شعار قسم مدونات

عندما غنى فريد الأطرش نصوص كافكا!

BLOGS كافكا وفريد الأطرش
عندما نبحر في عالم الحب الذي لا ينتهي نجد بأن هناك ثقافات وحضارات كثيرة تغنت بالحب وبأشكاله وجماله وحزنه وألمه، عندما كنت أستمع إلى أغنية لفريد الأطرش يقول فيها "أنا وإنت والحب كفاية علينا" وكان الجو في هذه الليلة يبعث في الروح كل الذكريات الجميلة والتي تُشعل فينا الحنين لمن نحب ونعشق تذكرت ذلك النص العميق المليء بالحب للكاتب "فرانس كافكا" عندما كتب ذات يوم:


"
لا يسعني التفكير بسعادةٍ أعظم من أن أكون معكِ طيلة الوقت بلا انقطاع، و بلا انتهاء مع أنني أشعر أنه لا وجود لمكانٍ هادئ هنا في هذا العالم من أجل حبنا، ولا حتى في أي مكان آخر، أحلم بقبر ضيق وسحيق حيث تتعانق أذرعنا كما لو كانتا مقيدتين إلى بعضهما، وأخبّئ وجهي في حضنكِ وتخبّئين وجهكِ في حضني ولا يرانا أي كان بعد ذلك".


هذا النص الذي يشبه مشاعر فريد في الأغنية يجعلني أجزم بأن الحب تعريفه واحد وهو ذلك الأمان الذي نشعر به مع من نحب في جميع الأوقات وفِي كل اللحظات هو ذلك الإحساس الذي مرّ على كل العصور وحمل معه أجمل الأوصاف لكي نكتبه بلغات مختلفة فالصينيون كتبوه على أسوار ذلك السور العظيم وباركوه من خلال آلهتهم ليحافظوا عليه وشعراء العصر كتبوه في وصف محبوباتهم باختلاف عقائدهم وعاداتهم.

 

الحب المستحيل هو أجمل الحب وأعذبه وأصدقه حتى وإن كانت نهايته مجهولة

عندما أستمع لأغنية فريد وأرى نصوص كافكا أستغرب كيف لهؤلاء الرجال أن يولدوا في زمن مختلف ولكن ما يجمعهم هو ذلك الإحساس الصادق الذي أوصل كلاً منهم تعريف رائع وجميل للحب، الحب لا يمكنني أن أوصفه بكلمة وإنما عليّ أن أوصفه بامرأة وجدت فيها نصوص كافكا وتشيخوف ونزار وقيس وعنترة وكل من مرّ على هذه الحياة من شعراء وروائيين وكتّاب فهي التي وجدت فيها المعنى الحقيقي للأمان الذي وصفه كافكا لقد وجدت فيها ذلك الضوء الذي ينير نهاية النفق المظلم. لقد وجدت فيها جميع ما ذكر من قطرات المطر التي نزلت على العاشقين في ليلة شتاء باردة. لقد وجدت أعظم ما يمكن وصفه في معاجم الحب والحياة والأمل والسعادة. فيها وجدت المعنى الدقيق للحبيبة والمعنى الأدق للعشق.

لو دققت كثيراً لوجدت مطابقة بين ما غناه جميع الفنانين للحب وبين ما كتبه أعظم الشعراء في العشق. لو دققت كثيراً لجمعت لها ما يمكن جمعه من حبات وقطرات العشق الأبدي وأصنع منه عقداً لا ينتهي لأضعه في عنقها الذي يشبه نهر الحياة بجماله، أفكر كثيراً وبشكل يومي كيف لي أن أحدث الأجيال القادمة عن هذا الحب الذي أكنه لها أفكر كثيراً كيف لي أن أرسم ملامحها بعد سنوات طويلة أفكر بشيء واحد وهو بأنني لن ولَم أنسى تلك الملامح التي يمكنني رسمها وأنا مغمض العينين.

كنت أتمنى كثيراً أن يكون فريد وكافكا على قيد الحياة لأقابل هؤلاء العمالقة لأطلب منهم أن يمنحوني الوصفة الحقيقية في حب هذه الملاك. لأطلب منهم أن يقوموا بابتكار نوتة جديدة في عالم الموسيقى والكتابة لتكون باسمها لو كانوا على قيد الحياة لقررت الذهاب إلى القاهرة شارع شارع ناصية ناصية لأبحث عّن فريد وأبوح له بحبي لهذه الملاك وبعد أن ألتقيه أذهب عبر البحر إلى التشيك لمقابلة فرانس كافكا وأبوح له عن تلك الملاك التي تقطن في بحر غيمة في السماء لكي أقول لهما بأنني لم أَجِد ما يمكنني كتابته في وصف حبي لهذه الملاك التي لا يمكنني وصفها إلا بالملاك.

وعند عودتي سأذهب إليها حاملاً باقات من التوليب الذي تحبه وأنثره على وجنتيها وأقول لها بأنني أحبك بعدد ما كتب كافكا إلى ميلينا حبه المستحيل. لقد أخترت كافكا لأنه يشبهني في هذا الحب فقد كان كل ما يتمناه هو شيء واحد أن تكون حبيبته "ميلينا" بخير وأن تعيش بسعادة.

ميلينا التي كتب إليها ذات يوم: "ميلينا، أنت بالنسبة لي لست امرأة، أنت فتاة، فتاة لم أر مثلها أبدا من قبل، لست أظن لهذا أنني سأجرؤ على أن أقدم لك يدي أيتها الفتاة، تلك اليد الملوثة، والمعروقة، المهتزة، المترددة، التي تتناوبها السخونة والبرودة في كتابة الرسائل". لعل هذا ما جعلني أُدخل كافكا في نصوصي وقبله نابكوف لأنني دائماً أشعر بأن الحب المستحيل هو أجمل الحب وأعذبه وأصدقه حتى وإن كانت نهايته مجهولة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.