شعار قسم مدونات

رسالةٌ من الله.. وإلى الله..

blogs صلاة

بين ركام الدنيا، وفوضى الشهوات، ونزوات النفس، استيقظت في صباح هذا اليوم، وكعادتي مسكت هاتفي، أتفقد جميع صناديق البريد، أهناك شيء جديد ومثير من شخص عزيز ربما؟! وكالعادة تقريبا، لا جديد، لا شئ يثير الاهتمام، وِردٌ من القرآن يصل على (الماسنجر)، لا شيء يثير الاهتمام، فقد اعتدت على دخول المحادثة حتى لا تبقى تلك الإشارة المزعجة بأن هنالك رسالة تحتاج إلى مشاهدة (ليس شرطاً أن اقرأ). نظرت إلى السماء فلم أجد الشمس، فقد كان الجو أسوداً ملبداً بالغيوم، ومطر يتسايل ورعد وبرق يخفقان في جوف السماء، لقد كان شيئاً عادياً، نعم إنها بعض الغيوم والقليل من المطر والرعد المزعج.

ذهبت إلى غرفتي كي أبدأ دراستي، تصفحّت بسذاجة وبرودة، لم أستحضر حينها سوى نظرٍ بلا وعي، فقد كان قلبي يركب على عنق عقلي ويسرّح التفكير أينما يريد، كان المرعى الذي قِيْدٙ إليه عقلي هو التفكير بشأن دنيوي بسيط والذي كان قد حل نفسه بنفسه، لكن طغيان القلب قاد العقل إلى نزع هذا الأمر من إطار الواقع وإلصاقه بإطار الخيال والوهم، وحينها تم الترحيب بهما (قلبي وعقلي) في حلقة الخيال المفرغة، في (برمودا) الخيال، حيث لا راحة ولا خط نهاية تصل إليه، ينهكك ركضاً وعصفاً دونما فائدة، والمقصود بالأمر هنا ليس شيئاً بعينه، بل هو أي متاع دنيوي بسيط، وكما ذكرت آنفاً، فإن شيطان النفس يحرّف الكلم عن موضعه، وينقل هذا الأمر البسيط إلى غير مكانه ليدخلك في درب اللا نهاية حيث الظلام الحالك، ثم يظهر لك فجأة ومعه عود كبريت، ويزعم بأنه سيدلك إلى سبيل الرشد، ولكنه يهوي بك إلى مستنقع البنزين كي يحرقك بهذا العود الوديع. 

أكمل لكم رحلتي في (برمودا) الخيال، أثناء تخبّطي في غياهب ذلك المسلك، تعثّر عقلي – بقيادة الفارس الغافل وهو قلبي – بصخرة سوداء قاتمة كبيره، وكم كانت تبدو مخيفة! سقط قلبي عن مطيّته ووقع أرضاً، وفي تلك اللحظة بالتحديد، دخل نظري إلى نطاق الوعي وعاد ينظر إلى السماء بتأمل، وعاد سمعي إلى الإصغاء لصوت الرعد بدقة وحرص، نعم، نعم إنها هي، لقد كانت أمامي منذ الصباح، لقد كانت صورة كاملة متكاملة، ورسالة بليغة عميقة.

قرأت رسالتك يا إلهي، وتفهّمت معانيها بدقة وحرص، وسأكون كما الأرض، سأكون مثلها في استغاثتها وفي عطائها المستمر وهي تستمد العون والغيث من ربها
قرأت رسالتك يا إلهي، وتفهّمت معانيها بدقة وحرص، وسأكون كما الأرض، سأكون مثلها في استغاثتها وفي عطائها المستمر وهي تستمد العون والغيث من ربها
 

لقد كانت رسالة من الله، كان محتوى الرسالة مغلّفاً بالسماء والأرض والمطر، لقد كان الرعد ذلك المنبّه الذي يخبر بوصول رسالة إلى صندوق البريد، وتماماً لقد كان البرق مثل ذلك الوميض الذي أراه في هاتفي، إن الله قد عاملني بما أتعايش معه الآن، لقد بعث رسالته بنفس الطريقة التي أستقبل بها الرسائل على هاتفي. إن استقبال هذه الظروف بهذه الطريقة قد تكون غير منطقية بالمنظور العام، لذلك فإني أتحدث عن منظوري الخاص، فقد هداني مرسلها إلى مثل هذا الفهم لأنها لي، وربما هناك غيري الكثير، وربما قد تعددت طرق استقبالها، لكنها أصابت الهدف بنجاح. 

إذن، ما هو محتوى هذه الرسالة؟ لقد احتوت هذه الرسالة على عناصر عدة، كلٌّ منها رمز لشيء معين في ظل ما أعيش من ظروف، لقد كانت الأرض هي قلبي الغافل المثقل، وقد كان انعكاسه في السماء، سواد وظلمه، ولقد كانت تقول هذه الرموز على لسان خالقها: "يا عبدي، هذا هو قلبك كما تراه في السماء، وكما طلبت الأرض من ربها السقيا والمطر ليغسلها ويساعدها على النماء، وكانت الإغاثة مني إليها، اجعل قلبك كما الأرض، دائم الدعاء والاستسقاء مني، وكما لم أخذل الأرض، لن أخذل قلبك الملهوف، وتذكر دائماً: أنا عند ظن عبدي بي". 

وأنا أقول الآن، قرأت رسالتك يا إلهي، وتفهّمت معانيها بدقة وحرص، وسأكون كما الأرض، سأكون مثلها في استغاثتها وفي عطائها المستمر وهي تستمد العون والغيث من ربها، سأكون ذلك النموذج الذي ينبغي أن أكون، نعم يا إلهي، سأشدّ إزاري والتفت إلى وظيفتي، ومنك العون والمدد. ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.