شعار قسم مدونات

جنود العرب المفقودين.. من يبحث عنهم؟

blogs أسرى

شباب في بداية أعمارهم ومنتصفها استنزفتهم حروب ظلت تشنها "دولة" قامت وتمددت بالحروب على جيرانها من الدول، كلفوا بـ "الحرب" وبحماية فلسطين، حملوا "الكارثة" وفقدوا فيها وما يزال من بقي حيا من عائلاتهم ينتظرهم منذ عقود بلا جواب. في ديسمبر عام 2014 وصل وفد "إسرائيلي" خاص للقاهرة للقيام بمهمة البحث عن 22 جنديا "إسرائيليا" فقدوا في حروب سابقة لدولة الاحتلال مع مصر دخل خلالها جنود الاحتلال الأراضي المصرية.

شرقا تنشط دولة الاحتلال في البحث عن جنودها المفقودين على الحدود الأردنية خلال حرب 67، فيما ظلت مستمرة في البحث عن جنودها الذين فقدوا في حروب حديثة أخرى مثل حرب لبنان 82 وحرب غزة الأخيرة 2014م. إذ ظل "استرداد الجنود" المفقودين ضمن أولويات دولة الاحتلال المعلنة. على الجانب الآخر كان الضحايا بالآلاف خلال أربع حروب كبيرة خاضتها أو خاضت بعضها مصر والأردن وسوريا مع دولة الاحتلال، فقد عدد كبير من الجنود المكلفين داخل فلسطين أو في أراضي الدولة نفسها.

على صعيد المفقودين داخل فلسطين تتضارب المعلومات حول وجود أسرى من تلك الحروب محتجزين حتى الآن في سجون سرية للاحتلال "أسرى للمساومات المستقبلية" مع تلك الدول كما يصفهم المحللون، وآخرين محتجزين في مقابر الأرقام السرية للمساومات أيضا لا تعترف دولة الاحتلال بوجودهم حتى الآن وترفض تقديم أي معلومات حول نزلاء سجونها ومقابرها السرية؛ بينما تتوزع أعداد أخرى على هيئة جثامين لم يتم انتشالها من مواقع استشهادها وطمرت في مواقعها بمرور الزمن أو تم دفنها محليا من قبل الأهالي المحليين في المكان. 

مصريا:
تنشر وسائل إعلام الاحتلال أنباء عن اكتشاف جثامين او قلادات عسكرية لجنود سوريين في الجولان؛ لكن لا يتم إرسالها لذويها في سوريا؛ إذ تحتفظ بها دولة الاحتلال "للمساومات"

يتم اكتشاف بعض الجثامين بالمصادفة أثناء حفريات الطرق والبناء ثم ترسل لذويها للدفن وإقامة الجنازة، مواقع تمركز الجيش خلال الحروب داخل الأراضي المصرية محدد لدى أرشيف القوات المسلحة المصرية؛ لكن لم تهتم أي من الحكومات السابقة المتعاقبة بالبحث والتنقيب في هذه المواقع لاستخراج الجثامين وإعادتها لأهلها لإعادة دفنها وتكريمها. وهكذا بقيت الجثامين مفقود أصحابها ومسجلين "شهداء" دون استلام ذويهم لجثامين، إذ ظلوا ينتظرون لعشرات السنين يجهلون مصير أبنائهم في ظل أمنيات وشكوك أنهم أحياء أسرى في السجون السرية "الإسرائيلية" حتى الآن.

أما أسرى الحروب المصرية مع "إسرائيل" فقد أعيد بعضهم ضمن اتفاقيات وصفقات تبادل بين الجانبين؛ فيما لا يزال مصير آخرين منهم مجهولا، خاصة مع إعدام الاحتلال لعدد من الجنود المصريين الأسرى خلال حرب 67. فيما لا تتوفر معلومات عن الجنود والمتطوعين المصريين الذين دخلوا فلسطين في حرب 48 وفقدوا فيها.

في حين قتل العديد من الجنود والمدنيين المصريين العاملين في قطاع غزة أثناء حرب العدوان الثلاثي عام 65 ومنهم من أقيمت لهم قبور محلية من قبل الأهالي المحليين معروفة باسم "قبور المصريين"، والأمر مشابه بالنسبة لبعض شهداء حرب 67 المصريين في قطاع غزة، لم تقم أي حكومة مصرية باسترداد هذه الجثامين وإعادتها لأهلها وإعادة دفنها في جنازة تكريمية رسمية. توقيع اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال لم تستثمره أي حكومة مصرية في أي شأن يتعلق باسترداد جثامين شهداء مصريين من فلسطين المحتلة.

أردنيا:

دخل الجنود الأردنيون فلسطين في حرب 48 على رأس الجيوش العربية المحاربة هناك؛ فيما هوجم الجيش الأردني في حرب 67 في الضفة الغربية، صنف كثير من الجنود ك"مفقودين" ليبلغ ذويهم لاحقا أنهم "شهداء" دون تفاصيل أو جثامين. عدد من الشهداء تم دفنهم محليا من قبل الأهالي في مقابر معروفة؛ لكن لم تقم أي حكومة أردنية على العمل على استردادهم وتحديد هوياتهم وإعادتهم لذويهم لدفنهم. بينما قتل آخرون في مواقعهم العسكرية في مناطق مختلفة داخل فلسطين المحتلة، لم تطالب أي حكومة أردنية بالتنقيب عنهم بعد توقيع اتفاقية سلام مع "إسرائيل"، حتى لم تسع أي حكومة أردنية للتنسيق لاسترداد جثامين شهداء مدفونة في مدن فلسطينية تتبع للسلطة الفلسطينية.

في السنوات الأخيرة نقلت دولة الاحتلال بعض جثامين الجنود الأردنيين التي اكتشفتها بالمصادفة أثناء حفريات بناء وطرق للسلطات الأردنية حيث أعيد دفنها في مقبرة الشهداء كجثامين مجهولة الهوية؛ بينما ما تزال عائلات المفقودين الأردنيين تنتظر جوابا من الحكومات المتلاحقة وسط شكوك بمصير أبنائهم في ظل وجود معلومات مسربة عن وجود أسرى حرب أردنيين في السجون السرية "الإسرائيلية".

تبقى عائلات المفقودين تنتظر أبنائها في ظل
تبقى عائلات المفقودين تنتظر أبنائها في ظل "دولة" تتخذ سجون ومقابر سرية وظل حكومات متعاقبة أرسلت أبنائها يوما إلى ساحة "الحرب" ولم تسع بعدها للبحث عنهم
 
سوريا:

لا معلومات حول جنود ومتطوعين سوريين فقدوا خلال حرب 48 في فلسطين. خلال حرب 67 أفرز القرار المفاجئ الذي اتخذه وزير الدفاع السوري آنذاك حافظ الأسد بالانسحاب المفاجئ للجيش من مواقعه في الجولان عن فقدان عدد كبير من الجنود كانوا في مواقع لم يتمكنوا من الانسحاب منها بشكل مفاجئ أو كانوا مصابين تعذر على زملائهم نقلهم معهم أثناء تنفيذ أوامر الانسحاب المفاجئ، كذلك شهداء لم يتمكن زملائهم من نقل جثامينهم أثناء الانسحاب.

لم تقم الحكومات السورية المتعاقبة بمحاولات البحث والاسترداد خاصة مع عدم وجود علاقات او اتفاقيات مع دولة الاحتلال. تنشر وسائل إعلام الاحتلال أنباء عن اكتشاف جثامين او قلادات عسكرية لجنود سوريين في الجولان؛ لكن لا يتم إرسالها لذويها في سوريا؛ إذ تحتفظ بها دولة الاحتلال "للمساومات" كما يقول محللون. والأمر ذاته ينطبق على جثامين لجنود سوريين مفقودين في حرب 73.

عراقيا:

كان الجيش العراقي في طليعة أقوى الدول المشاركة في حرب 48، كثير من الجنود الشهداء دفنوا في مقابر في جنين ونابلس، لم تسع أي حكومة عراقية لاستردادهم خاصة مع عدم وجود أي علاقة دبلوماسية مع دولة الاحتلال التي لا تعترف بها جمهورية العراق حتى الآن. خلال حرب 73 فقدت دولة العراق طيارين على الجبهة السورية في الجولان، وثلاثة أسرى على الجبهة المصرية لم يعرف مصيرهم حتى الآن، ولم تسع أي حكومة عراقية للمطالبة بهم ولو من خلال وسطاء غربيين.

وجود دولة تتخذ سجون ومقابر سرية "للمساومات المستقبلية" وتتكتم عن أي معلومة بشأن المفقودين خاصة مفقودي الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية معها يجعل آلاف العوائل تعيش لعقود مجهولا لا تتوفر فيه أي معلومة وإن كانت معرفة بفجيعة مقتل ابنهم دون جثمان، ووجود حكومات لدولهم غير معنية بأبسط إجراءات البحث والمطالبة والتنقيب يفاقم كثير من المآسي القابلة للانتهاء بمعرفة المصير. وهكذا تبقى عائلات المفقودين تنتظر أبنائها الذين حملوا "الحرب" و"الكارثة" في ظل "دولة" تتخذ سجون ومقابر سرية وظل حكومات متعاقبة أرسلت أبنائها يوما إلى ساحة "الحرب" ولم تسع بعدها للبحث عنهم أو استرداد جثامينهم وظل سكون لا تقدم فيه سوى لعقارب الساعة ولا عودة فيه سوى للحروب فقط!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.