شعار قسم مدونات

سياسة ترامب في سوريا والشرق الأوسط.. ما الجديد؟

مدونات - ترمب
لا يزال الانقسام العامودي بين الشرق والغرب قائماً في الصراع السوري وكل المنطقة تقريباً، بل وقد زادت حدة هذا الصراع وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى سدة عرش البيت الأبيض. فقد يبدو أن الرئيس ترامب متدارك لحجم تاريخ تدخلات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من جهة، ومن أهمية هذا الشرق الأوسط للولايات المتحدة من جهة أخرى. فما بين سياسة "التوازن" التقليدية في أجندة الأميركيين، وسياسة البراغماتية الفولكلورية في السياسات الخارجية، يبدو أنها أصبحت كلها من الماضي وأن الولايات المتحدة بدأت تصوغ -في عهد ترامب- سياسات أكثر قابلية للتنبؤ وللتحليل وهو الذي كان أكثر استعصاء في الفترات الماضية أو بألاحرى في كل تاريخ الولايات المتحدة الحديث، فماذا تغيّر وما الذي سيتغيّر؟

  
من زمن غير بعيد، كانت لدى الاتحاد السوفياتي التباساتها من مسار "صنع القرار الأميركي"، فكانت نظريتهم تقول أن سيّد البيت هو مجرد أداة صغيرة وواجهة لقرارات تصنع من صلب حكومة خفية قوامها رجال أعمال وأصحاب مصالح ضخمة داخلية وخارجية، وقد تأكد هذا الكلام ضمنياً في محاضر النقاشات بين دايفد روكفلر -مالك أضخم البنوك في الولايات المتحدة- ومحمد حسنين هيكل وعن كيفية إدارة المصالح الأميركية في الشرق الأوسط من باب الاستثمارات والمشاريع بعد حرب أكتوبر (كتاب زيارة جديدة للتاريخ، محمد حسنين هيكل: الفصل7). إن أغلب الرؤساء الأميركيين في السنوات ال50 الماضية هم ذو خلفيات سياسية تشريعية وقانونية إلى أن جاء سنة 2016 رئيسا للبلاد موّل حملته بنفسه وهو يملك شركات ضخمة وجلس بنفسه على كرسي البيت الأبيض، لتتغير معه كل البنية الداخلية للبيت الأبيض ويتغير معها -كنتيجة- مسار صنع القرار والمصلحة الأميركية العليا فيه.
   

وضعية كل من تركيا وإيران والحركات الإسلامية في السعودية ومصر في تراجع وحتى انهيار، فالحرب شعواء على هذه الدول والأحزاب المنضوية تحت شعار "الإسلام السياسي"
من سياسة التوازن الكسنجرية إلى سياسة التوافق والتسليم

في كتابه الأخير بعنوان "النظام العالمي" ، استفاض هنري كسنجر -وزير الخارجية الأميركي السابق ومهندس العلاقات الدولية للولايات المتحدة- في شرح نظرية التوازن الإقليمية كمدخل للسلام العالمي، وهي دائماً ما استخدمت في عالمنا العربي ابتداءً بترسيم توازن أولي بين الإسرائيليين والدول العربية، أو توازن بين ايران الخميني وعراق صدام حسين، أو سوريا حافظ الأسد ومصر السادات، والأمثلة لا تنتهي، فهي كلها تصب في خانة التوازن الإقليمي ودعم كل الأطراف لانشغالها في بعضها. أما اليوم في عهد ترامب، فيبدو أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس، انطلاقاً من ظواهر الإرهاب العالمي الذي تأسس من منطقتنا، فان الجهود تسعى إلى اخماد كل حريق متنقل في المنطقة بدءأ بالجهود المضنية لإقامة اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين والإسرائيليين ودول الخليج، ومن جهة أخرى سياسة إخراج الإيرانيين من سوريا والمنطقة بكل الطرق المتاحة. وإذا ترجمنا الحقائق على أرض الواقع، فإن التنسيق في أعلى مستوياته بين إسرائيل ودول الخليج الفاعلين في المنطقة، ومن جهة أخرى إن الضربة الغربية والإسرائيلية كما السعودية على القواعد الإيرانية في سوريا واليمن هي دليل واضح على كل الجهود لمحاولة إخراج الإيرانيين من الإقليم العربي.
 

سياسة مناوءة المبادئية و"الأيديولوجيات"

على عكس عهد الرئيس السابق باراك أوباما، إن وضعية كل من تركيا وإيران والحركات الإسلامية في السعودية ومصر في تراجع وحتى انهيار، ويبدو أن الحرب شعواء على هذه الدول والأحزاب المنضوية تحت شعار "الإسلام السياسي"، حتى إن أقرب الحلفاء للولايات وقعوا أو أجبروا على انتهاج السياسة ذاتها والأمثلة واضحة في السعودية ومصر كما الحصار الرباعي على قطر الحاضنة لنهج وزعماء الإخوان المسلمين. ومن جهة أخرى فإن سقف الخطاب في أعلى مستوياته إن كان مع الصين الشيوعية أو كوريا الشمالية المنغلقة أو حتى الدول الأوروبية الأكثر مبادئية في سياساتها! إذ أن الرئيس الأميركي يستوحي من خلفيته الاستثمارية وريدة الأعمال منطلقاً لفهم العالم وهو بالتأكيد منظار البراغماتية السياسية المضاد للمبادئية، وخاصة في زمن كثرت فيه المشاكل الأيديولوجية وعلى رأسها الإرهاب العالمي ذو الخلفية الأيديولوجية الفاقعة.

   
ختاماً وبعد هذا السرد، إننا نشهد على سياسات أميركية أكثر قابلية للتنبؤ مما مضى، وهي كما يعلم الجميع نتيجة سياسات الافصاح عن النوايا وسياسة السقف العالي التي كسرت الروتين السياسي في الولايات المتحدة الأميركية. وفي جانب آخر، يبدو أن الولايات المتحدة تبدو أكثر عنجهية في تطبيق سياساتها الخارجية، وأكثر صبيانية في التعاطي مع الدول الأخرى وهي الدولة الأولى عالمياً من حيث الحجم والاقتصاد! لذلك فإن الولايات المتحدة كموقع شرطة العالم لم يعد مجدياً في عهد الرئيس دونالد ترامب، بل هو الذي أصبح بحاجة إلى شرطي يحتويه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.