شعار قسم مدونات

التدخل الإقليمي وتزوير الانتخابات العراقية!

مدونات - انتخابات العراق

إن التطورات السياسية في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي أفرزت ساحات ساخنة للتنافس الدولي والإقليمي على إعادة توزيع القوة وخلق التوازن بالشكل الذي يخدم الأجندة والمصالح الاستراتيجية لكل دولة في المنطقة، فالهيكلية الأمنية والتوازن في مستويات القوة؛ قد تغيرت بعد أحداث سوريا، وفرضت الدول هيمنتها الاستراتيجية بخرق القواعد العامة للقانون الدولي العام، وبات سياسة القوة (Power Politics) الحد الفاصل في رسم مستقبل المنطقة.

 
إن العراق تحول بعد سوريا وظهور تنظيم داعش إلى الساحة الأكثر سخونًا؛ بحيث بات مطبخًا لصنع السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بتوازن القوة بين أكثر من طرف، وفق مستويات توزيع القوة بين الدول الاعتيادية والإقليمية والعظمى. وإن خلق واقع سياسي وأمني محدد في سوريا؛ تطلب وما يزال في استخدام القوة الصلبة، والتدخل العسكري المباشر، كما هو الحال مع كل من روسيا وإيران، لكن نظرًا للاستنزاف الإيراني في سوريا، فالعملية والتدخل السياسي في العراق قد تغير، وبات التقرب من الأحزاب العراقية والتدخل المباشر في الانتخابات البرلمانية؛ السبل الكفيلة بخلق حالة سياسية معينة؛ تخدم مصالح الدول المهتمة بالعملية السياسية في العراق، وكذلك مهتمة بإعادة توازن القوة بالشكل الذي يخدم كل طرف على حساب الآخر.

 

انضمام العبادي للجبهة المناهضة لنتائج الانتخابات، وبيان المرجع الديني السيد مقتدى الصدر احترامه للعملية الديمقراطية، يعد تحول سياسي مهم وظهور ملامح المرحلة القادمة

إن التزوير الذي رافق الانتخابات البرلمانية؛ لم يكن محض صدفة، أو عمل اعتباطي قام به بعض الموظفين أو المتنفذين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بل بمرور الزمن؛ تيقن للعراقيين وخاصة الأحزاب السياسية التي خسرت أصواتها بسبب التزوير، أن العملية عبارة عن توافقات دولية، وأجندات مصلحية ضيقة بين شخصيات وكيانات سياسية؛ بهدف تغيير النتائج بالشكل الذي يخدمهم، وبذلك أساءت الانتخابات الأخيرة بصورة مباشرة على سمعة العراق في المجتمع الدولي، وكذلك كسرت آمال المواطن العراقي في التداول السلمي للسلطة.

 
ولكن السؤال هنا: ما هي الدول التي ترى في نتائج الانتخابات قضية محورية في رسم ملامح عراق ما بعد انتخابات ٢٠١٨؟ إن أغلب الأحزاب العراقية كانت على قناعة شبه تامه حول أهمية الانتخابات، وكيف أن هذه الانتخابات سوف تخدم المشاريع الاصلاحية في العراق، ولكن التدخل الإقليمي ترى في المعادلة وجه ثان تماما غير النظرة الوطنية. وإن كل من إيران والولايات المتحدة لهما دور بارز في رسم السياسات في العراق، وخلق الوضع السياسي الذي يلائم المصالح الاستراتيجية لتلك الدول، من خلال المعادلة العراقية، وذلك لأهمية العراق الجيوسياسية والاقتصادية في معادلات القوة في الشرق الأوسط.

 
إن التلاعب بالنتائج وعرض مستقبل التحول الديمقراطي في العراق للخطر؛ كانت نتيجة أخرى للتنافس الإقليمي في العراق، فالأحزاب العراقية لا تمتلك من الخبرات التي تؤهلهم من القيام بعمليات نوعية في خرق الأجهزة الإلكترونية لعملية الاقتراع العام، وإن مجمل السيناريوهات تتجه نحو دعم غير مباشر من طرف خارجي في التلاعب بإرادة الشعب العراقي واختياراته الحرة في اختيار من ينوب عنه في الدورة الرابعة للبرلمان العراقي. 

  undefined

 

إن تحالف سائرون بقيادة المرجع الشيعي مقتدى الصدر؛ يعد من أبرز الكيانات السياسية القريبة من المشروع الأمريكي، والاعتدال المدني في العراق على عكس تحالف المالكي والعامري والمقربين منهم ترى في طهران المرجع السياسي الأهم وتخدم بشكل أو آخر المصالح الإيرانية، وكلما اقتربت أي من التحالفات من تشكيل الكتلة الأكبر؛ ترى إيران والولايات المتحدة تتدخلان بالشكل الذي يخدم تلك المصالح. 

 
إن انضمام العبادي للجبهة المناهضة لنتائج الانتخابات، وبيان المرجع الديني السيد مقتدى الصدر؛ احترامه للعملية الديمقراطية، وقرارات المجلس النيابي؛ يعد تحول سياسي مهم وظهور ملامح المرحلة القادمة، فالعد اليدوي لمراكز الاقتراع؛ سوف تؤثر بالتأكيد على معادلات القوة المحلية في العراق، وتحدد الأطراف الفائزة بصورة صحية؛ وقتها يكون الطرف الرابح الكيانات السياسية التي خسرت ظلمًا في الانتخابات، ومن خلالها تحاول الولايات المتحدة تقليل التدخلات الإيرانية ورسم استراتيجية عراقية بقيادة العبادي القريب من مراكز القرارات الغربية.

 

العراق يتجه نحو رسم مرحلة سياسية جديدة، ستكون محورية في إقرار النموذج اللبناني في العراق، أو تشكيل دولة مدنية باتجاه تحقيق الرفاهية وخدمة المواطنين؛ عن طريق الترشيد الاقتصادي والاخلاص الوطني، إن الانتخابات في العراق تحول إلى أداة للتدخل من قبل الأطراف الخارجية، وعلى صُنَّاع القرار دراسة الحالة الراهنة، والعمل على تأمين استقلالية العراق في المرحلة القادمة، وتبقى التفاضل بين الديمقراطية والاستقرار الميزان الأساسي في تقيم العراق من قبل الأطراف الخارجية، وعلى الساسة في بغداد العمل على صياغة روية عراقية قبل إعلان فشل الدولة العراقية برمتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.