شعار قسم مدونات

لقد عققته قبل أن يعقّك!

blogs أطفال
لا يخفى على أحد منكم قصة الرجل الذي جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ساخطاً على ولده يشكو إليه عقوقه، عندها أمر عمر بن الخطاب بإحضار الولد لتوبيخه وسؤاله كيف امتلك مثل هذه الجرأة لعقوق من أنجبه ورعاه في هذه الدنيا. ولكن كانت المفاجأة لأمير المؤمنين عندما أجابه الصبي بأن أباه هو من بدأ بالعقوق؛ فهو لم يحسن اختيار أمه ولم يسمه اسماً مناسباً ولم يعلمه كتاب الله القرآن الكريم. إذن لماذا نلوم أبنائنا على عدم بِرهم وطاعتهم لنا قبل أن ننظر ملياً إلى أنفسنا؟ هل فكرنا جدياً بالأسباب التي أنشأت أبناءً لا ترضينا أفكارهم ولا تصرفاتهم؟ لماذا لا نقول بأننا نحن من صنعنا هذا بأبنائنا حتى رأينا هذه النتيجة الآن؟! ألسنا مرآة أبنائنا؟!

أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره وأن كل شيء في حياتنا بعد اختياراتنا هو من توفيق الله، لكن الله جعل لنا عقلاً لنفكر ونسعى ونتدبر، وأمرنا أن نأخذ بالأسباب. الأبناء وعاء فارغ نحن كنا سبب قدومهم ونحن من رسمنا لهم خطواتهم الأولية على الحياة ومن علمهم الصواب من الخطأ، نحن من ربيناهم على نهج سليم ونحن أيضاً من ربيناهم على سلوكيات خاطئة وأفكار غير سوية، فلماذا نلومهم اليوم على ما قد يفعلوه من أخطاء أو أفعال تغضبنا. كن متيقناً أن ما يفعله الطفل ما هو إلا تقليد لما أنت فعلته مسبقاً؛ إن ضربته مثلاً ورآك دائم الصراخ ستراه يعلو صوته أولاً على أخيه الأصغر أو على لعبته ثم عليك مستقبلاً!
  
التربية ليست بالأمر الهين بل هي أمانة ومسؤولية عظيمة وضعها الله بين أيدينا، أمرنا بالكثير من الجهد والتعب كي ننبتهم نباتاً حسناً. ومن أول السبل التي وجهنا نحوها لتربية أبنائنا أن نكون خير قدوة ومثال لهم! تصرفات الطفل ما هي إلا تطبيق حي لما يراه أمامه. لماذا تنتظر من ابنك أن يصلي مثلاً وأنت لا تصلي! لماذا توبخه على الكذب وتصف تصرفه بالشنيع بينما قبلها بثوان معدودة طلبت منه أن يغلق سماعة الهاتف بوجه أحدهم وأن يقول بابا غير موجود!؟ لماذا تقول له أريدك أن ترفع رأسي وتكون نعم الرجل وهو يرى أمامه أسوء نموذج للزوج والأب.

 

لم أعٍ جيداً عظم الأمور وحساسيتها إلا عندما سافرت لبلاد غير بلادنا العربية. أفكار التربية البالية الهشة متفشية بكل بلادنا العربية، أفكار مبنية على تأديب الطفل وكسر عينه قبل أن يكبر
لم أعٍ جيداً عظم الأمور وحساسيتها إلا عندما سافرت لبلاد غير بلادنا العربية. أفكار التربية البالية الهشة متفشية بكل بلادنا العربية، أفكار مبنية على تأديب الطفل وكسر عينه قبل أن يكبر
 

لا أعرف أبكي أم أضحك عندما أرى أباً يصفق لطفله الصغير وهو يقول "اشتم عمك" وإن فعلها الطفل صدفة وبخوه وقالوا له عديم التربية. نربيهم على العنف والضرب والشتم من الصغر ثم نتفاجأ عندما يكسروا البيت بأثاثه على رؤوسنا! ولا تقولوا أنهم صغار وينسون. الأطفال تمتلك ذاكرة خارقة أكثر مما نحن نمتلكها، والتجارب السيئة تطبع في قلوبهم قبل ذاكرتهم. أذكر جيداً حتى هذا اليوم ألم الكف الذي طُبع على خدي من أبي بسبب ذهابي إلى بيت خالتي دون استشارته وكنت وقتها آنذاك لم أكمل الست سنوات من عمري. منذ صغرهم ونحن نبرمجهم كالروبوت الآلي، لتنفيذ أوامرنا فقط ونقتل ابداعهم أو مجرد التفكير خارج قوقعتنا ثم نتفاجأ بغبائهم وتحصيلهم المتدني في المدارس!

لم أعٍ جيداً عظم الأمور وحساسيتها إلا عندما سافرت لبلاد غير بلادنا العربية. أفكار التربية البالية الهشة متفشية بكل بلادنا العربية، أفكار مبنية على تأديب الطفل وكسر عينه قبل أن يكبر، وبدون الضرب والشتم والصوت العالي لا يُربى الطفل. لا أعرف لماذا هذه الأفكار محرمة ببلاد غير بلادنا؟ قبل عدة أيام تفاجأت بهدية مرسلة مع ابني الصغير ومن ثم مكالمة مطولة مع أمهات إحدى الابناء تعتذر مني اعتذاراً شديداً كون طفلها فقط أزاح ابني ممازحاً فأوقعه عن كرسيه في الفصل، وأكملت بأن هذا تصرف غير سليم وغير مقبول، وما أدهشني أنها لم تقل أن طفلي سيء أو أن طفلي غير مهذب بل قالت ربما أخطأت معه بشيء دفعه لمثل هذا التصرف! أيها الامهات والآباء نحن في زمن عجيب . زمن ليس كزمن آبائنا. لا تسمحي لأحدهم أن يُقنعك أن يُربى ابنك كما تربى جده وأبيه! كما روي عن سقراط قوله "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم". أرجوكم قبل أن تفكروا بالإنجاب فكروا ملياً كيف ستربوهم.

 

أبناؤكم نتاج أيديكم وتربيتكم. أيتها الأم كما تجهزين لطفلك المولود وتمضين الساعات في الأسواق باحثة عن أجمل الالوان وموديلات الملابس لطفلك القادم ضعي بين مشترياتك كتاب ولو صغير يساعدك على تربية طفلك. أيها الأب وأنت تنظر إلى ساعتك تعد الدقائق لبداية دوام عملك او انتهائه انظر للساعة مرة أخرى وخصص بعض الدقائق لأبنائك. لا أذكر أني نمت يوماً وأنا لست قلقة بما فعلته طيلة اليوم تجاه أولادي. هل حقاً تصرفت جيداً اليوم أم فعلت شيء خاطئ ربما أندم عليه مستقبلا؟ أرجو من الله أن أحسن تربية أبنائي وألا تكون هذه المدونة شاهد يجرمني على تقصيري في يوم من الأيام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.