شعار قسم مدونات

الانفصام التربوي.. بعض أخطاء الوالدين قد لا يمكن إصلاحها!

مدونات - التربية الأطفال أم وبنت

يولد الطفل كالبرعم الصغير، يحتاج للكثير من الاهتمام والرعاية والحب لينمو ويترعرع، ليتكيف مع تربته ويمد جذوره، ففي سنواته السبع الأولى أو كما يسميها البعض سنوات الرعاية والحب، أكثر ما يحتاج إليه الطفل بجانب الحب هو زرع ثقته بنفسه، وتعليمه مهارات الحياة اليومية، لنؤسس لأرضية التعلم والتوجيه. بعدها تأتي السبع سنين الثانية من حياة الطفل التي تسمى بسنوات التأسيس، التأسيس القيمي أولا، فالطفل إن صلحت قيمه، صلحت إنسانيته، وصلح ما بقي، وإن اختلت قيمه، اختلت موازينه. فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه لم يأتِ إلا ليتمم مكارم الأخلاق، فالإنسان إن اكتملت أخلاقه، فقد اكتمل إسلامه، واكتمل تدينه، بل واكتملت إنسانيته. 

  
ثم بعد سنه الرابع عشر تأتي سنوات المصاحبة والتقويم، وهنا على الأبوين أن يكونا نعم الصاحب الوفي والصديق الصدوق لابنهما، أن ينصحانه ويوجهانه ويواجهانه بأخطائه وغفواته حتى يتفاداها ويتعلم منها ولا يكررها، فالإنسان بطبعه خطاء وعلى الأبوين أن لا يحتقرا ابنهما ولا ينتقصا من احترامه وفي نفس الوقت أن لا يستصغرا أخطاءه ويتغاضوا عنها، بل عليهما أن يلعبا دور الميزان بين أخطاءه وبين قيمه وأخلاقه. يوجهانه بحب ويقدمانه حتى يبني ميزان قيمه في داخله ويصبح مرآة نفسه ومراقبها.

 

الأبوين لا يكونا أبوين محبين إلا إن كانا المصباح الذي ينير طريق أبناءهما نحو الخير والميزان الذي يحيده عن الشر، وإلا أفسداه ونافقاه

فما وصلت إليه اليوم مجتمعاتنا ما هو إلا نتيجة اختلال المنظومة التربوية عند الوالدين، فسنوات الطفل الأولى تكون مليئة بالتأنيب والملاحظات وحتى التعنيف الجسدي واللفظي والنفسي، فبين كثرة احذر ولا تلمس والعيب والحرام ينشأ الطفل مهزوز الشخصية منعدم الثقة بالنفس، ثم تبدأ سنوات الدراسة فيتوه الأبوين عن التنشئة القيمية إلى التربية السطحية، ويتأرجح الطفل أحيانا بين العنف الكثير والتأنيب وأخرى يترك على هواه حتى لا يجد من يوجهه ويعلمه، فيتأثر بالقاصي والداني، تارة مما يشاهده على التلفاز خصوصا مشاهد العنف والانحطاط الأخلاقي، وتارة من أصدقاء المدرسة ومحيطه. وهنا إن كان محظوظا رزق الصحبة الصالحة وتأثر بها وإلا تأثر بالأسوأ منه.

  
يتكلم عالم الاجتماع bordieu عن التكرار الاجتماعي social reproduction وعن أن الطفل يرث مستوى والديه الاجتماعي والثقافي في أغلب الأحيان حتى وإن تغير مستواه العلمي والمادي مستقبلا، وهنا أضيف أن المستوى الثقافي والاجتماعي لا يتكرر فقط بين الأجيال بل المستوى القيمي والأخلاقي أيضا، بل وحتى ينحدر من جيل إلى جيل إن غابت التربية الحقة. أخلاق الوالدين في التربية كثيرة، فكلنا نحاول قدر ما استطعنا، ولا أحد منزه وكامل، ولكن بعض الأخطاء لا تعوض، فالغفلة عن زرع الثقة بالنفس في الطفل في سنواته الأولى، ثم عن زرع القيم وأخيرا عن تقويم الطفل في شبابه تعطينا شبابا مهزوما ضعيف الثقة والمروءة والإنسانية، وخير دليل ما وصلنا له من الانحطاط الأخلاقي، والاعتداءات، وحوادث الاغتصاب وغيرها.

  

وأخيرا فقد تأثرت كثيرا بمشهد الطفلة أو الشابة التي تستغيث من الشاب الذي يحاول اغتصابها ومن حولهم لم يحركوا ساكنا، ولكن ما أثر في أكثر هو رد فعل أسرة الجاني حيث دافعت عنه أمه بصغر سنه وعدم معرفته. تربية كهذه وأسر لا يقيم أبنائهم ولا يواجهون بأخطائهم الصغرى لن نستطيع مواجهتهم عندما تعظم وتكبر أخطاءهم، وأبناء يتركون على حابلهم، نجيب طلباتهم بلا حدود لن يتعلموا معنى الانسانية، فمن لم يتعلم الصبر عن طلباته في صغره لن يتعلم كبت الرغبات عند الكبر، ومن لم يتعلم التضحية والإنسانية والتكافل لن يحرك ساكنا ومن حوله يتوجع، ومن لم يتعلم مكارم الأخلاق لن يكمل إسلامه ولن تكتمل إنسانيته.

   
والأبوين لا يكونا أبوين محبين إلا إن كانا المصباح الذي ينير طريق أبناءهما نحو الخير والميزان الذي يحيده عن الشر، وإلا أفسداه ونافقاه. وإسلامنا علمنا أن المسلم الحق هو من أسس على مبادئ الأخلاق والقيم في صغره فالعبادات تكمل أخلاق الإنسان ولا تعوضها فقد علمنا رسولنا الكريم: "خيركم في الجاهلية خيركم في الإسلام"، أي من اكتملت أخلاقه وحسنت شخصيته في صغره وشبابه كان في دينه أفضل من غيره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.