من مواد غذائية وما إلى ذلك.
 
لقد انتقلت إذن الحركات الاحتجاجية من التعبئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمسيرات وأشكال نضالية تتجسد على الأرض بشكل جماعي إلى تعبئة الفرد لينخرط شخصيا في عملية احتجاجية بعيدا عن المواجهة الميدانية، وأبدعت طرقا بسيطة وفعالة متاحة للجميع، تمكن من انخراط فئات واسعة من الشعب للتعبير عن الاستياء من الواضع الحالي ورفض السياسات القائمة في شتى المجالات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.