شعار قسم مدونات

موسى بن أبى الغسان.. فارس غرناطة المقاوم

blogs سقوط غرناطة

إنها تغرب في الواقع وبخطى وئيدة لكنها مؤكدة وعلى مقربة من السير في الظلام الدامس وبعد ثمانية قرون بنى المسلمون خلالها مجدا وحضارة وتاريخا لكنها حياة الترف والنعيم واللهو التي أدت بآخر معاقل الإسلام في الأندلس إلى الهلاك، إنها غرناطة التي قاومت وحدها على البقاء أكثر من مائة عام وفى ليلة عظم أمرها واشتدت نكباتها تلك الليلة التي كانت من التاريخ بمكان اشتد الحصار فيها من قبل النصارى على غرناطة حتى انتهى تاريخ وبدأ تاريخ آخر.

سفن الإسبان حاملة راية الصليب ترابط في مضيق جبل طارق ذلك المكان المسمى بعظيم من عظماء قادة الفتح الإسلامي طارق بن زياد ذلك المكان الذى رست فيه سفننا من قبل في رجب في سنة 92 هجري وعلى نهر لكة التقينا في رمضان من نفس السنة ووقعت معركة وادى لكة تلك المعركة الفاصلة والتي استمرت ثمانية أيام حتى ضرب طارق بن زياد لذريق قائد الجيش النصرانى بسيفه حتى جرح وسال الدم منه ورمى بنفسه في وادى لكة حتى غرق وهزم الله لذريق ومن معه وكتب الغلبة للمسلمين. اشتد الحصار على غرناطة ودب اليأس في قلوب المسلمين فاحتموا بأسوارها في قلق وفزع وهم يرون المجد التليد يذهب سدى وأرض الأجداد تسحب من تحت أقدامهم.. النهاية تقترب والحصار مضى عليه سبعة أشهر وهم يغالبون الأهوال والجوع والمرض والإضرابات.

وهنا يبزغ النجم موسى بن أبى الغسان ذلك الرجل الذى كان آخر سطر في سفر الحق والبطولة ذلك الرجل الذى لو سبق به الدهر لصنع القادسية واليرموك فكثيرا ما كان يخرج على رأس جيشه في عدة معارك دموية بينه وبين الإسبان فأبلى هو وجنده بلاء حسنا ولكنهم سقطوا من دونه صرعى في ميدان الشرف والقتال والقلة الباقية من الشعب أسلموا أنفسهم للاستكانة والجزع حتى أخذ يشحذ النفوس مرات ومرات قائلا إن مواردنا لم تنضب بعد فما زال لنا مورد هائل للقوة كثيرا ما أدى المعجزات وإنه لخير لي أن أحصى بين الذين ماتوا دفاعا عن غرناطة من أن أحصى بين الذين شهدوا تسليمها اتركوا العويل للنساء والأطفال فنحن لنا قلوب لم تخلق لإرسال الدمع ولكن لتقطر الدماء وحاشا لله أن يقال إن أشراف غرناطة خافوا أن يموتوا دفاعا عنها.

 

بعد ثمانية قرون من الزمان أقام المسلمون في الأندلس حضارة لم تعرفها البشرية كلها حتى حل بهم داء التفرق وفشا فيهم التنازع والاختلاف فانشغلوا بأنفسهم عن أعدائهم

ولكنه تلك المرة وكما يقول المؤرخ محمد عنان إن كلمات موسى لم تؤثر تلك المرة فقد كان يخاطب رجالا نضب الأمل في قلوبهم وغاضت كل حماسة ووصلوا إلى حالة من اليأس لا تنجح فيها البطولة ولا يحسب للأبطال حساب وظلت تلك الحالة حتى دخل عليهم بن أبى الغسان يعلمهم بتسليم أبى عبد الله الصغير للمدينة ثم صمت موسى وعندها قال الأمير الخائر الضعيف أبو عبد الله وصاح الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا راد لقضاء الله تالله لقد كتب عليّ أن أكون شقيا وأن يذهب الملك على يدي وصاحت الجماعة على أثره الله أكبر ولا راد لقضاء الله وكرروا جميعا أنها إرادة الله ولتكن ولا مفر من قضائه ولا مهرب.

 

لقد استخدموا القضاء والقدر في تبرير خوفهم وجبنهم عن نصرة الإسلام وحالهم كحال الجبرية الذين يقولون إننا مجبرون على المعاصي وعندما رأى موسى بن أبي الغسان أن محاولاته ذهبت أدراج الرياح نهض مغضبًا ثم قال لهم مقولته الشهيرة لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم ولا تركنوا إلى شهامة ملكهم إن الموت أقل ما نخشى فأمامنا نهب مدننا وتدميرها وتدنيس مساجدنا وتخريب بيوتنا وهتك نسائنا وبناتنا وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي والسياط والأغلال وأمامنا السجون والأنطاع والمحارق هذا ما سوف نعاني من مصائب وعسف وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك النفوس الوضيعة التي تخشى الآن الموت الشريف أما أنا فو الله لن أراه.

 

ولم يعد يطيق موسى أكثر من ذلك فلَكَز فَرسه وانطلق إلى حيث لا يدري أحد كما جاء من حيث لم يدر أحد و كذلك ذَهب آخر أبطال الأندلس لم يخلف له قَبرا في الأرض ولا سيرة واضحةً في التاريخ بل مر على الدنيا كالحلم بهيج وبعد ثمانية قرون من الزمان أقام المسلمون في الأندلس حضارة لم تعرفها البشرية كلها حتى حل بهم داء التفرق وفشا فيهم التنازع والاختلاف فانشغلوا بأنفسهم عن أعدائهم فحقت عليهم سنة الله وكما يقول الله تعالى "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" وسقطت غرناطة وما كان لأحد يظن أن شمس الإسلام في الأندلس ستغرب بعد أو أن أصوات الآذان ستمنع من فوق قامات المآذن ويعلوا بعدها صوت أجراس الكنائس ولكن هذا ما كان وغربت شمس الأندلس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.